الاحتلال يغتال البحر في غزة والسمك المصري يغزو الأسواق
غزة – مضمون جديد - حسن دوحان
في ليلة خفت فيها ضوء القمر، انطلق الصيادون في قطاع غزة على مراكبهم الصغيرة مستعينين بأضواء المصابيح للصيد في مياه البحر الأبيض المتوسط، وبينما الصياد "إسماعيل عبد العزيز" من رفح يمازح رفاقه على المركب حتى لا يسيطر عليهم النعاس وسط هدوء البحر، إذ بما يسمى "الطراد" الحربي الإسرائيلي" يعكر بصوته هدوء البحر ويطلق نيرانه العشوائية على المركب.
الصيادون على المركب أصيبوا بالصدمة وبشكل غير إرادي رفعوا أياديهم وبدأوا بالصراخ، قوات الاحتلال لم تهتم بصراخهم وواصلت إطلاق النار حتى أصابت الصياد عبد العزيز برصاصة اخترقت يده اليسرى..
إطلاق ما تسمى بخفر السواحل الإسرائيلية النار بشكل عشوائي على الصيادين لم تكن لسبب سوى أن مركبهم تجاوز الثلاثة أميال المحددة للصيد على شاطيء بحر غزة.
جنود الاحتلال لم يكتفوا بإصابة احد الصيادين في المركب ووقفه بل قاموا بجر المركب إلى ميناء أسدود دون أن يعرف الصيادون سبباً لاعتقالهم ومصادرة مركبهم مصدر رزق أطفالهم.
وبعد عدة أيام قضاها الصيادون في عتمة الزنازين وتحقيقات المخابرات الإسرائيلية يتم الإفراج عنهم مع المصاب "عبد العزيز" رغم عدم اكتمال شفائه، ليقولوا له إذهب إلى غزة وأكمل علاجك هناك.
ويعود الصيادون لذويهم دون أي سبب اقترفوه فاقدي مركبهم ومصدر رزقهم الوحيد، يحاولون لململة جراحهم وسط صمت العالم على الانتهاكات المتتالية بحقهم من قبل قوات الاحتلال الإسرائيلي.
وينص اتفاق أوسلو على السماح للصيادين بالصيد مسافة 20 ميلاً على شواطيء بحر غزة، إلا أن قوات الاحتلال الإسرائيلي لم تسمح لهم بالصيد مطلقاً في تلك المساحة التي تعتبر أصلاً جائرة، وأخذت بالتضييق عليهم إلى أن حصرت منطقة الصيد فقط لمسافة ثلاثة أميال فقط في عرض البحر على طول شاطئ بحر غزة البالغ 40 كيلو متر فقط.
عناء ومعاناة
ويعيش الصيادون الفلسطينيون في كل ليلة يقضونها في البحر بحثاً عن لقمة العيش لأطفالهم حالة من الرعب والتوتر، خشية أن تعترضهم الزوارق الحربية الإسرائيلية، ففي كل يوم يذهبون في رحلة الصيد يحملون أرواحهم على اكفهم، ويحمدون الله بعد عودتهم لذويهم سالمين.
ففي ساعات الصباح الأولى يشاهد المتجول على شاطيء البحر خروج الصيادون لتسويق ما تمكنوا من صيده من الأسماك بعد رحلة صيد قد تستغرق عدة أيام داخل البحر، ولا تخلو تلك الرحلة من الشقاء والعناء الطويل.
ويقول الصياد "ناهض أبو حصيرة" 55 عاماً في كل يوم تبحر مركبنا فيه نتعرض للمخاطرة التي قد تودي بحياتنا، فكم من صياد استشهد داخل البحر جراء إطلاق الرصاص عليه من قبل الزوارق الحربية وخفر السواحل الإسرائيلية، وكم من صياد آخر اعتقل على أيدي جنود الاحتلال بعد مطاردات داخل البحر، أما مصادرة القوارب وتمزيق شباك الصيد فحدث بلا حرج، ففي البحر كل شيء مستباح، قتل وترويع وإطلاق نار واعتقالات ومنع من الصيد.
