الاطباء يحذرون: صلاحية قلي الزيت مرة واحد فقط .. فلافل بطعم الاسمنت

عمان - عبدالله المومني

أعد هذا التقرير لصالح مشروع مضمون جديد للصحفيين، باشراف الصحفي لقمان اسكندر

لم تخف أم زيد (28)عاما استغرابها من لون حبات الفلافل السوداء التي اعتاد ابنها الصغير ابتياعها من إحدى المطاعم القريبة من منزلها في محافظة الزرقاء 30 كم شرق العاصمة عمان، من أجل ذلك قررت زيارة المطعم بنفسها، للوقوف على ما يجري هناك.

لم تكن تدرك أم زيد "خطورة" خلطة الاسمنت كما أصبحت تطلق على حبة الفلافل بعد أن رأت ما رأت في المطعم، فإحدى النصائح التي قرأتها على الانترنت حذرتها من أن داخل هذه الحبة الصغيرة مصنعا من الأمراض القاتلة.

يوجد ما يزيد عن خمسة آلاف مطعم شعبي متخصص بالفلافل في المملكة، اضافة الى مطاعم سياحية تصنع الفلافل رغم عدم تخصصها بذلك.

وتلجأ بعض المطاعم سواء الشعبية او السياحية إلى عدم استبدال مادة الزيت المستخدمة في عملية قلي المأكولات، وذلك لغايات اقتصادية تتمثل بتقليل التكلفة والسعي غير الشرعي وراء أكبر قدر من الربح، رغم أن الاستعمال المتكرر لزيوت القلي تتسبب بأمراض سرطانية، ومشكلات هضمية لا حصر لها.

من هنا، فإن قوانين كثير من الدول تجرّم هذه الظاهرة لحد يصل الى اغلاق المطعم. خاصة وان لهذه الدول أدوات رقابية صحية فاعلة تسعى الى الاطمئنان لعدم استخدم الزيت إلا مرة واحدة فقط. ولكن ما يجري في كثير من مطاعمنا أن الزيت يستقر في (الصاج) حتى يتبخر.

ولا شك أن لهذه الظاهرة أساس مادي، يقصد منه الاقتصاد في استخدام الزيت ولكن على حساب الصحة العامة للناس.

تقول دراسات طبية استشهدت بها أم زيد انه ومع قدرة مواد الفلافل على امتصاص الزيوت وازدياد الحرارة والوقت الطويل في القلي ومعدلات تحلله يزداد نسب خطورة حدوث تغيرات كيميائية وفيزيائية للزيت والمادة المقلية مما يؤثر على الصحة العامة للانسان.

وتستفحل هذه الظاهرة كثيراً في المملكة نتيجة غياب الرقابة الحكومية على الأسواق، والتغافل عن المخالفين.

ومن المعروف أن الضرر الكبير من تكرار قلي مادة الزيت لا يتأتى من عملية القلي الأولى، ولكن من قلي هذا الزيت مرة أخرى.

ويقول اختصاصي التغذية قاسم مراشدة لـ "مشروع "مضمون جديد": "إذا أردت إخضاع حبة الفلافل لمعادلة القلي المتواصلة لساعات طويلة، فإنها ستعني في النهاية ما يلي: تقرحات في المعدة وضرر في الكبد يصل حد التشمع، عدا عن احتواء الحبة الواحدة على مركبات مسرطنة وضارة بالجسم، مما يؤدي إلى ظهور حالات عقم خاصة عند الذكور. هذا ما انتهت إليه دراسات طبية حول استعمال الزيوت في الطهي لمدد طويلة.

وعلى حد تعبير "أم زيد" فإن ما يستحق التوقف عنده طويلا أن حبة الفلافل بالنسبة إلى الوجبة الأردنية من الأساسيات وخاصة للفقراء، وهذا يعني أن على طاولة الطعام الأردنية ما يدعو إلى القلق.

