بعد تقلص مساحات الأراضي المزروعة بفعل الاحتلال غزة تستورد زيتونها من مصر

الرابط المختصر

قطاع غزة – محمود أبو الهنود - مضمون جديد

يصعد المزارع جبريل الدحدوح 38 عام على سلم صغير ليتسلق عليه شجرة زيتون في مزرعته الواقعة شرق غزة بالقرب من السياج الحدودي والمقدرة مساحتها ب 60 دونم.

الدحدوح يرقب بعين الحسرة أشجاره التي تتساقط منها حبات الزيتون من دون ان يستطيع الوصول اليها خشية من رصاص الاحتلال المتربص بكل من يقترب من المنطقة ،30 دونم فقط تعادل نصف مساحة أرضه المزروعة بالزيتون.

يستطيع جبريل أن يقطف ثمار أشجارها المعمرة هناك منذ مئات السنين بينما باتت المساحة المتبقية تحت رحمة الاحتلال الذي قام بتجريف جزء كبير منها وأبقى على الجزء الآخر في مرمى جنوده وقذائف دباباته المنتشرة على طول الحدود.

يقول جبريل لـ "مضمون جديد" ما حصل لأرضه: انهم يحرقون بقذائفهم أرضنا وزرعنا ويحاربون شجرة السلام".

واضاف أنه طالما زرع وإخوانه ووالدهم هذه الأرض التي ورثوها عن أجدادهم، لكن الاحتلال لا يكتفي بحصاره الذي يطبقه علينا منذ خمسة أعوام، حتى لجأ إلى محاصرة أرضنا ولقمة عيشنا من خلال تجريف مساحات واسعة من تلك الاراضي التي هي كل شيء بالنسبة لنا.

ما يقلق جبريل أن هناك خطر حقيقي أصبح يتهدد شجرة الزيتون بحكم تقلص مساحة الاراضي المزروعة بهذه الشجرة التي ارتبط بها الشعب الفلسطيني ارتباط كبير، وهوما يؤثر على القدرة الانتاجية ويعمل على تعويض أي نقص عن طريق الاستيراد الخارجي ، حيث تم خلال الفترة الاخيرة استيراد الزيتون المصري عن طريق الانفاق ، وانعكس ذلك على الاقبال على شراء الزيتون المنتج محلياً بسبب رخص ثمن الزيتون المصري الذي يقدر ب 10 شيقل ثمن الرطل الواحد مقابل 25 و30 شيكل للزيتون المحلي والذي يتمتع بجودة عالية.

بينما أشار المزارع محمود دلول 47 عام والذي يمتلك وإخوانه 115 فدان شرق حي الزيتون بغزة أن ما بقي له من مساحة أرضه 25 دونم فقط بعدما قام الاحتلال بتجريف 90 دونم من أراضيهم المزروعة معظمها بأشجار الزيتون حيث يصل عمر البعض منها الى 400 عام.

وقال لـ "مضمون جديد" أنه لا يستطيع الوصول الى جزء كبير من تلك المساحة، بحكم القذائف والرصاص والذي أدى لاصابة أحد أبنائه نتيجة تعرضه لاطلاق الرصاص من قبل جنود الاحتلال الاسرائيلي المتمركزين فوق الأبراج العسكرية خلال الحرب الإسرائيلية الاخيرة على قطاع غزة.

واضاف أن كميات الزيتون المنتج محلياً في تناقص مستمر بحكم تناقص المساحات المزروعة والناتج عن تجريف الاحتلال لمساحات واسعة من أراضي المواطنين ، وهو ما أثر على انتاج " الزيت البلدي " الذي تناقصت كمياته أيضاً ، الامر الذي يؤدي الى ارتفاع أسعاره ، ولجوء البعض لشراء الزيت المستورد.

أما الحاج خضر أبو عصر 56 عام من منطقة السودانية بغزة فقد توجه الى معصرة " كشكو " حاملاً معه هذه المرة بدلاً من عشرات شوالات الزيتون، بـ "شوال" واحد فقط هو ناتج شجرتي زيتون من نوع k18 ، بقين له من بين عشرات أشجار الزيتون التي كانت مزروعة في أرضه، والتي قام الاحتلال بتجريفها خلال الحرب الاخيرة على قطاع غزة في نهاية عام 2008 ، لعل الابتسامة التي تكسو باستمرار وجه الحاج خضر خففت عليه كثيراً لحظة سلمه صاحب المعصرة 3 كيلو من الزيت بعدما كان يسلمه ما بين 5أو 6 تنكات ، قبل تجريف أرضه .

يقول المزارع سكر أنه يمتلك 6 دونمات زراعية شرق مدينة غزة، بقي له منها ثلاث دونمات فقط، بعدما جرف الاحتلال نصفها الاخر، مشيراً أن أرضه كانت مزروعة بأشجار الزيتون ويبلغ عمر الواحدة منها 12 عام، لكن الاحتلال يسعى دائماً إلى تدمير كل ما هو فلسطيني.

