تسع إصابات بالسرطان في إحدى المدارس القريبة من أبراج الخلوي

الرابط المختصر

الضفة الغربية - هبة لاما - مضمون جديد

أخذ يجول ببصره في زوايا المدرسة وباحاتها كأنه يراها لأول مرة، يراقب الطلبة كيف يقضون وقت فراغهم في منتصف يومهم الدراسي؛ فهذا يأكل شطيرةً من "الشوكولاطة" وآخر يحدق في كتابه ويراجع درسه من أجل امتحان اليوم، ومجموعةٌ هناك تضحك بصوت مرتفع مطلقةً نكاتاً لا تعد ولا تحصى، وآخرون يركضون ويجوبون الساحة جيئةً وذهاباً في حركة سريعة خوفاً من أن يغافلهم جرس المدرسة معلناً انتهاء "فسحتهم المدرسية".

كان كل ذلك طبيعياً من قبل، إلا أنه سرعان ما تحول فجأة إلى أمر استثنائي بكل ما للكلمة من معنى، فتساءل: أيعقل أنه لن يعيش في هذه الأجواء بعد الآن؟ كل هذا الضجيج الذي كان يزعجه قبلاً أصبح يبعث في نفسه الحياة، وهفوات الطلبة أصبحت تثير مشاعره بطريقة تجعله يبتسم ابتسامة عريضة كلما خطر بباله محاولاتهم المتكررة للغش في الامتحان أو الهروب من الواجبات المدرسية وغيرها.

وفي أثناء كل ذلك تذكر في لمحة قصيرة ما قاله الطبيب المعالج: "ابتعد يا ناصر عن مدرسة "طاليثا" حتى نتمكن من السيطرة على الخلايا السرطانية في جسمك، فأن تأخذ كيماوي وتبقى في أجواء مشحونة بموجات أبراج جوال ليس بالأمر الجيد". وهذا ما فعله بالضبط؛ قدم استقالته ولملم أوراقه وها هو الآن يهم بالخروج، على أمل أن يعود إلى "طاليثا" في يومٍ من الأيام، وهو خالٍ من المرض، سليم معافىً.

"طاليثا قومي" وكر للأمواج
في عام 2000 قامت شركة جوال الفلسطينية بوضع برج للجوال في أرضٍ متاخمة لمدرسة "طاليثا قومي" في مدينة بيت جالا. وما أن لاحظ الاهالي الفرق على صحة بعض اساتذتها وطلابها اشتكوا، إلا أن البرج لم يتزحزح من مكانه لكون كل إجراءات تركيبه كانت قانونية من قبل سلطة جودة البيئة المسؤولة عن الموافقة على وضع هذه الأبراج وفقاً لشروط ومعايير معينة. وحتى يكتمل مشهد المأساة تقوم شركة "الوطنية موبايل" منذ عامين تقريباً وفي تلك الرقعة المتاخمة للمدرسة بوضع برجها الخاص.

اليوم هناك برجان يجاوران صحة طلبة المدرسة أحدهما لجوال والآخر للوطنية من دون أن تجدي احتجاجات الأهالي والمدرسة نفعاً هذه المرة أيضاً.

بالنسبة الى الأهالي هم بين أمرين: التطمينات الرسمية المتكررة لسلطة جودة البيئة بعدم وجود أي أخطار ناتجة عن هذه الأبراج كونها ضمن "المواصفات العالمية" من جهة، وظهور9 إصابات بالسرطان بين الطلبة والموظفين في مدرسة "طاليثا قومي" من جهة اخرى.

لم يسبق لطلبة ومدرسي المدرسة ان هجم عليهم مرض السرطان بهذه الشراسة بالتزامن. "يعني القصة بالعقل هناك مشكلة في التجمع المدرسي سواء من البرجين ام غيرهما، ولكن اصابة 9 اشخاص دفعة واحدة ليست مصادفة" يقول ولي امر أحد الطلبة.

ما زال خوف الطلبة من وقوع اربعة وفيات في المدرسة لثلاثة موظفين وطالبٌ بعد إصابتهم بالسرطان، فيما لا يزال الخمسة المتبقون ينتظرون قدر الرحيم.

"لا يهمني إن قالت الدراسات أن أضرار هذه الأبراج لم تثبت بعد". تقول وردة جرجس إحدى الأمهات. "ما يهمني هو لو كان هناك واحد بالمئة احتمالية التسبب بأضرار لأطفالنا، يجب ازالة هذين البرجين من جانب المدرسة، فما الذي ننتظره ؟ هل ننتظر ان يموت نصف الطلبة والمعلمين حتى نقتنع ان هناك رابط بين البرجين والسرطان؟.

وردة وهي نائبة رئيسة مجلس الأولياء في المدرسة، تقول أن الأهالي توجهوا لصاحب الأرض المتاخمة للمدرسة في محاولةٍ لثنيه عن وضع هذه الأبراج لكنه رفض ذلك: "بالطبع فإن المبلغ الذي يتقاضاه يتجاوز أهمية صحة أطفالنا والجيران المحيطين بالمدرسة، ورغم أننا تعدينا ذلك وحاولنا شراء الأرض عن طريق جمع مبلغها من الأهالي إلا أنه رفض ذلك أيضاً".