حبة الفلافل

والفلافل طعام شائع الاردن وفلسطين ولبنان ومصر والعراق وتعرف في اليمن باسم (باجيه) وفي مصر (طعمية).

ويقلى الفلافل بشكل يدوي في مصر، أو بشكل نصف يدوي باستعمال قوالب نحاسية أو باستخدام آلات حديثة كما في سوريا والأردن وفلسطين.

ويرجع اصل الفلافل (أو الطعمية) الي مصر وقد انتشرت منها الي جميع أنحاء الشرق الأوسط وشمال أفريقيا وأيضا أوروبا.

وتقدم الفلافل عادة كحشو لرغيف من الخبر وتحتوي حبة الفلافل باستثناء الزيوت التي فيها على السعرات الحرارية: 288 سعر، و7 من الدهون، ومن الدهون المشبعة 1، والكوليسترول: 0.5، والكاربوهيدرات: 42، والبروتينات: 15.

أبو محمد(40) عاما، معلم المدرسة له قصته ايضا من الفلافل. أبو محمد يعتبر طبق الحمص وحبات الفلافل الفطور الشعبي المقيم صباحا في بيته. وهو ليس بحاجة إلى أطباء ليعلم إن حبة الفلافل التي تقلى بزيوت - تصلح للسيارات اكثر من صلاحيتها للبشر على حد وصفه -  قنبلة مميتة يضعها في جوفه.

يقول انه بدأ يشعر بإضطرابات معوية بعد تناوله وجبة الافطار من أحد المطاعم بشكل يومي ليكتشف بعدها أن المسبب لمعاناته هي وجبة الفلافل التي يتناولها بعد أن راقب بنفسه كما طلب منه الطبيب المختص، ليمنع عائلته من تناولها.

تلك الشكاوى السائبة في معظم منازل المملكة لا تحصى، وكلها تدور حول تكرار قلي الزيوت في المطاعم. ولكنك لن تجد عاملا واحدا عدا عن أصحاب المطاعم، يعترف لك أن الزيت الذي يوضع في "صاج" القلي يختار طريقه الى التبخر مرة بعد مرة.

وبهذا لا يقتصر ضرر المخاطر الصحية لأطباق الفلافل على البشر، تلك الرفيقة الاكثر أخلاصا للفقراء، بل تتعداها إلى الإضرار البيئية الجسيمة بعد تبخر الزيت في الهواء.

وبحسب طبيب علم الأمراض (الباثولوجي) الدكتور رجائي نفاع فإن الزيوت تشكل مواد شمعية سامة عدا عن الدخان المتصاعد منها والذي يحتوي على غازات وأبخرة مثل ثاني أكسيد الكربون وما يسببه من تلوث في الجو والبيئة.

من المفهوم صعوبة العثور على عامل واحد على رأس عمله في هذه المطاعم يقول لك انه يعمل على تكرار "قلي الزيت" باستمرار في "الصاج"، ولكن مشاهدات المواطنين تؤكد أن اغلب العاملين في هذه المهنة لا يدركون طريقة القلي الصحية اضافة الى انهم يسيئون التعامل مع الزيت والوجبات قبل وأثناء وبعد القلي.

وفي مناسبة الحديث عن الزيت الذي تعرض للقلي لمرة واحدة فقط نقول ان عوني عبد الهادي وهو أحد المخترعين الاردنيين تمكن من استخدام هذا الزيت وقودا لسيارته بدلا من الديزل، بعد معالجة محركها، اضافة الى استخدام هذا الزيت كوقود للتدفئة، وذلك بعد بروز ظاهرة ارتفاع اسعار المحروقات التي اصبحت لا تتناسب مع دخله الشهري.

 

الأطباء ومخاطر صحية

ويتحدث الدكتور نفاع عن ظاهرة تكرار القلي بالزيت فيقول: إن دراسات طبية تؤكد ان استعمال الزيوت في الطهي لمدة طويلة يؤدي إلى تقرحات في المعدة وتضر بالكبد يصل حد التشمع عدا عن احتواه على مركبات مسرطنة وضارة بالجسم، مما يؤدي إلى ظهور حالات عقم خاصة عند الذكور.

