اكثر من نصف فلسطيني الداخل تحت رحمة ادخنة النفايات المحترقة

الرابط المختصر

عرب 48 - روزين عودة - مضمون جديد

يصف احمد خلايلة الوضع في بلدته مجد الكروم الواقعة شمال شرقي عكا بانه "لا يطاق" جراء الادخنة المنبعثة من الحرائق المضطرمة باستمرار في اكوام النفايات التي تتناثر بالعشرات داخل البلدة وعلى اطرافها.

وتعتبر مجد الكروم التي يقطنها 18 الف نسمة، واحدة من اكثر التجمعات العربية تأثرا بظاهرة حرق النفايات التي باتت تؤرق الاهالي والسلطات البيئية والصحية نتيجة استمرار اتساع نطاقها رغم الجهود المبذولة للحد منها.

يقول خلايلة "أصبح الوضع لا يطاق، وهو منذ فترة طويلة لا يطاق، وتتجدد هذه الظاهرة في كل موسم وعند كل مناسبة، فلم نكد ننتهي من فترة الأعياد وحرق النفايات التي كادت أن تملأ كل أطراف القرية حتى استقبلنا موسم الزيتون وحرق الأغصان المتكسرة وغيرها".

ويضيف "القرية محاطة من جميع أطرافها تقريباً بالنفايات. نحن محاصرون بها من ثلاث جهات، ولو كانت الجهة الشمالية سهلاً لكانت أيضاً امتلأت بالنفايات وللحقتها عادة الحرق".

ويقول "أكثر من مرة تطوعت مع شبان من القرية لإخماد النيران المشتعلة في النفايات، حيث كنا نسكب الماء عليها ثم نطمرها بالتراب لنمنع انتشار الروائح الكريهة منها بعد انطفائها".

ويحمل خلايلة مسؤولية انتشار الظاهرة للسلطات المحلية التي قال انها لا تقوم بدورها في تطبيق القانون ومنع عمليات حرق النفايات بين الاحياء.

واضاف "المواطنون بشكل عام يلقون نفاياتهم ويحرقونها أينما كان وبدون رادع، فلا يوجد من يراقب ويخالف. الوضع سيء للغاية".

ويؤكد خلايلة انه "لو كان هناك رادع قوي من قبل السلطة في القرية لمنع حرق النفايات ورميها أصلاً لكان المواطنون وقريتهم بحال أفضل".

وهو في الوقت نفسه يعتبر ان "الحفاظ على المحيط البيئي لا يقتصر على السلطة فحسب إنما أيضاً للمواطنين دور مهم للحفاظ عليه".

وكانت مجد الكروم قد شهدت عام 2009 ما يشبه الكارثة البيئية عندما ادى اضراب مقاول جمع النفايات لبضعة ايام الى تكدس مئات الاطنان منها في شوارع وازقة البلدة وحولها.

وفي مسعى للتخلص من هذه الاكوام لجأ بعض الاهالي الى اضرام النار فيها، الامر الذي اطلق سحبا من الدخان كادت تغطي البلدة باكملها.

وفي الوقت نفسه، فقد تطوع البعض باليات خاصة لنقل النفايات الى خارج البلدة، الى حين حل الاشكال الذي وقع بين السلطات المحلية في البلدة والمقاول وتسبب في توقف الاخير عن العمل.
حملة مكافحة

وقد اظهرت دراسة اجرتها وزارة حماية البيئة ونشرت نتائجها مؤخرا، ان نحو نصف التجمعات العربية في الداخل الفلسطيني تواجه مشكلات تتعلق بحرق النفايات بشكل خطير ما يؤدي الى اضرار بيئية واخرى صحية.

وبناء على نتائج الدراسة، اطلقت الوزارة مطلع تشرين الثاني/نوفمبر الماضي، حملة تثقيفية واسعة لمكافحة هذه الظاهرة تحت شعار "حرق النفايات، خطر قاتل".

