اصحاب الصهاريج يفرضون قانونهم في موسم العطش

عمّان - آمال العطاونة - مضمون جديد

هناك تعليمات رسمية تنظم عملية بيع المياه عبر الصهاريج وخصوصا اسعارها، لكن معظم الاردنيين لا يعلمون بها، وكثير من اصحاب الصهاريج والابار الخاصة يضربونها عرض الحائط، ويفرضون قانونهم.

ووفقا للتعليمات، فان صاحب الصهريح ملزم بان يعطي للمواطن المشتري قسيمة محررة من صاحب البئر تبين مصدر الماء وتاريخ التعبئة، وكذلك السعر الذي تم تحديده بثلاثة دنانير و15 قرشا للمتر المكعب.

غير ان مثل هذه القسيمة لا تصل الى يد الكثير من المشترين امثال زيدان الذي يقطن في منطقة البترواي، وهي احدى المناطق الاكثر معاناة هذا العام من شح المياه في مدينة الزرقاء.

والقسيمة لم يتسلمها زيدان لانه ببساطة لم يطلبها من سائق الصهريج الذي ملأ خزانات منزله للتو، لعدم معرفته بامرها اصلا.

وقد رد الرجل الذي يعمل موظفا حكوميا باستغراب شديد على سؤالنا له عن هذه القسيمة قائلا "قسيمة ايش؟، اول مرة بسمع بهالقصة!".

وبينما كنا نتحدث معه تحلق حولنا عدد من جيرانه الذين بلغت الدهشة ببعضهم حد التشكيك بصحة وجود تعليمات رسمية تلزم سائقي الصهاريج بتسليم المشترين مثل هذه القسائم.

وعندما عرضنا عليهم التعليمات كما هي منشورة في الصحف الرسمية، كانت ردود افعالهم متباينة بين الشعور بـ"الاستغفال"، وبين الاستكانة لسطوة اصحاب الصهاريج.

لنا الله وكما يخبرنا زيدان، فقد دفع لسائق الصهريج 20 دينارا ثمنا لثلاثة امتار مكعبة من المياه.

وهو يقول ان السعر الان انخفض كثيرا عما كان عليه قبل نحو شهر عندما كان يضطر لدفع 30 دينارا ثمنا لنفيس الكمية.

ويضيف "حالي حال الكثير من سكان المنطقة، لا نحصل على الماء معظم الشهر الا عن طريق الصهاريج، وكم شكونا للمسؤولين في سلطة المياه حتى يحلوا مشكلتنا، ولكن ماذا عسانا نقول..لنا الله".

ويتابع "المسؤولون تركونا تحت رحمة اصحاب الصهاريج، وحتى لو طلب هؤلاء منا 20 دينارا للمتر الواحد فسندفع لهم.. هل يستطيع احد ان يعيش من دون ماء؟!".

وليس امر الحصول على الماء عبر الصهاريج امرا هينا، فاحيانا يضطر زيدان للانتظار يوما وربما اكثر حتى يجد صهريجا يملأ خزاناته التي تصفر فيها الريح كما يقول.

ويوضح "في كثير من الاحيان يصبح العثور على صهريج معاناة حقيقية، فكل الصهاريج مشغولة بطلبيات واصحابها يضعوننا على لائحة الانتظار، وقد يطول هذا الانتظار لساعتين او احيانا ليومين".

ويتابع "نحن نكاد نتوسل لاصحاب الصهاريج، وصدقوا او لا تصدقوا، اصبحنا نبحث عن واسطات لديهم".

وفي المحصلة، يقول زيدان انه حتى بعد ان عرف بامر القسيمة، فانه لن يطلبها خشية ان "يغضب ذلك اصحاب الصهاريج فيرفضوا بيعنا الماء مرة اخرى".

وثنى جار له هو ماهر عبدالسلام على كلامه مؤكدا انه "لو كان الوضع مختلفا عما هو عليه وانتظم جريان الماء في عداداتنا، لطلبنا هذه القسيمة من عيونهم.

