الحدائق العامة حكر لليهود مُحرمة على فلسطينيي الداخل!

الرابط المختصر

عرب 48 - روزين عودة - مضمون جديد

عندما قررت بلدية العفولة اليهودية في منطقة الجليل شمال اسرائيل فرض رسوم دخول على "الغرباء" الذين يرتادون حديقتها العامة، كان واضحا ان المقصود هم العرب.

وقد اتخذت بلدية المدينة الواقعة جنوب الناصرة والمحاطة ببلدات وقرى عربية، هذا القرار في تموز/يوليو الماضي بعد ضغوط من مواطنيها اليهود الذين وصل بهم الحد الى مطالبة البلدية بوضع لافتات لمنع دخول العرب الى الحديقة.

وادعى اليهود في المدينة بان العرب يلوثون الحديقة بنفاياتهم ويحاولون احتلالها ويضربونهم ويشتمونهم ويتحرشون بهم ويمنعون اطفالهم من استخدام الالعاب الموجودة فيها!.

صحيح ان البلدية علقت قرارها لاحقا، الا ان هذه الواقعة كشفت وجها اخر للعنصرية ضد العرب في اسرائيل فضلا عن تسليطها الضوء على حقيقة انعدام الحدائق والمتنزهات العامة في مدنهم وتجمعاتهم، واحتكار جيرانهم اليهود لهذه المرافق.

وتعقب طالبة عربية تدرس في العفولة واعتادت ارتياد الحديقة خلال اوقات فراغها على القرار قائلة انه يعبر عن "عدم احترام واضح لنا كمواطنين عرب، كما ان فيه انتهاكا لحقوقنا".

وتضيف الطالبة التي فضلت عدم ذكر اسمها "حديقة العفولة من الناحية الجغرافية هي الأقرب الينا، فهي المكان الذي يجمعنا بزملاء الدراسة، وفيها نقضي أوقات الفراغ، وعندما تم فرض رسوم الدخول، توقفنا عن ارتيادها، لأننا لا نستطيع تحمل المزيد من الأعباء المادية".

ويعاني العرب في اسرائيل عموما اوضاعا اقتصادية صعبة في ظل ارتفاع نسب البطالة والفقر بينهم.

وتتساءل شابة أخرى كانت تزور الحديقة كل أسبوع" أكثير علينا نصف ساعة نقضيها في حديقة عامة لنستنشق الهواء؟! علماً أن لا حدائق عامة ولا أماكن للترفيه في قريتنا التي لا تبعد إلاّ دقائق عن العفولة".

الامر الواقع

انعدام الحدائق والمتنزهات العامة في التجمعات العربية هو نتاج الامر الواقع الذي فرضته اسرائيل عند احتلالها لفلسطين، حيث صادرت اراضي اهل البلاد الاصليين ولم تبق لهم سوى مساحة ضيقة بالكاد تكفي لسكناهم ناهيك عن تخصيصها لاقامة مثل هذه المرافق.

يقول المحامي علاء حيدر مدير مركز العدل البيئي في جمعية الجليل"بشكل عام ومنذ عام 1948 حتى اليوم لم يُقم أي متنزه عام أو أي مكان عام للترفيه (في التجمعات العربية) لأن ذلك يحتاج الى تخصيص الأراضي من ملكية الدولة والتي معظمها بالأساس تابعة للعرب وتمت مصادرتها على مدار العقود".

ويضيف "نسبة الأراضي التي بقيت ملكية للمواطنين العرب لا تتعدى الـ3.5% من مجمل الأراضي في البلاد، وبهذه المعادلة فمن الصعب جداً أن يتم تخصيص مساحات لأماكن الترفيه والمتنزهات ".

ويقول حيدر"على سبيل المثال تمت مصادرة الأراضي من أهالي شفاعمرو هوشة والكساير عام 1948، واقيم عليها متنزه لسكان مدينة كريات آتا اليهودية، وبالمقابل لم تحظ الأقلية العربية بأي مكان للتنزه".

ويردف قائلا "وأصلاً إذا كان هناك أي إمكانية أخرى للتنزه فستكون في الأراضي التي صودرت لكنها زُرعت بالأشجار وتحولت الى مناطق ومحميات طبيعية، وبهذا، لن يستطيع المواطن العربي أن يُقيم عليها متنزهات ولا يستطيع أيضًا أن يتجول فيها".

ويشير حيدر الى انه كانت هناك عدة محاولات ومبادرات لإقامة متنزهات للمواطنين العرب إلا أنها باءت بالفشل بسبب عدم وجود مساحات كافية ورفض السلطات تخصيص اراض لها.

