الرعاية العشوائية للأغنام في غزة.. ملوث صحي وخطر بيئي

الرابط المختصر

غزة - فادي الحسني - مضمون جديد

يسوق العشريني عبد الله قطيع أغنامه مطلع كل فجر وهو يمتطي حماره الرمادي متجها نحو مجمع للقمامة لغاية رعيها وإطعامها في مخالفة قد تبدو خفية عن الجهات المسؤولة بقطاع غزة.
عبد الله صاحب البشرة الداكنة يحاول أن يخفي فعلته اليومية، فيقول: "أذهب بها إلى الأماكن المعشبة لكنها قد تخطئ طريقها وتندفع نحو النفاية".

ويقف الراعي على بعد نحو عشرة أمتار عن قطيعه إلى جوار مسجد "خالد العلمي" الواقع غرب مدينة غزة من أجل الاستراحة بعد أن ينزل عن حماره الهزيل وينتظر القطيع حتى يفرغ من أكله في حين يكون الأخير قد قلب الحاوية وشتت شمل القمامة.

ويلتهم قطيع الأغنام الذي يزيد عدده على خمسين ماعزا بقايا الأكل الفاسد وأكياس النايلون دون اكتراث الراعي الذي لا يلتفت إلى المارة أكثر من القطيع الذي يرافقه عدد من الكلاب.

ما يفعله راعي الأغنام عبد الله فعلته أيضا فتاتان قصيرتا القامة يغطي وجهيهما وشاح أبيض كن يرعين الأغنام بجوار أحد المقاهي المطلة على شاطئ بحر غزة في منطقة الشيخ عجلين، وحين اقترب "مضمون جديد" من هن امتنعن عن الحديث وتنحيتا جانبا.

وباتت الرعاية العشوائية للأغنام في شوارع قطاع غزة شبه ظاهرة يستاء منها المواطنون وسط تجاهل المسؤولين، ما دفع "مضمون جديد" لمحاولة الوقوف على هذه المخاطرة البيئية والصحية والسعي لطرح الحلول لتجاوزها.

مخالفة ..
عندما استطلعنا آراء المواطنين الذين يعانون هذه الأزمة التي يصنعها رعاة الأغنام عبر عدد كبير منهم عن استيائه من هذا الفعل شبه اليومي، مستنكرين تجاهل الجهات القائمة على حماية البيئة والصحة لمثل ما أسموه بـ"المخالفة".

وقال أبو حسن عليان إن هاتين الفتاتين تأتيان يوميا في ساعات الظهيرة لرعاية أغنامهن في المنطقة نفسها وسط حرج السكان من منعنهن من إطعام الأغنام القمامة.

وأشار عليان وهو في أواخر عقده الثالث لـ"مضمون جديد" إلى أن الأغنام تنثر محتوى الحاوية على الطريق وحول المقهى، "وتستمر القمامة ملقاة حتى ساعات الصباح حتى مجيء موعد عمال النظافة فضلا عن أنها تقطع الطريق على السيارات المارة".

في المحافظة الشمالية من قطاع غزة وتحديدا في منطقة "بيت لاهيا" يصطلح عبد الرحمن نصار وهو شاب عشريني على أحد الشوارع الواقع في حيه اسم "شارع الغنم"، وذلك لانتشارها طوال ساعات النهار وسط الشارع متنقلة من حاوية قمامة إلى أخرى، مشيرا إلى أنها (أي الأغنام) تنبش حتى أسلال القمامة الموضوعة أمام منازل السكان.

وتمنى الشاب نصار لو أن البلديات ووزارتي الصحة والزراعة تدخلت لوضع حل لما أسماه "الظاهرة الباعثة على المكاره الصحية"، متسائلا بسخرية: "ألم تصب الأغنام بأذى جراء أكل القمامة؟، أم إن مناعتها أقوى من الفيروسات".

