البطالة تدفع بعرب من 48 لتهويد اسمائهم ودخول الجيش الاسرائيلي

 اعدت هذا التقرير الصحفية "منى أبو شحادة" من عرب (48) لصالح مشروع مضمون جديد باشراف الصحفي بسام العنتري 

يتوجه عشرات الشبان العرب سنويا الى وزارة الداخلية الاسرائيلية من اجل استبدال اسمائهم باسماء يهودية، وعشرات غيرهم يقصدون وزارة الدفاع للانخراط في الخدمة العسكرية.

وحتى لا تبدو الصورة مخادعة، فغالبية هؤلاء لا يقدمون على هذه المجازفة -التي يعتبرها مجتمعهم خيانة للهوية العربية الفلسطينية- طمعا في الاندماج في جنة اسرائيل الموعودة، وانما فرارا من جحيم البطالة التي تستعر بين العرب في اسرائيل.

والصورة ببساطة هي كالتالي: اذا كنت عربيا واسمك ابراهيم مثلا، ولم تخدم في الجيش الاسرائيلي، فان فرصك في الحصول على عمل تكون ضئيلة جدا.

اما اذا غيرت اسمك ليصبح "افراهام"، فان فرصة الحصول على عمل ستتحسن.

وان ذهبت ابعد من ذلك واديت الخدمة العسكرية، التي انت اصلا مستثنى منها لانك عربي فلسطيني، فان الفرصة ستتحسن كثيرا.

وبحسب تقرير لمنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية التي تضم عشرين دولة بينها الولايات المتحدة وكندا وانضمت اليها اسرائيل العام الماضي، فان معدل البطالة يبلغ 40 % بين عرب إسرائيل من الرجال و80 % بين النساء، وهما نسبتان تعادلان اربعة اضعاف ما هو موجود عند اليهود.

ويبلغ عدد العرب في اسرائيل مليونا و587 الفا، وهو ما يشكل ما نسبته 20.5%  من اجمالي عدد السكان البالغ نحو 7,7 ملايين، بحسب جهاز الاحصاء المركزي الاسرائيلي.

ووفقا لتقرير منظمة التعاون فان ما يقرب من 47.6 في المائة من العرب يعيشون تحت خط الفقر في إسرائيل.

ويشكو العرب في إسرائيل من التفرقة وتدني الأجور في سوق العمل، حيث لا يزيد متوسط دخل العرب عن ثلثي نظيره عند اليهود، بحسب المنظمة.

وكما تؤكد جمعية سيكوي، وهي مؤسسة حقوقية مدنية في اسرائيل، فان نسبة العرب من مجمل السكان في جيل العمل (من 18 إلى 64 عاما) هي في حدود 15%، إلا أن نسبة العاملين من بينهم في القطاع العام تقل عن 7%..

صالح او "آدم"

صالح فارس، او آدم فارس كما اصبح اسمه الان، شاب من قرية حورفيش العربية في منطقة الكرمل في شمال اسرائيل، خاض تجربة تغيير الاسم، وحصل بفضل ذلك على وظيفة جيدة في مدينة كرميئيل القريبة، وهي مدينة يهودية اقيمت على اراض صودرت من قرى عربية من بينها مجد الكروم ونجف ودير الاسد.

آدم يؤكد ان الاسم الجديد الى جانب اتقانه التحدث بالعبرية، كانا كفيلين بجعله أقرب من المجتمع اليهودي، وخولاه بالتالي الحصول على عمل افضل من الذي حصل عليه اقرانه العرب،

يقول ادم لموقع العرب وصحيفة كل العرب "بدأت العمل في كرميئيل منذ أكثر من سنتين كمسؤول قسم الملابس في أحد المتاجر العالمية، واليوم أنا أتقدم في العمل لأنني استطعت اثبات نفسي، وطبعا كان للغتي العبرية الجيدة ولاسمي الجديد أثر كبير".

ويبدو ان المتجر الذي يعمل فيه ادم، لا يمانع في توظيف العرب، ولكنه في نفس الوقت، ومن اجل تسهيل اعماله مع زبائنه اليهود، يفضل من يحملون الاسماء ذات الطابع اليهودي ويتقنون العبرية.

وهناك نسبة لا بأس بها من اليهود الذين يرتابون او حتى يرفضون التعامل مع المتاجر التي توظف عربا.

وقد اظهر استطلاع  اجراه (صندوق فريدريخ إفيرت) الألماني بالتعاون مع مركز (ماكرو للاقتصاد السياسي) الإسرائيلي، ونشرت نتائجه اواخر اذار/مارس الماضي، ان 37 بالمئة من الشبيبة اليهود يكنون مشاعر كراهية وخوف من العرب، في حين ان 46% من أبناء الشبيبة اليهود و55% من الشبان اليهود يرفضون إمكانية التعايش بين اليهود والعرب في إسرائيل.