ويضيف "أبو حصيرة "الصيادون باتوا لا يقوون على تحمل المشقات والعناء الطويل الذي لا يعود عليهم سوى بالقليل من النقود في ظل وضع اقتصادي متردي، مشيراً إلى ضيق المنطقة المخصصة للصيد من قبل الاحتلال الإسرائيلي والمحددة ب 3 ميل للصيد وهذه المنطقة لا تصلح إلا للسباحة والطراد الإسرائيلي لنا بالمرصاد والساحل كله ضيق 40 كيلو.
الصياد "أحمد أبو سليمة" نجا من موت محقق بعد أن قام زورق إسرائيلي بقلب قارب صيده الذي كان يستقله أثناء ممارسته الصيد بعرض بحر مدينة رفح جنوب قطاع غزة.
فقد قام زورق إسرائيلي بالاقتراب بشكل مفاجئ من بعض قوراب الصيادين الذين كانوا يمارسون مهنة الصيد على مسافة قريبة من الشاطئ، ومن ثم قام بمهاجمة مركب الصياد "أحمد أبو سليمة 20 عامًا"، الأمر الذي أدى لانقلاب المركب وغرق الصياد المذكور.
وتمكن عدد من الصياديين مباشرة وفور ابتعاد الزورق قليلاً عن مكان الحادث، من انتشال الصياد أبو سليمة سريعاً وسحب مركبته لشاطئ البحر.
ثمانية شهداء
تلك الممارسات تتكرر بشكل يومي مع الصيادون البالغ عددهم نحو 4000 الالاف صياد، الأمر الذي أدى إلى استشهاد ثمانية صياديين منهم على مدار الأعوام الماضية وإصابة العشرات بنيران قوات الاحتلال الإسرائيلي أو ما يسمى بخفر السواحل الإسرائيلية.
وأكد عضو مجلس إدارة جمعية المواصي التعاونية الزراعية برفح "محمد فرحات" أن قطاع الصيد يخسر في قطاع غزة أكثر 13 مليون دولار سنوياً، ويقول يوجد أكثر من 4000 صياد أصبحوا يعانون من البطالة الدائمة، عدا عن منع الاحتلال 500 مركب من الإبحار مما عرضها للتلف نتيجة عدم العمل، اضافة الى تعرض معدات الصيد خصوصا في رفح لتدمير كامل خلال الحرب الإسرائيلية الاخيرة على قطاع غزة عام 2008م.
ويشير نقيب الصياديين "نزار عياش" الى استشهاد ثمانية صياديين وإصابة أكثر من 35 أخرين بإصابات مختلفة نتيجة تعرضهم للعديد من الممارسات الإسرائيلية القمعية سواء منعهم من الصيد في المساحة المتفق عليها وهي 20 ميلاً وحصرها في 3 أميال فقط، وملاحقتهم حتى في تلك المناطق.
ويوضح "عياش" أن الزوارق الحربية الإسرائيلية تطلق النار على مراكب الصيد الفلسطينية بشكل دائم لمجرد اقتراب الصيادين من مسافة 2،5 ميل، وتقوم بمصادرة معداتهم، وسرقة شباك صيدهم، وضخ المياه العادمة والمضغوطة على الصيادين.
ويؤكد أن الصيادين يواجهون صعوبات كبيرة من بينها منع الصيادين للسنة الخامسة على التوالي من صيد السمك في موسم السردين.
ويقول "عياش" لقد أصبح الصيادون يتلقون المساعدات من عدة مؤسسات حتى يتمكن من العيش بعدما حرمته قوات الاحتلال الإسرائيلي من حقه في الصيد في بحره، مشيراً إلى أن قطاع غزة يعتبر من أكثر المناطق انتهاكاً لقواعد الصيد العالمية.