في المقابل، تبرر خمسينية تدعى أم ياسر تجوالها وسط مخيم جباليا لرعي أغنامها بأنه ليس ترفا وإنما لعدم قدرتها على الدخول إلى الأراضي العشبية المتاخمة للحدود الجنوبية مع إسرائيل، ولاسيما أن الجنود المتمركزين في تلك المنطقة لا يتوانون عن فتح النار كلما لمحوا خيالا.

وأفادت أم ياسر أن أحد أحفادها اصيب أثناء مرافقتها على أطراف بلدة "بيت لاهيا" أقصى شمال القطاع في منطقة تسمى "الهجين"، وقالت: "اقتربنا من الموت المحقق لولا أن انبطحت ارضا بعدما فتح الجند النار باتجاهنا".

ومنذ تلك الحادثة وأم ياسر صاحبة الوشاح الاسود، لا تقترب من المناطق المتاخمة للاحتلال حفاظا على سلامتها وسلامة الأغنام التي تعتمد عليها في إعالة أسرتها.

وأكدت أن الرعي وسط الأحياء السكنية يكلفها الكثير من الوقت وفقدان بعض الأغنام لاصطدامها بالمركبات الكبيرة التي تمر عبر الطرق العامة، "لكنه في كل الاحوال اهون من التعرض للموت في المناطق الحدودية"، كما قالت.

ولا تجد الراعية حرجاً في تنقيب محتوى الحاويات والأكياس البلاستيكية المحاطة بها لغرض تفريغها من بقايا الأكل واطعامها لأغنامها، لافتة إلى أن أغنامها الكثيرة تحتاج إلى بذل جهد إضافي وعمل دؤوب للتغلب على نقص الأعشاب.

الاحتلال

ومن شمال القطاع إلى أقصى جنوبه فالأزمة واحدة، لأن الهروب من الاحتلال هو المبرر الوحيد أمام رعاة الأغنام داخل الأحياء السكنية وفوق أكوام القمامة وداخل الحاويات.

ويجنب عبد المعطي وهو راع يقطن في محافظة رفح نفسه القلق والخوف الذي يراوده أثناء رعيه في منطقة "المطار" ومعبر "صوفا"، لذلك أضحى يرعى أغنامه وسط الأحياء المكتظة بالسكان.

فضلا عن تجاوز شعور الخوف فإن عبد المعطي يحاول أيضا ألا يرهق كاهله بالإنفاق على أطعمة الأغنام التي تصل إلى (50 شيكل) يوميا، أي ما يعادل (16 دولار) على ضوء عدم وجود مصدر دخل لديه.

من جانبه أكد رئيس بلدية الشوكة منصور بريك، أن المساحة المتاحة لرعاة الأغنام من قبل الاحتلال يجب أن تبعد عن الحدود مسافة 300 متر فقط، "وإذا اقترب أكثر من ذلك يعرض نفسه للخطر الشديد".
ونفى الشوكة في تصريح صحفي وجود مناطق آمنة للرعي في محيط منطقته، مردفا: "لا يوجد أي مراعي آمنة على الحدود وأنصحهم أن (أي رعاة الأغنام) أن يرعوا أغنامهم ويربوها في حدائق خاصة، بعيدا عن مشاكل الاحتلال" .

المتحدث باسم بلدية غزة في المقابل يقول لـ"مضمون جديد" إن القانون حدد أماكن تربية الأغنام وهي المناطق الزراعية، مشيرا إلى أنه خلال فترة الحصار (أي منذ عام 2006-2011) كان هناك استثناءات، "فأتيح المجال للرعاة برعاية أغنامهم على الأطراف الشرقية من مدينة غزة نظرا للظروف الاقتصادية الصعبة وعدم قدرتهم على توفير احتياجات الأغنام من مأكل".

