اسرائيل تخنق مدن الداخل الفلسطيني بالمناطق الصناعية

الرابط المختصر

عرب 48 - روزين عودة - مضمون جديد

غير بعيد في افق كفركنا، وعلى اراض صادرتها منها اسرائيل، تتعالى سحب السموم من مداخن مصنع فينيتسيا في منطقة تسيبوريت الصناعية التي اعملت تدميرا في بيئة البلدة بعدما شلت قدرتها على التوسع.

والحال يتشابه حد التطابق في العديد من المدن والبلدات العربية الاخرى داخل اسرائيل التي ابتليت بمناطق صناعية اقيمت على اراضيها، ودون ان يكون لها من عوائدها الاقتصادية والتنموية سوى الفتات.
وفي الوقت الذي تجهد فيه اسرائيل للترويج الى ان هذه المناطق الصناعية مقامة على احدث الاسس التي تراعي البيئة، الا ان الخبراء يؤكدون عكس ذلك.

يقول الباحث في مجال الهندسة البيئة في جمعية الجليل عصام صبّاح "عندما نرى مصنعاً أياً كان سيتجه تفكيرنا الى أن المصنع يؤثر سلبياً على المحيط البيئي، فالصناعة هي مكمن تلويث للمحيط".

ويضيف "إن تحدثنا عن فينيتسيا (للزجاج) فمن الواضح أننا نتحدث عن مواد كيماوية تختلط معا، وعن عمليات حرق وأفران ضخمة، وعمليات طحن، ونتحدث أيضاً عن عمليات نقل عن طريق السيارات والشاحنات والتي تدخل إلى المصنع بشكل دائم ومكثف".

ويتابع صبّاح قائلا ان "الأمر لا يحتاج لبحوث ودراسات عميقة وموسعة" لاكتشاف ان هذا المصنع او غيره يتسبب في تلويث البيئة.

ويتحدث صبّاح عن خليج حيفا كنموذج آخر للمناطق الصناعية الملوثة، ويقول "قامت وزارة البيئة قبل سنتين أو ثلاثة بإجراء فحص للهواء ووجدت آنذاك مواد مسرطنة في الهواء".

وكان بيان للنائب دوف حنين رئيس اللجنة البرلمانية للصحة والبيئة في الكنيست ذكر العام الماضي دراسات اجرتها مجموعة من الباحثين أظهرت وجود علاقة مباشرة بين تلوث الهواء في خليج حيفا وبين مرض سرطان الرئة المنتشر في هذه المنطقة بنسب أعلى منها في أي مكان آخر بالبلاد.

ويضيف "في نهر الكيشون (قرب حيفا) تكتشف دائماً مواد عادمة من المصانع، ونحن نتحدث هنا عن صناعة النفط، ونتحدث بالأخص عن كل المواد الكيماوية التي من الممكن أن نعددها في هذه الصناعة. فنتحدث عن مولد كيماوية، مواد تسبب الحساسية، مواد مسرطنة، ومواد تسبب الربو".
حصار سخنين

قرب مدينة سخنين في شمال اسرائيل، اقيمت عام 1990 مدينة ترديون الصناعية على اراض تابعة للمدينة بعدما تمت مصادرتها من اصحابها.

وتشكو المدينة التي تضم 26 الف نسمة من ان المنطقة الصناعية قد اضرت باقتصادها بدلا من ان تعود عليه بالنفع، كما انها حدت من امكانية التوسع العمراني الذي بات ضرورة ملحة مع تنامي اعداد المواطنين.

يقول غزال أبو ريا الناطق بلسان بلدية سخنين أن قسماً كبيراً من أراضي المدينة (نحو 100 دونم) صودرت لصالح اقامة ترديون "وحتى اليوم لا زال اهالي البلدة يملكون عددا من الدونمات داخل" هذه المنطقة الصناعية.

ويردف قائلا ان "قسماً من هذه الاارضي الواقعة على التلال كان يشكل رئة لمدينة سخنين، وبالتالي نحن اصبحنا جسدا بلا رئة، وهذا عملياً يحد من إمكانية توسعنا".

ويضيف "نحن لا نتحدث فقط عن منطقة ترديون، إنما أيضاً المنطقة العسكرية التي أقيمت قبل 10 سنوات في مدخل سخنين، وأيضاً رافائيل في سنوات الثمانينات، وهنا نتحدث عن 3000 دونم غير ترديون والتي صودرت لمخيمات عسكرية".

