"الحلال" أنقذه من الفاقة .. "عوض".. الهارب من "الطالب الفقير" الى "الرجل الغني"

عمّان - إبراهيم قبيلات - مضمون جديد

"عوض عادل محمد الشتيوي" حصل على معدل 80.3% في الثانوية العامة عام 2007م وحصل على قبول في جامعة الحسين بن طلال التي حاول الانسجام مع أجواءها ولكن سرعان ما حزم كتبه وغادر جامعته.. هكذا ببساطة.

شاب أردني لم يستطع الانخراط في أجواء الجامعة بما فيها من لهو.. هو فقير لا تقبل خياراته القسمة على اللعب.
يقول عوض "24 عاما" في معرض حديثه عن الأسباب التي دفعته إلى ترك الجامعة: كثيرة هي الاحتياجات الشبابية التي تتطلب الالتزامات اليومية، فضلاً عما تفرضه الجامعة من متطلبات لا تحتمل التأخير.
"
جامعاتنا تشعر الطالب الفقير بمزيد من الفقر، وكأنْ لا مكان للفقراء في الجامعات، فطردت نفسي من مقعدي وبدأت مشروعا أردته أن يدر علي دخلاً يساعدني على استئناف حياتي الدراسية فيما بعد"..يقول الشتيوي لـ "مضمون جديد": "وبدأ المشوار".
"
صراع البقاء" دفع العشريني إلى تربية المواشي، خاصة وانه ابن لعائلة امتهنت المواشي؛ الأمر الذي مدّه بالعزيمة والخبرة اللذين سيكوّنان رصيده فيما بعد.

ما زال "استئناف الدراسة" في قائمة الأحلام التي يطمح عوض لتحقيقها، ولكنها رغبة "مشروطة"، فهو يأبى إلا أن يصرف على نفسه من تعبه، ويحلم بأن يعود لجامعته وقد حقق شيئاً من حلمه الذي رافقه لسنوات أربع.

كانت البداية أن استدان خمسة وسبعين شاةً بما قيمته أحد عشر ألفاً قبل نحو ثلاثة اعوام، شريطة أن يتم سداد ثمنهن في عام أو عامين، إلا أن رياح الحكومة لا تسير دائماً بما تشتهي سفن المواطنين.

قررت الحكومة عام 2008 رفع أسعار الأعلاف إلى 295 ديناراً وهو ما يعني خسارة كبيرة طالت أحلام عوض، إلا أنه لم يضعف، بل زاد إصراراً على النجاح، فعمد إلى معارفه وإصدقائه الذين بادروا إلى مساعده، إضافة إلى توجهه نحو تجارة "الحلال" ليتمكن من توفير الأعلاف.
وفي العام 2009 خفضت الحكومة الأسعار إلى 150 ديناراً فانعكست على أرباحه وكذلك على رأس ماله.

بعد عامين من العمل والجهد المنقطع النظير تمكن عوض من سداد الدين الذي أثقل كاهله، وأصبح لديه ستون رأساً من الماشية من دون أية التزامت ما لبثت أن غدت مئة وخمسين في أقل من عامين، فاستبشر خيراً وواصل تجارته، مقسماً ناتج الماشية من حليب وصوف إضافة إلى بيع الضأن ما بين زيادة رأس المال وتوفير العلف.

اليوم يصف عوض تجربته بالناجحة، اعتماداً على ما حققه من نتائج على أرض الواقع. وبات ينظر إلى نفسه بين أبناء جيله بانه حقق شيئاً ما رغم انه ما زال ينتظر الكثير، فالجامعة ومحاضراتها ما زالت تطل برأسها كلما شاهد طالباً جامعياً يحمل بين يديه الاوراق والكتب.
يصف الدكتور حسين الخزاعي استاذ علم الاجتماع المشارك في جامعة البلقاء التطبيقية "المزارع الشاب" بـ"ثروة الوطن الحقيقية"،

يقول د. الخزاعي لـ "مضمون جديد" إن مثل هذه المبادرات الناجحة ناتجة عن طموح كبير لا يقف عند بعض التحديات، وبتخطيهم ثقافة العيب السائدة في المجتمع يكونوا ظفروا باحترام ودعم الجميع، منتزعين صفة القدوة للآخرين.
ويراهن الخزاعي على نجاح وتميز عوض فيما لو استأنف حياته الدراسية، مشيرا إلى أن التجربة العملية ستمده بالإبداع وستغرس به روح التحدي، وهو ما يجعل الفرد منتجاً وحريصاً على مواصلة العطاء في شتى جوانب الحياة".