غير أن الشيخ خليل استدرك قائلا: "حاليا نحارب هذه الظاهرة التي نجدها بكثرة في شرق غزة"، مبينا احتجازهم عددا من الأغنام في المسلخ التابع للبلدية بعد أن وجودها قد عبثت في الشوارع، فأجبروا أصحابها على دفع غرامات مالية مقابل الافراج عنها.

وأوضح أن أكثر ما يؤرق البلدية جراء ظاهرة الرعاية العشوائية للأغنام هو انقضاضها على أشجار الشوارع، "فضلا عن تعطيلها لمرور السيارات في شوارع حيوية داخل المدينة".

وقال: "هناك عشوائية كبيرة نحاول محاربتها ومنعها قدر المستطاع لأننا نسعى لزيادة الرقعة الخضراء في المدينة، والأغنام تقضي على هذا المشروع بالتهامها الأشجار المزروعة وسط الشوارع".

تلوث بيئي

وتقر وزارة الزراعة بخطر عملية "الرعي العشوائي" داخل المدن لأنها تتسبب بتلوث البيئة.

ويقول مدير وحدة البيطرة في الوزارة زكريا الكفارنة إن عملية الرعاية العشوائية للأغنام تؤثر سلبيا على البيئة فضلا عن أنها تؤثر على صحة تلك الأغنام.

وأوضح لـ"مضمون جديد" أن عددا من الأغنام أصيب بالتسمم جراء تغذيته على بقايا الأكل الفاسد أو التهام الأكياس البلاستيكية المتناثرة حول تجمعات القمامة، مبينا أيضا أن بعض الرعاة فقدوا أغنامهم نتيجة إطعامهم مواد نشوية كالأرز، "ما تسبب لها بالتخمة، ومن ثم ماتت".

في الإطار نفسه، أشار الكفارنة إلى خطورة التربية البيتية للأغنام بعيدا عن المزارع والحدائق الخاصة لأنها (أي الأغنام) لا تتعرض إلى التطعيم الصحيح، مشددا على ضرورة أن تقمع البلديات هذه الظاهرة وعدم السماح للرعاة العشوائيين بإخراج أغنامهم إلى الشارع لعدم تلوث البيئة وحفاظا على صحتهم.

في المقابل، قال الشيخ خليل إنهم يتعاطون مع الشكاوى المقدمة لهم من السكان على محمل الجد، داعيا المواطنين المتأثرين من التربية البيتية للأغنام للإبلاغ عنها حتى يتسنى لهم منعها.

لا مبرر

الطبيب البيطري سعود الشوا حذر بدوره من رعاية الأغنام بالطرق العشوائية، نافيا وجود مبرر لها.

ولفت الشوا في إطار حديثه لـ"مضمون جديد" المخاطر الصحية التي تقع على الأغنام جراء التهامها في كثير من الأحيان أكلا ملوثا بسم الفئران، قائلا: "هذه الأغنام ستتحول إلى لحوم وحليب وبذلك تؤثر على صحة الإنسان".

وأضاف: "نحتاج تضافر الجهود من أجل التغلب على هذا التلوث خاصة أن روث الأغنام يعتبر مصدرا من مصادر التلوث ونقل الأمراض، "لذلك يجب العمل بجدية للحفاظ على صحة الأغنام والناس أيضا، وكذلك على صحة البيئة"، كما قال.

وناشد البيطري المربين للأغنام بضرورة تجنب خسارتها فيما إذا تعرضت لأكل غير صحي، مطالبا الجهات المسؤولة بضرورة تقديم الدعم المالي للمزارعين في ظل الأوضاع الاقتصادية الصعبة التي يعانوا منها.

وزارة الزراعة دعت المزارعين لاستئجار أراض زراعية لتربية أغنامهم، فقال الكفارنة: "صحيح أن الرعي في المناطق الحدودية يعتبر مخاطرة لكن بالإمكان استئجار الأراضي من أجل الحفاظ على صحة الأغنام ورعايتها بصورة سليمة".