الاف اسطوانات الغاز التالفة في الخليل تنذر بالانفجار في اية لحظة
الضفة الغربية - هيثم الشريف - مضمون جديد
يقدر وكيل رئيس لتعبئة وتوزيع غاز الطهي في محافظة الخليل جنوبي الضفة الغربية، عدد الاسطوانات التالفة المتداولة بين ايدي المواطنين في المحافظة بنحو عشرة الاف اسطوانة تنذر كل منها بالانفجار في اية لحظة.
ويقول محمد سدر وكيل تعبئة الغاز في منطقة حلحلول شمال الخليل، ان ما يصل الى "10 بالمئة من اسطوانات المواطنين تالفة، وعليه، فقد يتجاوز عدد هذه الاسطوانات العشرة الاف اسطوانة لا يزال المواطنون يصرون على اقتنائها واستخدامها".
لكن مسؤولين في المحافظة يعطون تقديرات اقل بكثير حيث يقولون ان عدد هذه الإسطوانات لا يزيد عن 1000إسطوانة فقط.
ولا يوجد احصاء دقيق لعدد الاسطوانات المتداولة في محافظة الخليل البالغ عدد سكانها 620 الفا، لكن سدر الذي يعمل في مهنته منذ نحو 34 عاما، يقدر العدد بنحو مئة الف اسطوانة.
وكحد ادنى تمتلك كل اسرة ثلاث اسطوانات، تكون اثنتان منها مخصصتان لغايات الطهي والتدفئة، والثالثة احتياطية. واحيانا قد يصل عدد الاسطوانات في بعض منازل الاسر كبيرة العدد الى عشر.
وكما يقول سدر فان "كل مواطن لديه عائلة كبيرة عنده في الغالب إسطوانة واحدة غير صالحة للإستخدام".
وتحتفظ الكثير من الاسر باسطوانات الغاز لفترات قد تمتد الى عشرين عاما دون استبدالها او القيام باعمال صيانة دورية لها، وخلال ذلك تكون قد تغيرت خواصها واصبحت غير مطابقة للمواصفات.
ومن الدارج ان يقوم البعض بعمليات صيانة ارتجالية للاسطوانات من خلال لحم المواقع المتاكلة فيها بفعل الصدأ، وهو الامر الذي قد تكون عواقبه وخيمة جدا حيث ان اعمال اللحام غير المتقنة تتسبب في اضعاف جدران الاسطوانة ما يجعلها اكثر عرضة للانفجار.
وفي العادة يقوم المواطن باعطاء الموزع الاسطوانة الفارغة وياخذ بدلا منها اسطوانة اخرى ممتلئة.
لكن الكثيرين يعطون اسطواناتهم للموزعين الذين يقومون باعادة تعبئتها واعادتها هي نفسها اليهم.
بدائل رخيصة
ويبدو ان السعر المرتفع للاسطوانات الجديدة، التي تصل قيمة الواحدة منها الى اكثر من 200 شيكل، هو ما يجعل المواطنين يفضلون الاحتفاظ باسطواناتهم والقيام بعمليات صيانة لها رغم ما تتعرض له من اضرار على مدى السنوات.
وامام الاسعار المرتفعة، يجد البعض ضالتهم في اسطوانات رخيصة يقوم تجار الخردة ببيعها بعد اجراء عمليات صيانة شكلية عليها تتضمن اعادة طلائها.
كما راجت خلال السنوات الماضية اسطوانات غاز اسرائيلية مخصصة للاستخدام في عمليات رش المبيدات الزراعية المذابة في الدفيئات الزراعية، حيث انها تباع باسعار اقل بكثير من اسعار الاسطوانات الاعتيادية.
لكن هذه الاسطوانات التي يطلق عليها "الاسطوانات الزراعية" تمتاز بقلة سماكة جدارها ما يجعلها اكثر عرضة للانفجار عند استخدامها لغايات تعبئتها بغاز الطهي.
وعلى ما يبدو فان الكثير من المواطنين الذين يمتلكون الاسطوانات الزراعية لا يكترثون بالتحذيرات، ومنهم المواطن عدلي عبدالله الذي يقول "لو تمكنت من شراء واحدة أخرى لما ترددت، لأن سعرها منخفض وتفي بالمطلوب!".
