الاطباء في القطاع الخاص الأكثر مخالفة لقانون العمل
عمان - حازم الصياحين - مضمون جديد
تتذمر ع.م "42" عام العاملة بمهنة سكرتيرة في عيادة أحد أطباء القطاع الخاص - وسط مدينة إربد - من واقعها الذي تعاني منه.
يبدأ دوام عبابنة الثامنة صباحا وينتهي السادسة مساء.. لكن هذا لا يعني شيئا لرب عملها الذي يرفض منذ سنوات زيادتها رغم مطالبتها المستمرة. "ع.م" تتقاضى 100 دينار شهريا فقط، رغم أن الحد الادنى للاجور في المملكة يبلغ 190 دينار وبوشر العمل به اعتبارا من شهر شباط الماضي.
وتصف جهات مسؤولة في مديرية التفتيش بوزارة العمل عيادات الاطباء والطبيبات بانها أكثر المؤسسات الخاصة مخالفة في المملكة لقانون العمل المتعلق "بالحد الادنى للاجور".
وتشكو أعداد غفيرة من العاملون والعاملات في عيادات أطباء وطبيبات القطاع الخاص في المملكة من عدم التزام اصحاب العمل بالحد الادنى الاجور، الى حد يتقاضون رواتب لا تزيد عن 100 دينار.
"ع.م" تدرك المعادلة جيدا، فهي بين أن تجلس في البيت أو توافق على شيء ما اسمه راتب تجد "ع.م" نفسها كما تقول لـ "مضمون جديد" أمام خيار وحيد، هو استمرارية العمل حتى تستطيع مساعدة زوجها على نفقات الاسرة والبيت والاولاد.
ورغم معرفة "ع.م" ان الطبيب يخالف قانون العمل والعمال بعدم التزامه بالحد الادنى للاجور الذي أقرته وزارة العمل لا تستطيع تقديم شكوى بحقه.
وحال هذه السكرتيرة كغيرها.. هناك الاف من العاملات لدى عيادات الاطباء والطبيات في المملكة يعانين كما تعاني، ومثلها أيضا الاف العاملات لا يستطعن تقديم شكوى الى وزارة العمل بحق صاحب العمل، فهذه الشكوى تعني تعرضها للتسريح من العمل.
المرارة التي تعاني منها "ع.م" جراء الظلم الذي لحق بها منذ سنين دفعتها الى مطالبة الجهات المسؤولة باتخاذ قرارات جادة وعملية لزيارة هذه المؤسسات واخضاعها لرقابة شهرية ودورية لالزام اصحاب العمل بدفع الحد الادنى للاجور البالغ 190 دينار من خلال الزامهم بعقود سنوية رسمية باشراف وزارة العمل.
وتقترح: يمكن أن تمنع حصول هذه الفئة وغيرها من العمال والعاملات على رواتبهن إلا عبر البنوك وبهذا الشكل يمكن معالجة الأمر.
وتتحسر "ع.م" على ما آلت إليه أمورها، واصفة أصحاب العمل الذين حاولت العمل لديهم في الأغلب خلال فترة تنقلها من مكان عمل لآخر، بالجشعين، رغم أنهم يحققون أرباح شهرية خيالية بحكم طبيعة أعمالهم وخبراتهم، غير أنهم لا يشعرون بالظروف القاسية التي يواجهها موظفوهم.
وتشرح "ع.م" ما تعنيه "بالارباح الشهرية الخيالية" فتقول: كشفية الطبيب الذي تعمل لديه 15 دينار، ويراجع العيادة يوميا حوالي 20 حالة أي 300 دينار يوميا، بما يعادل 9 الاف دينار شهريا، - أي أن راتبها الشهري يوفر الطبيب في أول أربع ساعات عمل. تقول: لا اريد ان ازاحمه بعلمه ورزقه، لكن لا اريد ايضا ان يظلمني ويزاحمني براتبي الضئيل.