واشار الى أنه لا يذهب الى أرضه سوى عند الضرورة حيث يتعرض كل من يقترب من المنطقة لاطلاق النار في أحيان كثيرة ، وطالب سكر المؤسسات الدولية والمهتمة التدخل لحماية المواطن الفلسطيني الذي يحارب بأرضه وماله وحياته ، ومنع الاحتلال من الاعتداء على المزارعين الفلسطينيين وإعطاءهم حرية الزراعة والفلاحة في أراضيهم .

وبحسب آخر تقرير أصدره المركز الفلسطيني لحقوق الانسان حول سياسة الإغلاق على الصادرات الزراعية في قطاع غزة فقد ظهر الأضرار الجسيمة التي نجمت عن تجريف قوات الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الزراعية في قطاع غزة.

ونتج عن هذه السياسة تقلص مساحة الأراضي الزراعية بسبب عمليات التجريف بنحو 7.5% من المساحة الإجمالية للأراضي المزروعة في القطاع. ويتضمن التقرير إحصاءات حول حجم الأراضي التي تعرضت لعمليات تجريف منذ بدء الانتفاضة الفلسطينية الثانية والتي قدرت بنحو 48051 دونماً، و 2358 بئراً للمياه تعرضت للتدمير الكلي أو الجزئي، 392 بركة مياه، 1262 دفيئة زراعية و 76585 متراً مربعاً، مقام عليها غرف زراعية ومبان لآبار المياه.

وتشير الإحصاءات إلى أن شجرة الزيتون تشكل ما يقارب 45% من مساحة الأراضي الزراعية في فلسطين وتعتبر الشجرة الأكثر انتشارا حيث تبلغ مساحة الزيتون 80% من مساحة الأراضي المزروعة بأشجار الفواكه، و تبلغ مساحة الأراضي المزروعة بأشجار الزيتون في الضفة الغربية ما يقارب 900 ألف دونم ، وفي قطاع غزة ما يقارب 30 ألف دونم ، ويصل عدد أشجار الزيتون بحدود عشرة ملايين شجرة .

ويبلغ إنتاج زيت الزيتون في فلسطين في السنوات الجيدة إلى أكثر من 35 ألف طن زيت وينخفض هذا الرقم إلى اقل من سبعة آلاف طن في السنوات قليلة الإنتاج وبشكل عام يقدر المعدل السنوي العام لإنتاج الزيت على مدار السنوات الثلاثين الماضية بحوالي 15 ألف طن.

ويصل معدل الملكية للمزارع الفلسطيني من بساتين الزيتون في حدود 8 – 10 دونم وبذلك فان حوالي100 ألف عائلة تعتاش جزئياً أو كلياً على هذه الشجرة المباركة.

من جهته قال المهندس ثائر عابد مدير الجمعية الاهلية لحماية شجرة الزيتون بغزة لـ "مضمون جديد إن الاحتلال الإسرائيلي تعود على محاربة كل ماهو فلسطيني من بشر وشجر وحجر، مشيراً إلى أن شجرة الزيتون التي تعبر عن " أصالة الشعب الفلسطيني " كان لها النصيب الاكبر من الحرب التي يشنها الاحتلال ومستوطنيه في الضفة الغربية وقطاع غزة على السواء، حيث قامت قوات الاحتلال الإسرائيلي بتجريف مساحات واسعة من أراضي المواطنين على طول الشريط الحدودي مع قطاع غزة، وتدمير ابار وخطوط المياه التابعة للمزارعين.

واضوح أن سلطات الاحتلال تسعى من خلال اجراءاتها لزيادة نسبة مساحة الاراضي الممنوع على المواطنين الزراعة أو الاقتراب منها حيث كانت 300 متر بعد السياج الحدودي الا ان الاحتلال يسعى لزيادتها وهو ما يؤثر على المزارعين الذين فقدوا جزء كبير من أراضيهم وأدى إلى خسائر كبيرة لهم خصوصاً في ظل موسم قطف الزيتون الذي يستبشرون به خيراً.

وأضاف عابد أن هناك خطر حقيقي يتهدد شجرة الزيتون في فلسطين ، وهو ما يستدعي اهتمام أكبر من قبل الجهات الحكومية والمؤسسات المهتمة من خلال زيادة نسبة المشاريع الهادفة لدعم المزارعين ، وعمل حملات وطنية لانقاذ تلك الشجرة عن طريق اتباع الأسلوب الاتجع " هم يقلعون ونحن نزرع " ، منبها إلى أن تقلص مساحات الأراضي المزروعة بالزيتون أدى خلال السنوات الاخيرة إلى استيراد كميات محددة من الزيتون من بعض الدول العربية .

وأثر على انتاج الزيت ، الحل الوحيد لمشكلة اعتداء قوات الاحتلال المستمر على شجرة الزيتون في الأراضي الفلسطيني كما يراه عابد " هو شجرة تخلع ، شجرة تغرس " ، حتى يتم التغلب على خطر أشار اليه يتمثل بامكانية انقراض شجرة الزيتون في فلسطين بعد 15 عام اذا ما تم تلافي ذلك الخطر من خلال تعزيز الجهود المختلفة للحفاظ على شجرة السلام.

أضف تعليقك