يقول آدم " الاسم واللغة ساعداني كثيرا، فالزبائن اليهود لا ينفرون مني ولا يستغنون عن خدماتي عندما يرون  اسمي على البطاقة التي اعلقها على صدري خلال العمل".

وقرار تغيير الاسم لم يكن صعبا بالنسبة لآدم، الذي يحمل قناعة خاصة بـ"أهمية الانتماء للدولة عن طريق محاولة الاندماج في المجتمع الإسرائيلي بشتى الطرق".

كما ان عدم مواجهته معارضة من قبل عائلته لهذه الخطوة شكل عاملا اخر ساعده في هذا القرار.

فهو يؤكد ان "الأمر ليس مستهجناً او غريباً عن العائلة او المنطقة التي أعيش فيها، فعائلتي تعرف الكثير من الشبان الذين يقومون بتغيير اسمائهم وهم في أعمار مختلفة، ولذلك لم يبدوا أي معارضة لقراري بتغيير اسمي".

أسهل للتأقلم

لا توجد ارقام واضحة حول عدد الذين قاموا بتغيير اسمائهم من العرب في اسرائيل. وتعود اخر ارقام معلنة الى العام 2005 عندما ذكرت صحيفة يديعوت احرونوت نقلا عن مسؤولين اسرائيليين ان عددهم بلغ حتى ذلك التاريخ نحو 800.

وشهدت الاعوام التي تلت نموا متزايدا في هذه الاعداد كما يؤكد المسؤولون. ففي منطقة قطاع الشمال الادارية وحدها، يتقدم نحو 10 اشخاص بطلبات الى مكتب وزارة الداخلية هناك من اجل تغيير اسمائهم العربية الى اسماء ذات صبغة يهودية، كما يؤكد مدير المكتب سعيد نبواني.

ويوضح نبواني خلال حديثه لموقع العرب وصحيفة كل العرب ان "عملية تغيير الاسم تتم بشكل قانوني ولكن مع الاحتفاظ بالاسم الأصلي للشخص بجانب اسمه الجديد على بطاقة الهوية، لمدة 7 سنوات، وبعد مرور السنوات السبع يتم إسقاط الاسم الأصلي من الهوية الشخصية مع الاحتفاظ به في سجلات وزارة الداخلية مدى الحياة".

ويضيف انه "من الناحية القانونية يستطيع كل شخص بالغ تغيير اسمه كل 7 سنوات، أما القاصر فيحتاج لموافقة الوالدين على تغيير اسمه".

لكن نبواني يلفت الى ان "غالبية هذه الطلبات تقدم من أهالي البلدات القريبة من المدن المختلطة (سكانها عرب ويهود)، أما أهالي القرى البعيدة عن المدن المختلطة فيحافظون بالعادة على أسماء الأجداد والأسماء المتوارثة أكثر".

كما انه يشير الى مسالة اخرى تشكل دافعا لدى بعض العرب لتبديل اسمائهم، ومنها الزواج والعلاقات العاطفية.

ويقول ان "العديد من الشباب العرب الذين يقومون بالارتباط بفتيات أجنبيات أو يهوديات يلجأون لتغيير أسمائهم بهدف التقرب لبيئة الفتيات ولتسهيل التقارب والتعارف بينهم".

ولا يقتصر الامر على تبديل الاسم الاول، بل يمكن ايضا تبديل اسم العائلة، وبنفس الطريقة.

لكن هناك بعض القيود في ما يتعلق باختيار اسماء العائلات، حيث يقول نبواني ان بعض الاسماء "تحتاج لموافقة رجال الدين مثل عائلة (كوهين) المقدسة لدى اليهود".

وان كانت تجربة تغيير الاسم نجحت مع آدم الذي حصل بفضلها على وظيفة جيدة، الا انها على ما يبدو لا تنجح مع الجميع.

فهذا نمر ابو القاسم (..عاما) من قرية بيت جن الدرزية الواقعة في جبال الجليل شمال اسرائيل، يؤكد ان تغيير الاسم لم يأت بالنتيجة المطلوبة بالنسبة له.

وكما يتضح من كلامه، فان قناعات كتلك التي يحملها آدم حول الاندماج في المجتمع الاسرائيلي، لم تلعب اي دور في قراره تغيير الاسم.

