الكلاب الضالة وباء يترصد البشر والبيئة في غزة

الرابط المختصر

غزة - فادي الحسني - مضمون جديد

لا يبدو نباح الكلاب الضالة في مناطق متفرقة من قطاع غزة باعثا على الخوف والقلق فقط، وبخاصة إذا تبين أن لعنة انيابها طالت مواطنين، وتجرأت على مزارع الطيور والأغنام وافترستها.

ويقول أحمد حيدر إن أكثر من ثلاثة كلاب ضالة انتهزت فرصة مروره بعد منتصف الليل في وسط شارع ترابي يقع غرب مدينة غزة وهاجمته، لكنه افلت من براثنها بأعجوبة.

وأضاف حيدر وهو في العشرين من عمره "رغم علمي المسبق بأن الكلاب تتجمع في قطعان عند اكوام القمامة في هذا الشارع، لكني آثرت المرور فيه اختصارا للطريق المؤدية إلى بيتي، ففوجئت بمطاردة الكلاب لي دون وجود منجد".
واشتكى الشاب من تقصير الجهات المسؤولة في مكافحة تلك الكلاب التي وصفها بـ"الشرسة"، مبينا أن نباحها المدوي يثير الذعر لدى الاطفال.

وهذه ليست الحالة الوحيدة التي عانى فيها المواطنون من الكلاب الضالة، اذ أن الحاج أبو رائد وهو في عقده الخامس، بات يحكم اغلاق باب منزله المطل على الساحل الشمالي للقطاع كل ليلة، خشية من تسلل الكلاب إلى حديقة البيت لافتراس دجاجاته، حيث سبق وأن نهشت عددا منها مستغلة غفلة صاحبها.

وقال أبو رائد ذو الشعر الأبيض لـ"مضمون جديد" إنه لم يزل متخوفاً على طيوره التي كانت قد نهشتها الكلاب أثناء نومه قبل نحو شهرين، مشيرا إلى أنه يخشى من وضع "السم" لتلك الكلاب التي تنتشر في حيه كل مساء "خوفا من أن تطال السمّ أيدي الاطفال أو أن تبتلعه الطيور".
اخطار بيئية

ولا يقتصر خطر الكلاب الضالة على الهجمات التي تشنها على البشر والحيوانات، بل يمتد الى البيئة حيث تسهم في تلويث تربتها ومزروعاتها ومائها بفضلاتها التي تنشر بعضا من اخطر الامراض والاوبئة.

وقد لا يعرف الكثيرون ان الكلاب ليست فقط مصدرا لمرض داء الكلب الذي يسببه نوع من الفيروسات والذي تكون عواقبه وخيمة على الإنسان، وإنما هناك أمراض عديدة تعتبر الكلاب أهم وسائل نقلها للبشر، ومنها مرض الأكياس المائية الذي تشاركها فيه القطط أيضا.
وهذا المرض تسببه يرقة نوع من الطفيليات الشريطية التي تعيش دودتها البالغة في الكلاب.

والمرض الأخر يعرف باسم (التوكسوكارياسس) والذي تسببه يرقة طفيلي المسمى (توكسوكارا كافس) التي تعيش ديدانها البالغة في الكلاب.
وأكثر من يصاب بهذه الديدان الخطيرة الأطفال من أعمار سنة إلى خمسة سنوات.

وتحمل الكلاب البالغة ديدان الأكياس المائية التي تلوث البيئة في كل مكان تمر فيه ويعود السبب في ذلك إلى ان الكلب المصاب بهذه الدودة يحمل في قناته الهضمية ما يزيد على 300 دودة في نفس الوقت، بالإضافة إلى ان قابلية هذه الديدان لإنتاج البيوض تكون عالية وكذلك حركة الكلاب السائبة من مكان لأخر وبسرعة كبيرة.

والأخطر في هذه الديدان التي تسبب الأكياس المائية أنها لا يمكن ملاحظتها بسرعة في أدوار نموها الأولى وغالبا ما تأخذ زمنا يتراوح بين (10-15 سنة) إلى ان تصبح كبيرة الحجم (حجم التفاحة) وعندما تصل إلى هذه المرحلة فإنها تشكل مصدر الخطر الذي يؤدي بحياة الإنسان.

ومع ما يبذله العلماء من جهود كبيرة للقضاء على هذا المرض ومكافحته إلا انه يصعب السيطرة عليه لان المصدر الأساسي لانتشاره (الكلاب الضالة) تكون موجودة في كل مكان ويمكن ان تلوث أي مكان نتيجة تخلصها من فضلاتها في الحقول وعلى كافة أنواع الخضراوات وعلى التربة وفي شوارع المدن.
وبالتالي تكون مصدر تلوث للمواد الغذائية والتي إذا تناولها الإنسان بدون الالتفات إلى نظافتها فإنه سيصاب بهذا المرض الخطير.

واضافة الى ذلك، فان الكلاب الضالة تساهم في تلويث البيئة عبر بعثرتها لمحتويات صناديق القمامة والأكياس البلاستيكية خلال بحثها عن الطعام، مما يساهم في انتشار القاذورات والميكروبات في الشوارع والأزقة.

حملة مكافحة

يبيح قانون داء الكلب رقم 39 لسنة 1934، لجهات الاختصاص إهلاك الحيوانات الضالة، ونص في مادته العاشرة على ضرورة ربط سكان أي منطقة يعلن فيها عن المكافحة - كلابهم في عقاراتهم، لأنه سيهلك كل كلب غير مربوط أو شارد أو ضال أو لا صاحب له أو غير مرخص به.

وعملا بنص القانون السابق فإن وزارة الزراعة في غزة أخذت على عاتقها مكافحة الكلاب الضالة في قطاع غزة، وأطلقت حملة وصفتها بأنها "الاولى من نوعها" لغرض قتل هذه الكلاب بالتعاون مع بلديات محافظة شمال القطاع.