من يعلق الجرس.. رهاب الدولة من النقابات المهنية
المفارقة ان اصحاب هذه العيادات على مستوى من العلم والثقافة والدخل واسع، ويعرفون الحقوق والواجبات والانظمة والقوانين وينعمون من خلال النقابات بمزايا مختلفة لكن كل ذلك لم يمنعهم من حرمان العاملين لديهم من أبسط حقوقهم المتمثلة بدفع الرواتب ضمن الحد الادنى للاجور على أقل تقدير.
وبينما تحرص نقابة الاطباء على خدمة مصالح أطبائها تغفل وزارة العمل عن دورها في ضبط التجاوزات لاسباب تقول الوزارة انها تتعلق بمحدودية عدد المفتشين بالوزارة ورهاب الدولة من النقابات المهنية فيبقى العامل الحلقة الاضعف اسيرا في انتظار من يعلق الجرس.
لا نقابة تحمينا
يقول "ح.ع" الذي يعمل إداريا منذ سبعة اعوام في احدى عيادات الاسنان التابعة لمجموعة من الاطباء والطبيبات انه يتقاضى 140 دينار شهريا، وان ما ازعجه لدى مراجعته للاطباء للمطالبة بمعاملته وفقا للحد الادنى للاجور رفضهم طلبه لا بل أن الامور وصلت حد السخرية منه لمجرد مطالبته بحقوقه التي يقول انها مشروعة بحسب القوانين الاردنية المعمول بها في وزارة العمل.
واستغرب "ح.ع" عدم زيادة راتبه وفقا للحد الادنى للاجور، لافتا الى انه لا توجد نقابة لفئة العاملين في عيادات الاطباء كي يلجأ لها لتدافع عنه، كما هو حال الاطباء الذين لديهم نقابة تطالب بحقوقهم وتدافع عنهم.
"
ح.ع" وفق قوله عاجز ان ايجاد حل في ظل غياب الدولة. ورغم معرفة انه سيفصل من العمل عند تقديمه شكاية بحق عيادة الاطباء لعدم تقيد العيادة التي يعمل بها بالحد الادنى للاجور فانه سيقدم شكوى سرية بحق العيادة، كما يقول.
وتساءل، لماذا تقر وزارة العمل الحد الادنى للاجور من دون وضع آليات وبرامج وخطط واضحة بالتعاون مع الجهات ذات الصلة لضمان تطبيق القرار على الجميع ولمنع حدوث أي مخالفات، بحيث يصار الى إلزام أصحاب العمل بتحويل رواتب العاملين بشكل شهري الى البنوك، وفقا للحد الادنى للاجور لمنع حدوث التجاوزات الحاصلة بما يضمن وصول الرواتب شهريا للبنوك تبعا للحد الادنى للاجور.
"العمل": عيادات الاطباء من أكثر المؤسسات مخالفة
ويصف مدير مديرية التفتيش في وزارة العمل عماد ربابعة "لمضمون جديد" ان عيادات الاطباء والطبيبات هي من اكثر المؤسسات مخالفة في المملكة لعدم تقيدهم بالحد الادنى للاجور.
وقال إن العاملين في هذه العيادات مشمولين بالحد الادنى للاجور، لكن ما يحصل هو انهم يخشون تقديم شكوى بحق صاحب العمل حيال عدم تقيده بالحد الادنى للاجور، وبذلك لا تستطيع الوزارة اتخاذ اجراءاتها القانونية بحق المخالفين الا بناءا على شكاوى .
ولفت الى وجود حوالي 150 ألف منشأة في المملكة، مقابل 150 مفتش عمل ولاتوجد امكانات كافية للتفتيش على كل المنشات وان الاولوية تعطى للمنشات الكبيرة والشركات والمتقدمين بشكوى حال وجود مشاكل بين صاحب العمل والعامل.
واضاف ان المفتشين لا يستطيعون الوصول الى كل عيادات الاطباء للكشف عليها بحسب عدد المفتشين في الوزارة.