ولكننا الان بحاجة الى رضاهم، فليتدللوا ما شاءوا وليستغفلونا بالسعر ما قدر الله لهم ان يستغفلوا".

وحسب ما يخبرنا به سكان المنطقة، فان سائقي الصهاريج يبررون الاسعار المبالغ فيها للمياه بان اصحاب الابار هم من يفرضونها.

ورغم ان محافظة الزرقاء شهدت هذا العام تحسنا ملحوظا في عمليات تزويد المواطنين بالمياه قياسا للازمة التي حصلت خلال العامين الماضيين، الا ان المعاناة لا تزال مستمرة في العديد من الاحياء، وبخاصة التي تقع في مناطق مرتفعة.

وابرز الاحياء التي لا تزال تجأر بالشكوى حتى هذا العام هي رمزي وشبيب والوسط التجاري والإسكان والحسين والبتراوي والحاووز ومناطق كاملة في لواء الرصيفة.

وتشتد وطأة الانقاطاعات عن هذه الاحياء المكتظة سكانيا في الايام التي تشهد ارتفاعات كبيرة في درجة الحرارة، كما حصل في الاسبوع الذي سبق شهر رمضان والايام الثلاثة الاولى من ذلك الشهر.

وبعض تلك الاحياء كانت تشكو من ان المياه لا تصلها لفترات تمتد لاسبوعين واحيانا اكثر، وبعضها الاخر كانت تصله المياه ولكن بضغط ضعيف وساعات ضخ قليلة لا تكفي لملء ولو جزء يسير من خزاناتهم. ويبلغ عدد المشتركين في شبكة المياه في الزرقاء نحو 140 الفا.

وعموما، تعاني المملكة التي تصنف من ضمن الدول العشر الاكثر فقرا للمياه في العالم، من عجز مائي يبلغ نحو 430 مليون متر مكعب.

وتقدر الموازنة المائية للوزارة احتياجات الصيف الحالي للأغراض المنزلية بنحو 156 مليون متر مكعب، يبلغ المتاح منها حوالي 147 مليون متر مكعب.

لكن محافظة الزرقاء، وبحسب ما تشير دراسات رسمية هي الاكثر تضررا من نقص المياه قياسا ببقية مناطق المملكة، رغم انها تضم حوضا مائيا يعتبر من مصادر المياه الجوفية الرئيسة التي ترفد العاصمة عمان ومناطق اخرى.

حيث تشير الدراسات إلى ان محافظة الزرقاء التي يزيد عدد سكانها على 900 ألف نسمة، هي من أقل محافظات المملكة من حيث معدل التزويد، حيث لا تتجاوز حصة الفرد اليومية فيها 128 لترا، في حين يتجاوز معدل الفرد في المملكة 170 لترا.

اتهامات ويشكل البحث في اسباب الازمة المائية التي تعاني منها بعض احياء الزرقاء متاهة حقيقية، في ظل حالة التراشق بالاتهامات بين كل من سلطة المياه وشركة الكهرباء وسائقي الصهاريج واصحاب الابار المرخصة.

فمن جهتها، تقول سلطة المياه ان بعض اسباب المشكلة تعود الى الهدر الذي تبلغ نسبته 48 بالمئة نتيجة اهتراء الشبكات، فضلا عن مشكلة انقطاع التيار الكهربائي المتكرر وسرقة المحولات وكوابل الكهرباء الموجودة على الابار.

وبحسب السلطة، فان من الاسباب التي تزيد من حدة المشكلة قيام البعض باستخدام ماتورات لضخ المياه وربطها على انابيب الشبكة مما يقلل من قوة الضخ، الى جانب ان هناك من يستخدم مياه الشبكة لغايات استخدامها في اعمال الانشاءات او في الاعمال التجارية كالمطاعم والمولات وغيرها.

