الضفة الغربية .. إفطار بطعم دم الشهداء

الرابط المختصر

الضفة الغربية - هبة لاما - مضمون جديد

مائدة تحتوي على ما لذ وطاب من المأكولات. أفراد عائلة "أبو حسين" في انتظار صوت مدفع رمضان المدوي.

ما أن يسمع المدفع حتى تبدأ الأيادي بالتقاط ما أبدعته يد "أم حسين" من "طبخات" شهية، بعد يوم رمضاني صيفي طويل وحار.

"هي مائدة فلسطينية مائة في المائة" هكذا تصفها "أم حسين"؛ ما وضعته من مأكولات فيها. لما لا والمطبخ الفلسطيني بما يمكن صنعه.

هنا طبق الملوخية الخضراء الطازجة مع الأرز، وهناك ورق الدوالي (ورق العنب) الملفوف بعنانية وترتيب ومطبوخ بالسمن "البلدي". وهذا الفتوش والتبولة والبقدونسية وأنواع من السلطات الأخرى بحسب ذوق أبنائها. إلا أن المائدة الفلسطينية لن تكتمل إلا بخبز الطابون الساخن، الذي تخبزه "أم حسين" بنفسها.

عندما حاول أحد أبناء "أم حسين" ممازحتها بالقول إن مائدتها ليست فلسطينية "مائة في المائة" نظرت إليه بشيء من الغضب، فهي لا تكذب.

لم يخطر على بال أم حسين أن ما عناه الابن دقيق، فرغم وجود الخبز "البلدي" ودخول "السمن البلدي" في تحضير المأكولات جميعها والمأكولات الفلسطينية، فإن قنينة العصير الكبيرة بطعم البرتقال التي تتربع وسط كل هذه المأكولات ذات الهُوية الفلسطينية، تصر على جعل الإفطار مختوماً بالختم "الإسرائيلي" بل ومن صنع المستوطنات.

صدمت "أم حسين" والعائلة بسماع ذلك. قالت وهي ترفع العصير الإسرائيلي عن مائدتها وتضعها في سلة المهملات: الآن أصبحت "مائة في المائة". فضحك الجميع.

وبينما نظر الأبناء لحركة أمهم العفوية بفخر كان أبو حسين يقول: "نحن لا نأكل طعاماً أو نشرب شراباً ملطخاً بدماء شهدائنا".

فتعقب الوالدة "لن نفعلها ثانية، ستبقى مائدتنا فلسطينية وإفطارنا فلسطينياً دائما"، مصراً على مقاطعة جميع البضائع الإسرائيلية وليس فقط تلك التابعة للمستوطنات: "كل بضائع إسرائيل هي حرام بالنسبة لنا".

عائلة "أبو حسين" ليست الوحيدة التي أدخلت البضائع الإسرائيلية لبيوتها فتربعت وسط الموائد الرمضانية. هناك بعض العائلات تشتري البضائع من دون التنبه إلى كونها عربية المنشأ أم إسرائيلية؛ فجميع هذه البضائع تحمل يكتب عليها باللغة العربية، فيحسبها المواطن عربية دون أي تدقيق في التفاصيل.

حملات متعددة

ورغم أن وزارة الاقتصاد الوطني والعديد من المؤسسات الفلسطينية قد اضطلعت بعدة حملات توعوية، إلا أن المواطن لا يزال غائباً عن كل ذلك، ولا تزال الأطعمة الإسرائيلية تتسرب إلى البيوت الفلسطينية.

يقول عبد الحميد مزهر مدير دائرة حماية المستهلك في وزارة الاقتصاد: "قمنا بحملات متتابعة قبل حوالي العام والنصف، بدأناها بحملة "من بيت لبيت" ثم "من محل لمحل" إضافة إلى حملة "وسام الكرامة" وغيرها من الحملات التوعوية، حيث قام موظفونا والمتطوعون الذين اشتركوا في الحملة بالذهاب إلى كل بيت فلسطيني في جميع المحافظات ومحادثة المواطنين وتعريفهم بجميع هذه البضائع عن طريق قائمة تحتوي على أسمائها وصورها".

ولم تكتف وزارة الاقتصاد بذلك فقد كررت الحملة مستهدفةً المحال التجارية من أجل إقناع التجار بعدم التداول بهذه المنتجات وضرورة مقاطعتها، إلا أن الأسواق الفلسطينية لم تخلُ تماماً من هذه البضائع وبقي البعض يتاجر بها والآخر يستهلكها.

القتلة يصنعون لنا ما نأكل

ويصف المواطن أبو محمد البضائع الإسرائيلية بالملغومة ويقول: "يجب ألا نشتري بضائع أعدائنا ففي النهاية فان القتلة يصنعون لنا ما نأكل ونشرب.

ويضيف، نحن بذلك نعزز اقتصادهم ونزيد من أرباحهم، فهناك العديد من البضائع العربية والفلسطينية ذات الجودة العالية التي تطغى على البضائع الإسرائيلية، فلماذا إذن لا نستهلك الصناعة المحلية دعماً لها أولاً واحتراماً لكل من قضى شهيداً في الدفاع عن هذه الأرض وأهلها ثانياً".