ورغم التعليمات الصارمة التي تقضي بمنع شركات ووكلاء بيع الغاز من اعادة تعبئة الاسطوانات التالفة والزراعية، الا انها لا تزال متداولة على نطاق واسع، ولا يزال المواطنون قادرين على اعادة تعبئتها بسهولة.
ويؤكد ذلك المواطن أبونسيم، وهو رب أسرة كبيرة يزيد عدد أفرادها عن الـ15، حيث يقول لدي أكثر من 10 إسطوانات، بعضها يزيد عمرها عن 15 سنة، وبينها واحدة يكسوها الصدأ، وأخرى منتفخة قليلا، مع ذلك، فلم تواجهني قط أي مشكلة في اعادة تعبئة اي منها، حيث أنني أقوم بشكل دوري بتعبئها، إما مباشرة من خلال محطة تعبئة الغاز، أو من خلال الوكلاء".
اصل المشكلة
يقول وكيل الغاز محمد سدر لـ"مضمون جديد" ان اصل المشكلة هو محطات تعبئة الغاز التي "كانت تأخذ من الوكيل الإسطوانات الجديدة وتستبدل بعضها بأخرى مستخدمة تالفة".
ويضيف "هذا الامر توقف جزئيا بعدما اصبحنا نكتب اسم المواطن على اسطوانته المراد اعادة تعبئتها من المحطة"، ولكنه يقول ان هذا الحل جاء متاخرا حيث ان السوق كانت حينها قد اصبحت متخمة بالاسطوانات التالفة.
ويتابع سدر "عقدنا منذ سنوات عدة إجتماعات مع المسؤولين واقترحنا أن يتم إستيراد 1500 إسطوانة للمحافظة كل عام لإستبدال الإسطوانات القديمة، بحيث تكون معفاة من الجمارك، على أن تتحمل محطات تعبئة الغاز جزءا من سعر التعبئة أول مرة، وأن لا يأخذ الوكيل ربحه أيضا في المرة الأولى على أن يستمر ذلك إلى أن يتم القضاء تماما على هذه الظاهرة".
لكن سدر يقول انه "للأسف طرحنا هذا لم يستمع له احد، ما أدى إلى أستمرار المشكلة وتعاظمها وانتشارها خاصة في قرى شمال غرب الخليل مثل بيت أولا، ونوبا.. إلخ".
ومن جانبه، فقد حمل عامل تعبئة في احدى المحطات الرئيسية في الخليل كلا من الوكلاء والمحطات المسؤولية عن استمرار المشكلة، كاشفا عن ان المحطة التي يعمل فيها تقبل تعبئة الاسطوانات التالفة والزراعية لانها ان لم تفعل ذلك فسوف تخسر الكثير.
ويقول هذا العامل ان "بعض الوكلاء يحضرون لنا الإسطوانات الزراعية أو التالفة، وان رفضنا تعبئتها يتوجهون الى محطات اخرى تقبل ذلك، وبالتالي اصبحنا معرضين لان نفقد الوكلاء بإستمرار في حال واصلنا الرفض!".
ورغم تأكيد عامل التعبئة إلا أن مدير ذات المحطة نفى بالمطلق وصول مثل هذه الإسطوانات للمحطة، مؤكدا أن تعبئة الإسطوانات التالفة توقف في المحطة منذ 8 سنوات.
وعلى صعيده، حمل مدير شركة حمزة شاهين لتعبئة الغاز جواد شاهين والتي لها محطتا تعبئة في المحافظة وكلاء توزيع الغاز المسؤولية عن استمرار المشكلة.
وقال "السبب هو بعض موزعي إسطوانات الغاز على المنازل، حيث يقوم البعض منهم بإبدال إلاسطوانات الصالحة بأخرى تالفة، خاصة إذا ما كان من يسكن المنزل مُسنّ ".