يقول نمر لموقع العرب وصحيفة كل العرب "أنا واحد من الشباب الذين قاموا بتغيير أسمائهم لفترة عل الأمر يساعد في تسهيل معاملاتنا وإيجاد فرص عمل افضل في البلاد خاصة بعد إنهاء المرحلة الثانوية وبداية البحث عن فرص عمل".

ويضيف "قمت بتغيير اسمي إلى رافي، ولكن الأمر للأسف لم يساعدني في أي شيء، فقمت بإعادة اسمي الذي رافقني منذ الولادة إلى هويتي الشخصية".

ويتابع "بعد أن اعدت تسجيل اسم الأصلي حصلت على فرصة عمل جيدة، واليوم أنا أعتز جداً بهويتي الفلسطينية وأبحث دائماً عن التشبث بأصولي".

الخدمة العسكرية

تغيير الاسم ليس كفيلا لوحده بفتح ابواب العمل امام العرب، فهناك عقبات عديدة، لعل من اهمها الخدمة العسكرية، حيث ان الكثير من اصحاب العمل يشترطون في المرشح للوظائف التي يطلبونها ان يكون قد ادى هذه الخدمة التي يستثنى منها العرب.

وخلافا لما يمكن ان يعتقده البعض، فان الاعلانات التي تطلب موظفين شريطة ادائهم الخدمة العسكرية، ليست حكرا على المدن اليهودية او المختلطة، بل تنتشر ايضا في بعض المدن العربية الصرفة، كما هو الحال مع المحلات الواقعة داخل فرع مجمعات "بيغ فاشن" التجارية في مدينة الناصرة.

والمفاجئ ايضا ان العديد من اصحاب المحلات التي تضع هذه الاعلانات، هم ايضا عرب، وليسوا فقط يهودا يستثمرون في هذه المجمعات ويمارس بعضهم الحيلة المعروفة باشتراط اداء الخدمة العسكرية من اجل منع العرب من التقدم لهذه الوظائف.

وهذا ما اكده لنا شلومي حجاج، مدير فرع مجمعات " بيغ فاشن" في الناصرة، والذي قال ان "العديد من هذه الإعلانات يضعها أصحاب محلات تجارية من المجتمع العربي، الذين يفضلون موظفين أنهوا الخدمة العسكرية".

وقد رفض اصحاب المتاجر العرب الاجابة عن اسئلتنا حول دوافعهم لوضع مثل هذا الشرط في اعلاناتهم، حتى ان احدهم رد علينا بغضب قائلا ان "كل ما تقومون به هراء ويضر بالمجتمع العربي...ويجب علينا ان نراعي الدولة التي نعيش فيها..".

ولا يستبعد بعض المراقبين ان يكون السبب ضغوطا تمارس على بعض اصحاب المتاجر العربية في هذه المجمعات التي تعود ملكيتها لشركات اصحابها من اليهود.

كما انه يسود اعتقاد في المجتمعات العربية بان الدولة تتغاضى عن هذه الاعلانات التي تعتبر تمييزية ضد العرب خصوصا، وذلك ضمن سياسة غير معلنة تهدف الضغط على العرب من اجل دفع اعداد اكبر منهم الى الالتحاق بالخدمة العسكرية، وبما يمهد لاحقا لتبرير فرضها اجباريا عليهم.

وتكشف عن هذه السياسة تصريحات صحفية ادلى بها سار شالوم جربي مدير مديرية "لخدمة الوطنية الإسرائيلية/ الخدمة المدنية" التي استحدثتها  اسرائيل عام 2007 للالتفاف على رفض العرب اداء الخدمة العسكرية.

يقول جربي في تلك التصريحات ان "الهدف من دفع الشباب العرب لأداء الخدمة المدنية هو دمجهم في المجتمع الإسرائيلي، وتعريفهم على الجانب اليهودي من المجتمع، إضافة إلى تحسين فرصهم مستقبلاً في سوق العمل".

اقبال متزايد

وتتحدث الارقام عن ان حوالي 1300 من الفلسطينيين الذين يعيشون في إسرائيل قد تطوعوا للخدمة المدنية، ومدتها عام على الاقل، يمضيها المتطوع في المستشفيات أو في المدارس داخل مجتمعه.

والخدمة العسكرية في اسرائيل مدتها ثلاث سنوات للذكور وسنتان للاناث، وهي الزامية لكل من بلغ 18 عاما من الجنسين، ويستثني من ذلك العرب (عدا الدروز) وطلاب المدارس الدينية اليهودية.

الا ان الجيش يفتح باب التطوع للعرب غير الملزمين بالخدمة، وقد اعلن مؤخرا ان عدد المتطوعين العرب في صفوفه قد شهد ارتفاعا بنسبة 200 بالمئة.