أما أبو سعيد فيقول: "نحن نفترض أن المحال التجارية لا تبيع هذه البضائع وذلك وفقاً للقانون الذي يحظر ذلك، لهذا فإن المواطن يشتري من هذه المحال دون أن ينتبه إلى ماهية ما يشتريه معتقداً أن جميع هذه البضائع ستكون خالية من منتجات المستوطنات، أما البضائع الإسرائيلية الأخرى فهي مسموح التداول بها لهذا يجب على أي فرد منا أن ينتبه جيداً ويقرأ ما يكتب على أي منتج في حال عدم رغبته استهلاك بضائع العدو مهما كان منشأها".

لماذا المستوطنات فقط؟

كانت السلطة الفلسطينية أصدرت في نيسان عام 2010 قانون مقاطعة بضائع المستوطنات والذي يقضي بمنع تداول البضائع التي تنتج أو تصنع أو تخزن في المستوطنات (الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967م.

وبحكم الاتفاقيات الاقتصادية بين السلطة الوطنية الفلسطينية من جهة وإسرائيل من جهة أخرى" لا تستطيع السلطة منع دخول البضائع الإسرائيلية إلى فلسطين.

يقول مدير دائرة حماية المستهلك في وزارة الاقتصاد: "إحداها هذه الاتفاقيات اتفاقية باريس الاقتصادية، لذلك فإن قرار مقاطعة البضائع الإسرائيلية جميعها بحاجة إلى قرار سياسي وليس اقتصادي، أما بالنسبة لبضائع المستوطنات فهي ممنوعة، ونحن نشدد الرقابة على المحال التجارية من أجل الحصول على فلسطين خالية من هذه المنتجات.

يؤكد المسؤول الفلسطيني إن أي تاجر يخالف القانون يعاقب إما بالسجن أو دفع غرامة مالية قد تصل إلى 10 آلاف دينار أردني أو سحب رخصته التجارية بحسب الجرم الذي وقع به".

ويشير إلى أن مفتشي وزارة الاقتصاد موجودون بشكل دائم في الميدان بالتعاون مع الأجهزة الرقابية المختصة ومؤسسات السلطة، حيث يتوجهون للأسواق بشكل يومي للبحث عن أي مخالفة لها علاقة بقوانين سلامة وصحة وجودة الأغذية وسلامة المواطنين، إلا أن العقبة التي تواجه دائرة حماية المستهلك تتمثل في أنه كل يوم يخرج للنور بضائع جديدة لا يعرفها الجانب الفلسطيني كما أن العديد من مصانع المستوطنات تتحايل على التاجر الفلسطيني والسلطات المختصة وتضع "ليبلاً" مغايراً عن الأصلي وكأن هذه البضاعة لم تصنع في المستوطنات، لذلك فإن البحث والرقابة الدائمة والتحقيق المستمر والمواكبة هي من أهم الأشياء التي على حماية المستهلك عملها.

رامي ليفي بديل إسرائيلي ذكي.. ولكن

لكن الحال لا يتوقف عند هذا البعد وحسب. بعد إقرار القانون الفلسطيني الذي يحظر استهلاك بضائع المستوطنات تم إيجاد ما يسمى بسلسلة محال "رامي ليفي"، وهي مجموعة من المحلات التجارية التي أنشأت في مناطق قريبة من المدن الفلسطينية بحيث يستطيع أي فلسطيني الوصول إليها بسهولة. إن هذه المحال التجارية تطلق في العادة عروضا ضخمة بأسعار منخفضة تجذب الجمهور الفلسطيني إليها علماً بأنها مليئة ببضائع المستوطنات.

أحد تجار مدينة بيت لحم يصف الأمر برمته "بالمسخرة" على حد اللهجة الفلسطينية ويقول: "حتى لو التزم التاجر بالمقاطعة فإنك ترى الناس تذهب إلى (رامي ليفي) في منطقة عصيون قرب بيت لحم لشراء احتياجاتهم الغذائية، وبالتالي فإن ذلك يعد خسارة بالنسبة لنا، فإما أن نلتزم جميعنا تجاراً وأفراداً بالقانون وإما لا".

وجدت محلات "رامي ليفي" لوضع عقبات أمام الاقتصاد الفلسطيني" -يقول عبد الحميد مزهر- فخفض أسعار العديد من المنتوجات في هذه المحال يجذب الفلسطينيين إليها خاصة في ظل الأوضاع الاقتصادية التي يعانيها الفرد. يقول مزهر. ويضيف، "أؤكد أن جودة هذه البضائع رخيصة الثمن هي متدنية، ولا ترقى لتكون حتى صالحة للاستهلاك البشري. أما البضائع الأخرى ذات الجودة العالية فإن ثمنها مرتفع.

لذلك واستنادا الى الشق الصحي وليس السياسي وحسب فإني المطلب من كل مواطن ألا ينجر وراء هذه المحاولات الإسرائيلية لمنع عمليات المقاطعة والتي تكللت بالقانون الإسرائيلي الجديد القاضي بمخالفة وعقوبة من يقاطع إسرائيل".

بالنسبة إلى مزهر فان مقاطعة السلع الإسرائيلية هي وازع وطني وليس قانوني، خوفاً من العقوبة".

ويختم المسؤول الفلسطيني بالقول: يجب أن تخلو موائد إفطارنا من البضائع الإسرائيلية بغض النظر عن وجود القوانين الرادعة أم لنا، ولتكن دماء شهدائنا هي التي تمنعنا من استهلاك بضائع أعدائنا، فنحن لا نستطيع أن نشرب عصائر دماء الشهداء، ولا أن نتصدق على الأعداء بثمن الرصاصة.