ويقول "في داخل المدن والقرى العربية لا يوجد إمكانيات لإقامة متنزهات لأن غالبية القرى والمدن العربية يُسيطر عليها اكتظاظ سكاني رهيب وهائل، وتفتقد بالتالي لمناطق واسعة والتي من الممكن أن تُقام بها متنزهات وأماكن للترفيه".

ويضيف انه "تحدث على أرض الواقع أمور لا تساعد أبداً في إيجاد حلول، فمثلاً لا يوجد توسيع لمناطق نفوذ المدن، ولا مصادقة على خرائط هيكلية ولا توسيع امناطق البناء، وهذا ما يحد من إمكانية التطور عامة وإمكانية إقامة المتنزهات خاصة".

عنصرية وتحايل

محاولات منع العرب من دخول الحدائق العامة في المدن اليهودية كانت بدأت منذ سنوات كما يشير مدير مركز العدل البيئي في جمعية الجليل، وهي بالتالي ليست جديدة.

يقول حيدر ان القضية بدأت عام 2000 في مدينة رعنانا اليهودية التي تشكل حديقتها العامة المتنفس الوحيد لسكان بعض قرى ومدن المثلث العربية.

ويوضح ان ارتياد العرب للحديقة كما هو واضح "اثار امتعاض اليهود وادارة البلدية ففرضت رسوم دخول" لمن يزورها من خارج المدينة.

ويقول "حينها توجهت مؤسسات المجتمع المدني بالتماس للمحكمة العليا، مستندة الى عدة طعون قانونية اهمها المساس بحرية التنقل والملكية العامة والمساواة، لكن في نهاية المطاف، ومع الأسف، قررت المحكمة رفض الالتماس واقرار قانونية جبي رسوم الدخول من المواطنين الذين يأتون من خارج المدينة".

وبحسب حيدر، فقد جاء في قرار المحكمة انه "يحق للبلدية أن تجبي رسوم دخول من المواطنين الذين يزورون المتنزه من خارج مدينة رعنانا" على اعتبار ان "جزءا كبيرا من الميزانية التي تم من خلالها إقامة المتنزه، هي من أموال مواطني المدينة.

بعد ذلك انتقلت معركة مؤسسات المجتمع المدني الى البرلمان من اجل تغيير هذا الواقع العنصري الذي كرسه حكم المحكمة العليا، حيث يقول حيدر ان الجهود نجحت على هذا الصعيد حيث جرى تعديل قانون السلطات المحلية بما يقيد صلاحياتها في فرض رسوم دخول الى مرافقها العامة.
ويشترط لفرض الرسوم مصادقة وزير الداخلية ولجنة الداخلية وحماية البيئة.

يقول حيدر "هذا التعديل حدّ من إمكانية فرض رسوم دخول في مدن أخرى، ولكن للأسف هناك محاولات مبدعة من قبل السلطات المحلية لتجنب هذا البند قانونيا، وهذا ما حصل في مدينة العفولة".

ويوضح "سمحت مدينة العفولة لشركة المراكز الجماهيرية بإقامة فعاليات على جزء من أرض المتنزه في المدينة، وبحسب ادعاء محامي البلدية فأن تكلفة هذه الفعاليات هي بين 70 و80 شيكل للفرد. وأثر هذه الخطوة قامت البلدية بجباية مبلغ 10 شيكل من مواطني العفولة و20 شيكل من المواطنين الذين يزورون المتنزه من خارج المدينة، ومعلوم أن غالبية المواطنين الذين يزورون المتنزه هم من العرب".

ويضيف ان البلدية تمسكت في ردها على الرسائل التي بعث بها مركز العدل البيئي في جمعية الجليل ومؤسسات مجتمع مدني اخرى، بان اجراءها يتماشى مع القانون وان هذه الخطوة مقتصرة فقط على فترة الصيف.

هذه التبريرات قوبلت بالرفض كما يقول حيدر، حيث اصرت هذه المؤسسات على طلبها من البلدية التوقف عن جبي الأموال من المواطنين. وبالفعل، فقد رضخت البلدية للضغوط وقررت الغاء جباية رسوم دخول الحديقة.

يقول حيدر "كونهم يطلبون من المواطن العربي أن يدفع رسوم دخول، إذاً هم يطلبون منه الا يأتي إلى المتنزه. هذا الشيء من الممكن الا يقتصر مستقبلاً على الأماكن العامة فقط، بل ربما يعطي شرعية لأصحاب المصالح الخاصة بأن يتبعوا سياسة عنصرية ضد العرب".