ووجه شاهين حديثه للمواطن قائلا "أنا أريد أن أسأل المواطن الذي يصر على تعبئة إسطوانته التالفة، مره من خلال الوكيل ومرة من خلال بعض المحطات مباشرة، لماذا هذا الإصرار على الإحتفاظ بالقنبلة الموقوته في بيتك؟ ما هو الأهم بالنسبة لك؟ الإحتفاظ بإسطوانة تالفة لا يزيد سعرها عن 100 شيكل، أم أن تحافظ على أطفالك ومنزلك؟".
تفتيش ومصادرة
الهيئة العامة للبترول بدورها تؤكد ان بعض الوكلاء والمحطات لا يزالون يتعاملون مع الاسطوانات التالفة رغم التعليمات الصارمة التي تنص على وجوب الابلاغ عن اية اسطوانة تصلهم وتكون غير مطابقة للمواصفات، وذلك حتى يتسنى مصادرتها واتلافها بشكل رسمي.
ويقول محمد خلف الزرو مدير مكتب الهيئة في محافظة الخليل "للأسف هناك خلل كبير لدى أصحاب المحطات الذين يمررون تلك الإسطوانات غير المطابقة للمواصفات، لأن شركاتهم تجارية وتسعى للربح فقط، رغم أن عليهم واجب أخلاقي وضميري يمنعهم من تعبئة مثل هذه الإسطوانات، ويمنعهم هم أو الوكلاء والموزعين ايضا من إبدال إسطوانة المواطن الجيدة بأخرى تالفة".
كما حمل الزرو المواطن جانبا من المسؤولية عن استمرار تداول الاسطوانات التالفة التي قال ان الهيئة وبالتعاون مع الدفاع المدني تقوم بحملات تفتيشية دورية عليها في مخازن ومراكز ومحطات تعبئة الغاز.
وقال "للأسف لا زال الناس يستخدمون الإسطوانات التالفة رغم خطورتها، وحتى لو كان عمر الإسطوانة 100 سنة، سيقولون أنها لا زالت قابلة للإستخدام!! وعليه ومن خلال جولاتنا المفاجئة تتم مصادرة ما نعثر عليه من إسطوانات وفق محاضر رسمية، بعدها تقوم لجنة بإتلاف هذه الإسطوانات، علما أنه يتم دعوة أصحاب المحطات لحضور عملية الإتلاف..ومن ثم يستلم من يرغب منهم هذه الإسطوانات بشكل خرده".
واضاف انه "منذ بداية العام الجاري اتلاف ما يزيد عن 600 إسطوانة ما بين صغيرة وكبيرة الحجم، بما فيها الإسطوانات الزراعية الإسرائيلية، والتي وجدت طريقها للسوق الفلسطينية منذ عدة سنوات، وأقبل الكثيرون على شرائها لأن سعرها منخفض، أو لأن بعض الموزعين أو الوكلاء إستبدلوا إسطوانة المواطن بها دون تنبه المواطن لذلك!".
لكن مديرية الدفاع المدني في محافظة الخليل، وهي الجهة التي تتولى تنفيذ عمليات الإتلاف، تؤكد ان عدد الإسطوانات التي تم إتلافها منذ بداية العام لا يزيد عن 300 إسطوانة.
وقال مدير مديرية الدفاع المدني في المحافظة الرائد أنور المحاريق"منذ بداية العام قمنا مع هيئة البترول بالعديد من الحملات المشتركة وجولات التفتيش على محطات تعبئة الغاز ومخازن ووكلاء ومركبات موزعي الغاز، وعليه قمنا وفي ثلاث مراحل ومناطق بإتلاف ما يزيد مجموعه عن 300 إسطوانة مختلفة الأحجام لكونها غير مطابقة للمواصفات والمعايير الفنية، وتشكل خطرا حقيقيا على المواطن".
واوضح لـ"مضمون جديد" ان الحملات تستهدف "مصادرة الإسطوانات التي تشكل خطراً عند إستخدامها، كالتي تعرض بعضها لإنبعاج واضح في جسم الإسطوانة أو الإنتفاخ، أو التي عليها آثار لحام واضحة، أو تلك التي لا يوجد لها طوق على عنق أو قاعدة الإسطوانة، أو التي عليها تغيير في الهيكل أو يكسوها الصدأ، أوالتي بها إهتراء وتآكل في جسم الإسطوانة، نتيجة لعوامل الطبيعة أو غيرها".