الأسماك المصرية
ونتيجة لممارسات قوات الاحتلال الإسرائيلي تجاه الصيادين، وتحديد المساحة المسموح لهم بالصيد فيها لمسافة 3 أميال فقط في عرض البحر، بدأ الصيادون يتجهون لشراء الأسماك من الصيادون في مصر وبيعها في قطاع غزة.
ويقول الصياد "كمال حسن" معظم السمك في قطاع غزة أصبح يأتي من مصر فالمصريين يقوموا بصيد الأسماك وصيادونا يقوموا بشرائه منهم وبيعه في الأسواق بقطاع غزة، وهناك بعض الصياديين يذهبوا للصيد في البحر المصري، فخفر السواحل المصري يتغاضى أحياناً عن المراكب الصغيرة فقط.
ويضيف "حسن" الصياد الذي يعتمد على مهنة الصيد بات لا يستطيع إن يوفر قوت أولاده، والديون على الصياديين كبيرة فمعظمهم مدانون ومعظمهم يعملون على البطالة وهناك مؤسسات تدعم الصيادين بالمعدات.
ويقول نقيب الصياديين نزار عياش "قطاع غزة يحتاج لما يزيد عن 5000 طن من الأسماك سنوياً، وكنا نصطاد ما يقرب من 4000 طن سنوياً عندما كان مسموحاً لنا بالصيد لمسافة 20 ميلاً في البحر، ولكننا الآن لا نصطاد سوى حوالي 1800 طن فقط".
ويضيف ولذلك يتم جلب الأسماك من مصر التي غالبيتها تكون أسماك مزارع وخاصة التي تأتي عبر الأنفاق..
وبدوره يقول عضو مجلس إدارة جمعية المواصي التعاونية الزراعية برفح محمد فرحات " لقد أثر السمك المصري على دخل الصياد، ورغم توفره للمواطنين بأسعار رخيصة إلا انه لا يوجد عليه رقابة صحية من قبل الجهات المعنية.
ويؤكد فرحات أن السمك المصري المهرب عبر الأنفاق أو من خلال البحر اوجد حلاً لأزمة تناقص الأسماك في قطاع غزة، منتقداً الجهات المسؤولة لعدم العمل بالمواصفات الدولية في الرقابة الصحية والبيطرية على الأسماك.
ويحتاج الفرد حسب المعايير الدولية إلى 21 كيلو جرام سنوياً، ولكن في قطاع غزة تراجع نصيب الفرد إلى 1،5 كيلو جرام، وأوضح فرحات أن الثروة السمكية في قطاع غزة تعرضت للنقصان مع مرور الزمن.
100 نوع من الأسماك
أسماك البحر لم تعد تلبي ما يحتاجه المواطنون من كميات، ويكمن الحل في إقامة مزارع الأسماك على الشاطيء لعدم القدرة على إقامتها في البحر لقوة الأمواج.
ويقول نزار عياش "المواطن الغزي لا يتقبل الأسماك التي يتم إنتاجها في المياه الحلوة، ولكن من الممكن إقامة مزارع على شاطيء البحر بطريقة علمية تسد العجز.
ويستذكر فرحات أن الصيادون في غزة كانوا يصطادون أكثر من 100 نوع من الأسماك، ويضيف صيادو قطاع غزة يملكون معدات صيد متطورة غير موجودة في الدول موجودة.
ويذخر بحر غزة بالأسماك الفاخرة اللوكس والدينيس والجمبري والفريدة والسلطان إبراهيم وسمك الموسى والتي كان الصيادون يبيعونها لإسرائيل، لأن بحر غزة منطقة مرور للأسماك.
وهكذا تظل ثروة غزة السمكية مسروقة، ويظل صيادوها محاصرون في عرض البحر، يبذلون أرواحهم لتوفير قوت أطفالهم.
إستمع الآن