وكمحاولة لحل هذا الجانب من المشكلة، فان المسؤولين في السلطة يشجعون على الترخيص لـحفر آبار مياه غير صالحة للشرب، ليصار الى تعبئتها في صهاريج زرقاء اللون لبيعها لاستخدامها في الأغراض كافة عدا الشرب.

وفي ما يتعلق بمشكلة انقطاع التيار الكهربائي، فان كل انقطاع كفيل بوقف عمليات الضخ لساعات واحيانا لايام، الامر الذي يؤدي الى ارباك ادوار الضخ المخصصة للاحياء في اطار عملية تقنين تزويد المواطنين بالمياه.

وللتخفيف من المشكلة، تخصص السلطة صهاريج تابعة لها واخرى تستاجرها بهدف بتزويد المنازل التي تتضرر من عدم وصول المياه اليها.

ولكن هذه الصهاريج ليست كافية في معظم الاحيان لحل المشكلة، الامر الذي يشكل بيئة خصبة لعمل سائقي الصهاريج واصحاب الابار الذين بات معظمهم يبيع المياه باسعار خيالية مستغلا حاجة الناس اليها.

وتعد الزرقاء ثاني محافظة في المملكة من حيث عدد الآبار الارتوازية إذ يبلغ عددها 320 بئرا، منها 14 مرخصة لبيع المياه. كما توجد نحو 435 بئرا نزازة في منطقة الأزرق، وثلاثة ينابيع في مناطق صروت والعالوك والقنية، اضافة الى سد واحد في منطقة وادي راجل في الأزرق.

وبحسب سائقي الصهاريج، فان اسعار المياه المباعة في صهاريجهم تتبع للسعر الذي يفرضه اصحاب الابار.

وهم بذلك ينفون عن انفسهم تهمة التحكم بالاسعار ورفعها لغايات التكسب من معاناة المواطنين.

يقول "س" وهو سائق صهريج سعته ثلاثة امتار مكعبة "نحن نخاف الله، وليس هدفنا التربح، ولكن الاسعار ترتفع وتنخفض تبعا لامزجة اصحاب الابار".

ويضيف "انا في هذه الايام ابيع المتر للناس بثلاثة دنانير، لان الطلب قل بعض الشئ عما كان في بداية الصيف، ولان اصحاب الابار يبيعوننا المتر باربعين قرشا.

وقبل ذلك كانوا يبيعوننا المتر بدينار، فنضطر لان نرفع السعر على المشتري حتى نعوض المبلغ الزائد".

ومن جهته، ينفي صاحب احدى الابار هذه التهمة ويؤكد ان السعر محدد من قبل سلطة المياه التي تراقب الكميات التي يبيعها من خلال عداد مركب على البئر.

ويضيف "سائقو الصهاريج هم من يتلاعبون بالسعر، ولو فرضنا حقا اننا زدنا عليهم نصف دينار، فهل هذا يبرر رفعهم لسعر المتر الى خمسة دنانير واحيانا عشرة دنانير.

هذا غير منطقي".

ويتابع "كما اننا ملزمون بحسب التعليمات بان نزود سائقي الصهاريج بقسائم تبين السعر الذي بعناهم الماء على اساسه، والسلطة مطلعة على هذه القسائم".

مكمن الخطر ولكن لماذا لا يقوم سائقو الصهاريج باعطاء المواطنين هذه القسائم؟.يجيب سائق الصهريج "س" قائلا "الناس لا يطلبون القسيمة.

من يطلبها سيحصل عليها". لكن سائق صهريج اخر يكشف لنا عما وصفها بانها "الاسباب الحقيقية لاخفاء القسائم وعدم تسليمها للناس".

يقول الرجل الذي فضل عدم كشف هويته "سائقو الصهاريج لا يريدون اعطاء القسائم لانها تكشف السعر الحقيقي للماء، هذا اولا، وثانيا، لان بعضهم يعبئ من ابار غير مرخصة، سواء بسبب ان مياهها ليست مخصصة للشرب او لان السلطة ترفض ترخيصها نتيجة لعدم صلاحيتها جراء التلوث او غيره".