الشكاوى سرية
واوضح ان العاملين في هذه العيادات يعتقدون ان التقدم بشكوى هو نوع من المغامرة غير المحسوبة كون لا يوجد سوى العامل او العاملة في العيادة وان صاحب العمل سيشك فورا بالعامل عنده بتقديمه شكوى بحقه.
واوضح ان مديرية التفتيش لا تطلب تقديم شكوى اسمية ورسمية لديها وحتى لو قدمت فانه يصار التعامل معها بسرية تامة حفاظا على العامل، وان المديرية ايضا تتعامل مع الشكاوى الشفهية على الخط الساخن المجاني في الوزارة 080022208 بحيث يصار استقبال الشكوى اولا وبعد ذلك يتم ارسال المفتشين للتأكد من حقيقة الشكوى من خلال سجلات الرواتب التي تمنح للعامل في العيادة التي يعمل بها.
واضاف، حال تبين عدم تقيد الطبيب بالحد الادنى للاجور فانه يصار مخالفته وتحويله للقضاء حيت تتراوح قيمة مخالفته غرامة مالية بين 50 ـ 200 دينار مع دفع فروق الرواتب.
واشار ربابعة الى ان المشكلة الرئيسة التي تواجهها المديرية هي ان العاملين في هذه العيادات يقومون بالتوقيع رسميا باستلامهم الراتب وفقا للحد الادنى للاجور في حين انهم لا يتقاضون الحد الادنى للاجور وبذلك فان المديرية لا تستطيع اتخاذ أي اجراء قانوني بحق الاطباء المخالفين.
واشار الى ان العاملين في هذه العيادات ليس لديهم نقابة تحميهم وتطالب بحقوقهم وانصافهم كما هو حال الاطباء الذين لديهم نقابة تدافع عنهم، مبينا ان المديرية لا تستطيع التحرك بشكل جدي تجاه عيادات الاطباء ما لم يتحرك العاملين والعاملات في هذه العيادات عبر الخروج عن سكوتهم وصمتهم اما بالتقدم بشكاوى سواء على الخط الساخن او كتابة الشكوى خطيا او التحرك بشكل جماعي عبر توحيد صفوفهم.
ولفت ربابعة الى انه يجب ان يكون لنقابة الاطباء دور فاعل وحقيقي في هذه القضية من خلال الزام الاطباء باعطاء العاملين في عياداتهم الحد الادنى للاجور دون أي تلاعب او تحايل او من خلال عقد موحد تقوم النقابة بتحديد معالمه ليكون ذات العقد موحدا لكل العاملين في هذه العيادات وملزما للاطباء بصرف الحد الادنى للاجور للعاملين لديهم.
نقيب الاطباء: لا دور ولا مسؤولية على النقابة
أما نقيب الاطباء الدكتور احمد العرموطي فيقول ان عدم اعطاء العاملين في عيادات الاطباء رواتب شهرية وفقا للحد الادنى للاجور هو ظلم لا سيما في ظل غلاء المعيشة وارتفاع كلف الحياة الذي يؤثر على هؤلاء العاملين.
واضاف ان النقابة مع تطبيق الحد الادنى للاجور باعتباره حق مشروع يجب ان يمنح للموظفين العاملين في عيادات الاطباء كالسكرتيرة والاداري.
وحول دور نقابة الاطباء بالمساهمة في ايجاد حل لهذه المشكلة والزام الاطباء بصرف الحد الادنى للاجور للعاملين لديهم اشار الى انه لا يوجد دور للنقابة في هذا الجانب، وان ذلك هو من مسؤولية وزارة العمل صاحبة العلاقة في التفتيش على العيادات للتأكد من التزام الاطباء بالحد الادنى للاجور من عدمه، داعيا الاطباء قي مختلف مناطق المملكة صرف الروات للعاملين في عياداتهم ضمن الحد الادنى للاجور.
المعاناة ستبقى الى حين وجود اذرع رسمية جادة لتطبيق القوانين والتشريعات التي لا يعاني المجتمع منها بل من تطبيقها.
إستمع الآن