وبين المحاريق ان عملية الاتلاف تتضمن "إفراغ الغاز المسال من الإسطوانة، ثم تتم تعبئتها بالماء لغسلها من آثار الغاز المسال، ثم يتم قصها وثقبها والطرق عليها لدرجة تجعل من الصعب اعادة إستخدامها".
عقبة اسرائيلية
ووفق المحاريق فان الزيارات المفاجئة التي تقوم بها الجهات الرسمية للمحطات التعبئة غير كافية للحد من إستخدام الإسطوانات التالفة وتعبئتها، والتي إعتبرها "ظاهرة تمثل كارثة كبيرة".
ورغم ذلك فقد قدّر عدد الإسطوانات التالفة والتي لا تزال لدى المواطنين في المحافظة بما لا يزيد عن 1000إسطوانة فقط.
وقال المحاريق "إلى جانب المسؤولية الأخلاقية الواقعة على أصحاب محطات تعبئة الغاز، فان هناك أسبابا أخرى تساهم في تفاقم المشكلة، من بينها قلة تواجد الدفاع المدني في قرى وبلدات شمال الخليل، إلى جانب صعوبة دخول أفراد الدفاع المدني للمنطقة الجنوبية من الخليل، المسماه وفق إتفاقية الخليل H2، والواقعة تحت السيطرة الإسرائيلية الكاملة".
واضاف ان "منع دخولنا بالزي الرسمي الخاص بالدفاع المدني، لا زال يحدّ من قدرتنا على التطبيق ويحدّ من نشاطنا ويقلل من مقدرتنا على الرقابة، بسبب أن محطات تعبئة الغاز الرئيسية للمحافظة تقع في تلك المنطقة، مما شكل ولا يزال عائقا كبيرا لنا".
وتابع قائلا انه "على الرغم من ذلك فإننا نعمل جهدنا لعمل المزيد من الحملات التفتيشية على مركبات بيع الغاز المتوجهة لبعض المناطق، حيث أن معظم الإسطوانات التي جرى إتلافها هذا العام، كانت قد تمت مصادرتها من تلك المركبات أومن مستودعات ومخازن الوكلاء".
وللحد من مخاطر إستمرار تعبئة الإسطوانات التالفة، طالب الرائد المحاريق بإعادة الرقابة الدائمة داخل محطات التعبئة.
وقال "نحن بصدد إيجاد آلية جديدة لتنظيف الأسواق من اسطوانات الغاز التالفة بالإشتراك مع هيئة البترول وأطراف أخرى، ولكن ذلك لا يغني بالضرورة عن ضبط الإسطوانات التالفة من مصدرها، لأن المحطات بكل أسف تتعامل مع الامر بشكل تجاري، في حين أن السكوت عن ذلك والرضا به جريمة".
من جهته انتقد مدير مؤسسة المواصفات والمقاييس في محافظة الخليل هيثم أبو ريان، اليات عمليات التفتيش والرقابة الحالية.
وقال "منذ قدوم السلطة كان هناك حملات حول الإسطوانات الزراعية، وكان يتم إتلافها في الموقع نفسه وعلى الفور، أما الآن فقد تشعب الأمر وأصبحت هناك أكثر من جهة مسؤولة".
واضاف "وبرأيي فإن هناك أمورا لا يتم التركيز عليها أثناء الفحص مثل صمامات الأمان".
واشار الى انه "عالميا هناك عمر إفتراضي لمثل هذه الإسطوانات، وحتى لو إستمر إستخدامها، و كانت صالحة للإستخدام، فهي بحاجة إلى صيانة بعد 15-10 سنة، ففي إسرائيل على سبيل المثال كل 15 سنة يقومون بعمل صيانة للإسطوانات الصالحة ويضعوا دمغة عليها تؤكد ذلك، لكن عندنا للأسف الأمر ُمكلف وبحاجة للكثير من الورشات لتغيير المفاهيم، وإلى ذلك الحين فمن الواجب الإسراع في تطهير السوق من بقايا الإسطوانات التالفة او الزراعية الاسرائيلية والتي لا تزال تستخدم بكل أسف".
إستمع الآن