وأعلن حامد مصبح مدير وحدة البيطرة في الوزارة عن أن الحملة جاءت بعد شكاوٍ من المواطنين والمزارعين مما تسببه الكلاب والحيوانات الضالة من أضرار اقتصادية لهم عبر مهاجمة مزارعهم وتخريبها، عوضاً عما تسببه من أضرار صحية وأهمها نقل الأمراض الوبائية المشتركة.

وأوضح مصبح لـ"مضمون جديد" أنه يتم دفن الحيوانات النافقة وفق الأصول دون التسبب في مكاره صحية للمواطنين، مؤكدا أن الحملة لاقت رضى واسعا من الجمهور، خصوصاً المزارعين ومربي الثروة الحيوانية والمواطنين القاطنين قرب تجمعات النفايات.
وأشار إلى حملة مماثلة تثقفية في الوقت نفسه تسعى لتوعية المواطنين حول طرق مكافحة الحيوانات الضالة وعمل الإجراءات اللازمة بهذا الخصوص.

والحملة مبنية على توزيع كبسولات سموم من نوع (لينت، وتميك) عند تجمعات القمامة التي تنتشر حولها الكلاب الضالة.
ويصف مصبح هذه المحاولة بـ"البدائية" في ضوء منع الاحتلال إدخال مادة (ستركين) السامة -التي لا طعم لها ولا لون ولا رائحة- إلى قطاع غزة، مشيرا إلى أن آلية مكافحة الكلاب تأثيراتها محدودة في ضوء عدم توفر البدائل المناسبة عن المادة المحجوبة.

ويبدو ان أكثر المتضررين من الكلاب الضالة هم أصحاب مزارع الأغنام والدواجن والأرانب، فضلا عن تضرر المزارعين ممن تقضي الكلاب على أغطية دفيئاتهم الزراعية وتدمر نباتاتهم الحديثة.

وقال مصبح "ثمة عدد كبير من اصحاب مزارع الاغنام اشتكوا من نهش الكلاب لأجزاء من أغنامهم في ساعات الليل، الأمر الذي ادى في كثير من الاحيان الى تسميم تلك الاغنام".
وانتشرت شائعة في وقت سابق عن عقر الكلاب الضالة لرجل كان في طريقه إلى صلاة الفجر، مما استدر عطف مواطنين طالبوا بضرورة محاربة الكلاب أينما وجدت.
فيما اشتكى المواطن ابو علي القاطن في حي الشعف- شرق مدينة غزة- من قتل كلب الحراسة القائم على تربيته منذ خمس سنوات بعيار ناري أثناء وجوده في ساحة المنزل.

وقال أبو علي في العقد الرابع من العمر : "تفاجأت ذات صباح بأن كلب حراسة المنزل مضرج بدمه في أعقاب قنصه بطلق في الرأس، دون معرفة هوية القتال أو دوافع قتله".

خطر على المقاومة

في غضون ذلك كشفت مصادر أمنية مطلعة عن أن الاجنحة العسكرية التابعة لفصائل المقاومة الفلسطينية في غزة، أوعزت لعناصرها المرابطين ليلاً على الثغور، أن يكافحوا تلك الكلاب إذا أثارت حركات من شأنها أن تفضح تخفيهم.

وقال أحد أفراد المقاومة-فضل عدم الكشف عن هويته- أنه اطلق في وقت سابق النار على كلب ضال وقتله بعد اقترابه من المجموعة المتخفية في مكان قرب الحدود الشمالية المتاخمة لإسرائيل.

وأشار المقاتل صاحب اللحية الخفيفة، خلال حديثه لـ"مضمون جديد" إلى أن هناك مخاوف من أن تكون الكلاب الضالة مدربة على يد الاحتلال لتقصي أثر عناصر المقاومة ولاسيما أن معظمها يتسرب عبر الجدار الأمني الفاصل بين القطاع و"إسرائيل".

ولا يستبعد مصبح أن تقوم جهات وصفها بـ"غير مسؤولة" بإطلاق النار على الكلاب الضالة، قائلا :"سمعنا عن حالات قتل الكلاب الضالة مباشرة عبر قنصها، لكننا لا نعلم هوية الجهات التي تفعل ذلك".

ورشح أن يكون بعض المواطنين ممن يقتنون اسلحة نارية هم من نفذوا الأمر، معتبرا أن قتل الكلاب مباشرة بالأعيرة النارية "قد يكون اسرع وأكفأ" وفق ما قال.
واستدرك "في كل الاحوال القتل المباشر يحتاج إلى فتوى".
واستنادا إلى رأي الشرع الإسلامي في مكافحة الكلاب الضالة، أجاز الشيخ ماهر السوسي استاذ الشريعة والقانون في الجامعة الاسلامية بغزة، قتلها.

وأشار إلى أن قتل النفس محرم عدا الكلب العقور الذي يؤذي الناس ولا يمكنهم التعايش معه في أي حال من الأحوال.
ورأى السوسي أن الاولى في محاربة الكلاب الضالة هو استخدام الوسائل السلمية، وأن آلية القتل عن طريق السم يسمح بها إذا كانت آخر الوسائل.

في حين يرى مصبح مدير وحدة البيطرة في وزارة الزراعة أن القتل بالسم هو البديل الوحيد المتوفر في غزة، مستعرضا توصياته التي تقدم بها إلى الوزارة، بأن يجري اصطياد أنثى الكلب واحتجازها في محاجر خاصة لغرض استئصال "المبايض" من أجل الحد من تكاثر الكلاب، إضافة إلى الحفاظ على التربة من تسرب السموم إليها.