أما مدير مدرسة "طاليثا قومي" جهاد أبو عمشة فيؤكد أنه سيقوم بكتابة اعتراض لسلطة جودة البيئة والسلطات المختصة قريباً إذ يقول: "أنا شخصياً وبما أنني درست الفيزياء لم أكن أؤمن إلا بالشيء المؤكد ولم أكن أعير الاحتمالات أية أهمية، إلا أنني الآن وبعد أن شاهدت طلبة المدرسة وموظفيها يسقطون واحداً تلو الآخر في فخ مرض السرطان سأدق ناقوس الخطر وسأعلن أن هذه الأبراج خطيرة ويجب إيقاف بثها ونقله إلى مكان آخر".

دراسات عالمية
تؤكد دراسة علمية أمريكية صدرت منذ 5 شهور ان اقتران أبراج الاتصالات بمرض السرطان ليس مؤكداً بعد، إلا أن ما هو مؤكد يتمثل في أن الإشعاعات الصادرة عن الأبراج تثير انقسام الخلايا السرطانية وتزيدها مما يؤدي إلى سرعة انتشار المرض، فمن لديه استعداد للسرطان أو بداية للمرض -بحسب أبو عمشة- فإن هذه الإشعاعات تقوم بنشره وزيادته.

"هذا الكلام العلمي بمرافقة الحقائق على أرض الواقع يجعلنا كإدارة وأهالي على حد سواء نثور على هذه الأبراج بكل ما فينا من طاقة" -يؤكد أبو عمشة- "فما حصل يكفي ولا نريد المزيد".

جوال والوطنية تردان
وينفي مدير دائرة التخطيط في شركة جوال خالد حجة صحة وجود أي ارتباط محتمل بين إصابات السرطان في مدرسة "طاليثا قومي" ووجود الأبراج بالقرب من المدرسة. وقال: "الشركة لا تنصب أي برج إلا بوجود موافقة من السلطات المختصة، إذ إن جميع أبراجنا في الضفة والقطاع تخضع لمعايير وشروط منظمة الصحة العالمية بدقة شديدة.

واضاف أبو حجة: "إن أعظم برج لدينا لا تصل قوته وإشعاعه للحد الأقصى المفروض أن تصله الأبراج عالمياً ألا وهي 4.5 واط لكل متر مربع".

ولكن ماذا يعني وجود برجين في نفس المكان؟ وهل يزيدان قوة الاشعاع؟
تؤكد حنين خوري من شركة "الوطنية موبايل" أنه بناء على الاتفاق الذي تم بين مدرسة "طاليثا قومي" وشركة "الوطنية" أن الأخيرة قد التزمت بهذا الاتفاق والذي ينص على أن البرج الموجود بجانب المدرسة لم يُشغّل للتغطية أو البث للمشتركين منذ تركيبه فهو فقط للربط وهذا ليس له علاقة بخدمات الاتصالات الخلوية والوصول الى المشتركين.

وتشير خوري إلى أن "الوطنية" تحرص دائماً عند تركيب الأبراج على الالتزام بالمعايير الدولية البيئية التي نصت عليها منظمة الصحة الدولية وتستخدم الاجهزة الاوروبية السويدية التي مرت بنجاح من المصدر وطابقت الشروط الاوروبية الموصى بها في اوروبا.

أما جميل مطور نائب رئيس سلطة جودة البيئة فيوضح: "لا يمكننا أن نوقف الحياة لمجرد وجود بعض الدراسات التي تشير إلى أخطار محتملة لهذه الأبراج، فنحن نتبع ما تصدره منظمة الصحة العالمية من شروط ومعايير وهي الجهة العالمية الرسمية المسؤولة عن هذا الموضوع حيث أن جميع الأبراج في الضفة وغزة هي ضمن المعايير العالمية المطلوبة ولا تسبب أي أخطار".

ويضيف مطور: "في حال تجاوز البرج المعايير الواضحة فإنه قد يسبب أضراراً صحية لكنها لا تتعدى الإصابة بالصداع وارتفاع الحرارة وما إلى ذلك، ولا تصل إلى الإصابة بالسرطان".

ثروة لا يمكن تجاهلها
"تركيب برج للاتصالات في أرضك ثروة كبيرة تعيش منها العمر بأكمله". يقول أحد مواطني بيت جالا- مؤكداً أن مبلغاً كبيراً قد عٌرض عليه من أجل نصب برج في أرضه. ويصل المبلغ الى "2500 دولار شهرياً". الجار الذي رفض وضع البرج في ارضه بطلب من جيرانه نادم ولكنه الندم الذي ان عاد الفعل لكرر ذات الرد. يقول مازحا: أضعت المبلغ الكبير من يدي قبل سنوات لرفض أهلي والجيران المحيطين لتركيب البرج، فقد ثار الجميع علي رفضا للفكرة ولذلك لم أوافق على العرض الذي تضمن أيضاً خط جوال مجاني والعديد من المغريات الأخرى".

ذات الجار مقتنع بان هناك اضرارا بل يقول: "هناك برج للجوال بجانب مدرسة الرعاة للروم الأورثودوكس في مدينة بيت ساحور أيضاً، وهذا أمر خطير، فلماذا نعرض أطفالنا للخطر ما دمنا لسنا متأكدين من سلامة وصحة هذه الأبراج وعدم تسببها بأضرار؟".

وتستمر الاحتجاجات
وصل امر رفض الاهالي الى الاحتجاجات على شكل مسيرات تنطلق اليوم الجمعة من مقر بلدية بيت ساحور للمطالبة بإزالة جميع الأبراج في البلدة وإبعادها عن المراكز السكنية والتجمعات والمدارس، فهل سينجح الأمر في النهاية بالتزامن مع كل تلك الاعتراضات، أم أن هذه الأبراج ستبقى تلازم أماكنها وسيبقى الشك يساور المواطنين حتى يثبت أحد الامرين؟