وعن إيجابيات اعتماد الشباب على أنفسهم. يقول الخزاعي: "لا بد أن نعترف بجهود الشباب ومبادراتهم في محاربة البطالة، إضافة إلى ما تضيفه هذه المبادرات إلى شخصيتهم من قيادة وثقة بالنفس في الوقت الذي يعتمد به الكثير من أبناء جيلهم على ثقافة الاتكالية والاعتماد على الآخرين".

ويربط الخزاعي بين توالي مثل هذه المبادرات ووحدة وتماسك المجتمع، موضحاً أن من شأن توفر الأمان الإقتصادي زيادة ترابط المجتمع عامة والأسرة خاصة، ناصحاً جيل الشباب بضرورة العمل بمثل هذه الأعمال التي تنمي فيهم الحس بالمسؤولية وتشكل حافزاً قوياً لمواصلة التقدم.

كل بداية يلفها الكثير من المصاعب. وهذا ما حدث لعوض، فالدَّين الذي قيده منذ البداية اضطره فيما بعد إلى بيع عدد من الماشية بأقل من سعرها الحقيقي؛ تفادياً لمزيد من الخسائر المالية، فضلاً عن المرض الذي غزا الماشية على حين غرة، وما صاحبه من عمل فحوصات في المختبرات الطبية وما يتطلبه الأمر من متابعة ودواء، ففي العام الماضي وبعد أن أصيب ععد من القطيع بمرض "الحمى المالطية" خسر خمسة وعشرين من الضأن لا يقل ثمن إحداها عن 70 ديناراً، وهي عقبة ما كان له تجاوزها لولا رعاية الله ومزيد من الجهد.

عوض يتمنى على وزارة الزراعة تنفيذ برنامج وقائي للحد من الخسائر المالية للمربي الثروة الحيوانية، وتوزيع برشور لهم يبين أهمية تسجيل مواشيهم في المديريات الزراعية من أجل تلقيح مواشيهم خاصة في الفترة الصيفية، إضافة إلى تشكيل لجان لمراقبة الماشية صحياً، وينصح الشباب بضرورة التوجه نحو الإعتماد على النفس.

مدير مديرية زراعة ذيبان رحب بتوجه الشباب نحو المشاريع الإنتاجية، مؤكداً توفير جميع المطاعيم التي تحتاجها المواشي في جميع الفصول، إضافة إلى توفر ممرضين يعملون على تقديم الخدمة الصحية للمواشي.

وقال الشخانبة لـ "مضمون جديد" إن مديرية زراعة ذيبان تولي الثروية الحيوانية جل اهتماها، وأن فريق المديرية على تواصل مع مربي المواشي؛ للوقوف على احتياجاتهم، ومتابعة أي مرض يظهر على الماشية.

اليوم يجلس والدا عوض فخوران بما حققه فلذة كبدهما. هو على الاقل لا ينتظر راتبا يصارع الامرين حتى لا يتبخر في منتصف الشهر.. ومع ذلك يتبخر. والدا عوض يصليان ان يحقق ابنهما كل ما يصبوا إليه، فيما تغمز له والدته بين الحين والآخر لو انه يكمل نصف دينه.

عوض يجد اليوم ما يقوله لابنائه وربما لاحفاده لاحقا. وهو أكثر من ذلك ما زال يجمع في ذكرياته مزيدا من التواريخ والنجاحات. يقول: فليذهب الراتب الى الجحيم اذا كان سيتحول الى عنوان فقري، فانا اليوم سيد نفسي.

أضف تعليقك