وكما توضح الوزارة، فان الحملة التي امتدت شهرا ركزت على توجيه "رسائل..الى المواطنين واصحاب المشاريع والمزارعين العرب, بالاضافة الى رؤساء السلطات المحلية, بغية زيادة الوعي لديهم للمخاطر الصحية التي قد تنجم عن حرق النفايات, ومنها تلوث الجو وانبعاث مواد خطرة قد تسبب امراضا كالسرطان وامراض جهاز المناعة والهورمونات والجهاز التنفسي".

وتتفشى ظاهرة حرق النفايات في التجمعات العربية خصوصا لاسباب عديدة ابرزها فقر السلطات المحلية وعدم قدرتها على تامين العدد الكافي من الموظفين واليات جمع النفايات، فضلا عن قلة وعي العامة بالمخاطر الجسيمة التي تنطوي عليها عمليات الحرق.

وفي المقابل، فان التجمعات اليهودية لا تعاني من هذه المشكلة، حيث تتوفر لها الامكانات المادية والبشرية اللازمة للتخلص من النفايات بشكل صحي، وبما يضمن عدم تراكمها وبالتالي الاضطرار الى حرقها.

وبحسب ما يوضح وزير الببيئة في تصريحات منشورة، فان "ظاهرة حرق النفايات تكثر بالأخص في البلدات العربية" ولذا فان "هذا هو جمهور الهدف الذي نتوجه إليه" خلال الحملة.

واضاف ان "المواطنين عاجزون عن التصدي لهذه الظاهرة، وحتى الآن لم يتم العمل بما فيه الكفاية لمكافحتها".

وتابع "الجيران يحرقون النفايات، أصحاب المصالح التجارية يحرقون، المزارعون أيضا يحرقون، أصحاب الأعراس والمناسبات يتخلصون من النفايات بواسطة حرقها في مركز البلدة والجميع لا يحرك ساكنا. السكان يتنفسون سماً ويصمتون. على الجمهور أن يبدي اكتراثا اكثر".

ومضى قائلا ان "هدف هذه الحملة أولا إحداث التغيير في منظور المواطنين لرفع الوعي للأضرار الصحية والبيئية والمس بجودة الحياة التي تحدث نتيجة حرق النفايات إضافة إلى الرقابة والقوانين الصارمة بهذا الشأن".
مخاطر صحية

ووفقا لما بينه مسح اجتماعي اقتصادي اجراه مشروع ركاز- بنك المعلومات في جمعية الجليل التي تعنى بالقضايا البيئية، فقد اكدت ما نسبتها 11.6 % من الأسر الفلسطينية بأنها تعاني دائماً أو أحياناً من الدخان في محيط سكنها، وافادت ما نسبتها 39.2 % من هذه الاسر بأن مصدر الدخان هو حرق النفايات.

واشارت الجمعية الى أن عددا من البحوث التي درست تأثير حرق النفايات على صحة المواطنين بينت ان هذه التأثيرات تشمل الإصابة بمرض السرطان للأطفال والبالغين على حد سواء، وكذلك امراض الجهاز التنفسي وأمراض القلب والحساسية متعددة الأنواع فضلا عن التشوهات الخلقية لدى المواليد الجدد.

وكما يؤكد الاخصائيون، فان التعرض للتركيز العالي من ملوثات الهواء التي تنبعث من حرق النفايات مباشرة يؤدي في المدى القصير الى الحرقة في العينين وفي الأنف وفي الحلق، بالإضافة إلى السعال والصداع وضيق التنفّس.

اما على المدى البعيد فيسبب دخان حرق النفايات الذي نستنشقه يوميا مختلف الأمراض في جهاز التنفس منها أزمات الربو ومرض التهاب الشعب الهوائية المزمن (البرونكاتيس) وامراض الجهاز التنفسي الاخرى، اضافة الى امراض القلب.
كما يحمل دخان حرق النفايات مواد خطرة مسببة للسرطان.

والى جانب الاثار الصحية، فان حرق النفايات يؤثر سلبياً على الوضع الإقتصادي، حيث ينجم عنه ضرر بالغ بالمحاصيل الزراعية، كما ان قيمة الارض والعقارات تنخفض بشدة في المناطق التي تشهد مثل هذه العمليات.