وعادة، فان معطيات الجيش المعلن عنها تتجنب ذكر الأرقام وتكتفي بالنسب المئوية. لكن يسود اعتقاد بان عدد المتطوعين سنويا هو بين 250 و300 اغلبهم من البدو العرب الذين يقطنون منطقة النقب في جنوب اسرائيل.

ولايُعرف بالضبط عدد العرب في الجيش الاسرائيلي. لكنه يقدر بما بين 4 و5 آلاف معظمهم موزعون على الوحدات العسكرية العامة باستثناء كتيبة واحدة للعرب، تسمى (الدورية الصحراوية) وقوامها 800 جندي.

وبالنسبة للدروز، فان الجيش الاسرائيلي يرفض الكشف عن عددهم، الا ان الاعتقاد هو بان العدد يدور في فلك 17 الفا.

وتختلف دوافع من يتطوعون في الجيش، فمنهم من يريد ان تشكل خدمته لاحقا مفتاحا لفرص العمل التي تشترط اداء الخدمة، ومنهم ايضا من يرى في الخدمة بحد ذاتها فرصة عمل تشكل ملاذا من البطالة، رغم ان الراتب الذي يتقاضاه خلال الخدمة لا يتجاوز في افضل حالاته ما معدله 1200 دولار شهريا.

وحتى من يتطوعون في الجيش، يحتاجون في الغالب الى تغيير اسمائهم من اجل التأقلم مع بيئتهم العسكرية، كما يؤكد مدير مكتب وزارة الداخلية في شمال اسرائيل سعيد نبواني.

ويوضح نبواني انه "عادة ما يفضل الشباب  الذين يخدمون في الجيش من الدروز والبدو الأسماء القصيرة والقريبة لكافة المجتمعات مثل: (آدم، رازي، راني..) تلك الأسماء التي تسهل عليهم التأقلم مع كافة اللغات ومع بيئة الجيش التي يتعرفون خلالها على مجندين آخرين يحتاجون للتقرب إليهم عبر أسمائهم المألوفة عندهم".

تنديد وكراهية

وعلى ما يبدو، فان مسالة تغيير الاسم والخدمة في الجيش بهدف تحسين فرص الحصول على العمل، لا تلقى تفهما في اوساط العرب الفلسطينيين في اسرائيل، بل تقابل بمشاعر تنديد و"كراهية".

ويعبر عضو جمعية الدفاع عن حقوق المهجرين داوود بدر عن هذه المشاعر بكل وضوح قائلا "أنا لم أعارض الظاهرة فقط بل كرهتها وكرهت الشباب الذين تعاملوا بها".

وعزا بدر ظاهرة تغيير الاسماء الى ما يصفها بهيمنة ثقافة "المنتصر".

وقال لموقع العرب وصحيفة كل العرب انه "منذ قيام الدولة (اسرائيل) وبعد نكبة شعبنا المدوية أصبحنا أقلية قومية في هذه الديار، والناس المهزومون على أنواع وبمستويات وعي وبيئات مختلفة، وأنا اعرف أن بعضاً من الشباب وهم يتحسسون طريقهم لتعلم اللغة العبرية، لغة المنتصر في العقود الستين الماضية، كانوا يغيرون أو يحرفون أسماءهم لتتشابه مع العبرية علهم يحصلون على فرصة عمل أو يتملقون اليهود للتقدم بالوظيفة".

ويقر بدر بان جمعيته ليس لها نشاط يهدف الى مكافحة هذه الظاهرة بشكل مباشر، لكنه يقول ان "النشاطات والفعاليات مثل مسيرة العودة وزيارات القرى المهجرة وتنظيم المهجرين محليا (يمثل) الرد على هذه الظاهرة".

ويستدرك ان مكافحة هذه الظاهرة "أيضا مرتبط بنشاط الأحزاب والحركات السياسية العربية وهو نشاط له مردود ايجابي جدا"

ومن جهتها ايضا، اعتبرت مريم بصول، وتعمل مرشدة علاج طبيعي، أن تبني بعض العرب لاسماء يهودية "أمر مرفوض تماماً".

وهي ترى ان "فرصة العمل يمكن الحصول عليها بمجهود الفرد الشخصي، وليس بتغيير الاسم. اعتقد ان الانسان الذي يقوم بتغيير اسمه لن يجد احترام المجتمع الآخر (اليهود). وحتى ولو قاموا بتوظيفه، فسيبقى في نظرهم دونيا لأنه فرط باسمه".

وفي المحصلة تقول بصول لموقع العرب وصحيفة كل العرب ان "من يتخلى عن اسمه يستطيع التخلي عن أي شيء حتى ولو كان وطنه".

أضف تعليقك