فيما يقول اختصاصي التغذية قاسم مراشدة إن صلاحية الزيت للقلي لمرة واحدة فقط وبدرجة حرارة 041-081 من اجل المحافظة على سلامة الأغذية وعدم حدوث أكسدة وتكسير في أجزاء الأحماض الدهنية وتصبح ملوثات ذات تأثير، مما يجنب المستهلك الأضرار التي ينجم عنها.

وأشار مراشدة إلى أن النتائج دائما تظهر خلال بلمرة أجزاء من الدهون الثلاثية التي تؤدي بصورة واضحة إلى الإصابة بالسرطان وأهمها سرطان القولون وهو الأكثر شيوعا بنسبة(12%)وفق السجل الوطني للسرطان.

أصحاب المطاعم والنقابة

اما أبو أبراهيم مالك لمطعم شعبي فيقول إنه يطلب من عماله وباستمرار تبديل الزيت يومياً بما مقداره (4) تنكات في اليوم الواحد. ويربط أبو إبراهيم مدى تغيير الزيت بعدد المستهلكين وحركتهم الشرائية يوميا.

أما أبو حمزة والذي ملك مطعما للوجبات السريعة في اربد فهو الاخر يؤكد تجديده لزيت القلي وخصوصاً بأنه لم يمض يومين على زيارة تفقدية تقوم بها البلدية والصحة للكشف وفحص الزيت على حد قوله.

ويشير أبو حمزة إلى أن هناك مطاعم تقلص من شراء الزيوت المعتمدة من شركة الزيوت الأردنية التي تنتج زيت النخيل الغير مهدرج 100% وذلك بسبب اعتمادها على تصفية الزيت وإعادة استخدامه مع إضافة كمية صغيرة من زيت جديد.

 

مخالفات تكشفها الرقابة

وتظهر ممارسات بعض المطاعم عدم خضوعها لمظلة نقابة المطاعم، وذلك بعدما أوضح أحد المتعاونين مع النقابة الذي فضل عدم ذكر اسمه، أن النقابة تعمل كنظام وليس قانون، ولا تعتبر إخطاراتها ملزمة لأصحاب المطاعم ودورها ضعيف حتى الآن.

ولكن لأمانة عمان الكبرى دورها. فعن الدور الرقابي الذي تقوم به فرق الصحة في اقاليم امانة عمان الكبرى، تقول مديرة إدارة الرقابة الصحية والمهنية أمانة عمان الكبرى الدكتورة ميرفت المهيرات: إن تلك الفرق تعمل بجولات تفتيشية على المطاعم باستمرار تستخدم خلالها أجهزة فحص تعتمد على قياس اللون عن طريق جهاز خاص لهذه الغاية والذي يعمل على أساس تحديد الأحماض الدهنية المؤكسدة الناتجة عن عملية القلي.

وحول إتلاف الزيوت المستعملة في عملية القلي تؤكد المهيرات أنه تم إتلاف منذ بداية العام 320 لتر من الزيت وتحرير أكثر من 20 مخالفة في ذات السبب.

وتنصح المهرات بعدم استخدام الزيت أكثر من مرة، كما يجب حذرت من إضافة زيت جديد فوق القديم وهو الاسلوب المتبع في معظم المطاعم، بل يجب الإتلاف فورا بسبب التغييرات الكيميائية في الزيت القديم، والذي سيؤثر حتما على الجديد. ويواجه المخالفين من أصحاب المطاعم عقوبات تبدأ من الإنذار وتنتهي بإلاغلاق.

ختاما الاطباء يحذرون بأن صلاحية قلي الزيت هي فقط لمرة واحد حتى نتوقف عن اطعام انفسنا فلافل بطعم الاسمنت.

أضف تعليقك