وكما يخبرنا، فان بعض سائقي الصهاريج يعبئون المياه من تلك الابار بسبب رخص اثمان مياهها، اضافة الى انها توفر عليهم عناء انتظار الدور للتعبئة من الابار المرخصة، وهو الانتظار الذي قد يدوم لساعات ويقلل بالتالي من عدد الحمولات التي يبيعونها يوميا.

ولفت الى ان بعض السائقين المخالفين يحتفظون بقسيمة صحيحة واحدة على الاقل في كل يوم لابرازها امام جهات الرقابة الرسمية في حال ايقافه لاثبات ان حمولته قانونية.

مشيرا الى ان الرقابة ضعيفة للغاية وغير قادرة على لجم امثال هؤلاء السائقين.

وبحسب التعليمات، فان الصهاريج ذات اللون الاخضر مخصصة لبيع مياه الشرب، في حين ان الصهاريج الزرقاء اللون تبيع المياه المخصصة للاغراض الزراعية والانشائية وغيرها مما لا علاقة له بالاستهلاك المنزلي.

وبحسب المسؤولين فقد تم ضبط صهاريج خضراء اللون تقوم بتعبئة المياه من "نبعات" أو آبار غير صالحة للشرب، وكما يؤكد عدنان الزعبي المساعد لشؤون التوعية والإعلام في وزارة المياه والناطق الرسمي باسمها، فان هناك تعليمات صارمة وضعتها لجنة حكومة لضبط عملية تزويد المياه للمواطنين من الابار والنبعات، وتتضمن ايضا السعر الذي يجب ان تباع المياه في حدوده، وذلك تحت طائلة العقوبة للمخالفين.

واوضح الزعبي ان هذه التعلميات تنص على الزام صاحب الصهريج بتسليم المواطن المشتري قسيمة محررة من صاحب البئر تشمل تاريخ التعبئة ومصدر المياه، حتى يتمكن المواطن من التاكد من "سلامتها"، خصوصا بعدما تم ضبط بعضهم الصهاريج وهي تقوم بالتعبئة من مصادر مائية غير صالحة للشرب وبيعها على أنها صالحة. وقد جرى وضع هذه التعليمات من قبل لجنة مؤلفة من وزارات المياه والري والنقل والطاقة والصحة وسلطة المياه والأمن العام.

وقد شملت التعليمات المياه المبيعة عبر صهاريج القطاع الخاص من الآبار الخاصة أو الآبار المملوكة لسلطة المياه.

وقال الزعبي ان وزارتي الصحة والصناعة والتجارة، والحكام الإداريين، ومؤسسة المواصفات والمقاييس، يقومون بمتابعة عمل الصهاريج في اطار هذه التعليمات.

واضاف ان التعليمات تشترط ان لا يتجاوز سعر المتر المكعب الواحد الواصل للمواطن من بئر خاص بواسطة صهريج خاص ثلاثة دنانير و15 قرشا، وبحيث يتقاضى صاحب البئر 50 قرشا وصاحب الصهريج دينارين و40 قرشا وسلطة المياه 25 قرشا. وفي ما يتعلق بالابار التابعة لسلطة المياه، فقد نصت التعليمات على الا يتجاوز سعر المتر الواصل منها للمواطن بواسطة صهريج خاص 3 دنانير، حيث تتقاضى السلطة 60 قرشا وصاحب الصهريج دينارين و40 قرشا.

واوضح الزعبي ان السعر جرى تحديده على أساس تقدير تعرفة المسافة القصوى المقطوعة من صاحب الصهريج بنحو 50 كيلومترا لكل نقلة، وبالتالي توجد مناطق متعددة يكون فيها سعر المياه أقل من ذلك، خاصة عندما تكون المسافة المقطوعة أقل.

أضف تعليقك