وكما يؤكد ابو ريا فانه "حتى اليوم لم يحصل أي مواطن من سخنين على أي تعويض مناسب عن ارضه المصادرة".

وقد طالبت بلدية سخنين بتوسيع حدودها بمقدار 3500 دونم حتى تتمكن من تلبية احتياجات التوسع الطبيعية حتى عام 2020، لكن ما منح لها هو توصية بـ1500 دونم منها 1000 دونم اراضي حرشية لا يمكن البناء فيها.

يقول أبو ريا "سخنين اليوم محاصرة من الغرب بترديون، ومن الجنوب بمخيمات عسكرية، ولم يبق لنا في الشرق سوى شريط شجر الزيتون الذي يفصل بيننا وبين عرابة ويعود إلى ما قبل 3000 عام، ومن الممكن أن نقتلع الزيتون حتى نستطيع التوسع، لكنه أيضاً حل غير كاف".

ويضيف "سخنين التي كانت تملك ما يقارب 100.000 دونم، وامتدت أراضيها إلى صفورية، وادي سلامة، شعب، عرابة، كابول، وكوكب أبو الهيجاء وسهل البطوف، اصبحت اليوم محصورة في 9500 دونم".
عوائد التنمية

تضم ترديون مصانع مختلفة الإنتاج ومراكز تجارية، ومكاتب تأمين، ومكاتب تشغيل حكومية وغيرها.
ويشير ابو ريا الى ان "ترديون لم تعد فقط منطقة صناعية إنما أيضاً حكومية وكل هذا على حساب سخنين، والتوجه أصبح إلى ترديون حيث المكاتب الحكومية وما شابه بدلاً من سخنين".

واضافة الى ذلك، يقول المسؤول في البلدية ان سخنين محرومة من الارنونا (العوائد الضريبية) المتأتية من ترديون، والتي تذهب الى المجلس الاقليمي لبلدة مسجاف اليهودية المجاورة.

وتطالب سخنين منذ مدة طويلة بان يتم تخصيص جزء من عوائد الارنونا لها ودون ان يلقى هذا الطلب استجابة من الحكومة.

يقول ابو ريا "خسرنا أراضينا، وفي نفس الوقت الأرنونا تُمنح للمجلس الإقليمي مسجاف، فأنا أعتقد أن هذا الطلب هو عادل".

ويضيف "المنطقة الصناعية ترديون لا تخدم بالضرورة مصالحنا، نحن نقدر أنها تستوعب نسبة معينة من مواطني سخنين كموظفين وعاملين فيها، وإنه لشيء ايجابي لكنه لا يكفي".

وعن الاثر البيئي يقول "بشكل عام، حتى لو لم تكن المصانع محاذية للمنازل، إلا أن هنالك خطراً لا بد منه على السكان من ناحية صحية، وهذا شيء متعارف عليه، والمنطقة الصناعية محاذية للمنطقة السكنية، وهذه إشكالية كبيرة جداً، وحتى لو كانت المنطقة الصناعية تنتج وتصدر عطوراً، فحتى لهذا ضرر كبير".
منطقة نموذجية

وفي مقابل الاتهامات، تجد منطقة ترديون الصناعية من يدافع عنها ويؤكد انها صديقة للبيئة والتنمية معا.

ومن هؤلاء، حسين طربيه مدير اتحاد مدن جودة البيئة في منطقة البطوف الذي قال "إذا كان السؤال هل
تبعث منطقة ترديون ملوثات فالإجابة هي لا".

واتحاد البطوف هو أول أتحاد من نوعه في القطاع العربي في إسرائيل إلى جانب اتحادات المدن اليهودية لجودة البيئة.

ويشمل الاتحاد مدن سخنين, دير حنا, عرابة, عيلبون, بعنة نجيدات وكوكب، ويهدف الى تشجيع سكانها على القيام بالمشاريع من أجل الحفاظ على البيئة.

يقول طربيه "منطقة ترديون على وجه الخصوص هي منطقة صناعية نموذجية مخططة على الطراز الحديث، وهي بالتالي مراقبة بيئياً من عدة مؤسسات، ناهيك عن أنه وحسب الاتفاقية يمنع إدخال أو إنشاء أي من المصانع التي تبعث ملوثات للهواء".

ويضيف ان ترديون "تضم مكاتب خدمات مجتمعية، وأصبحت أيضاً متنزها لأهالي سخنين التي تفتقد للمتنزهات".

ويتابع قائلا انه "في المنطقة الصناعية في ترديون هناك مجلس يدير المنطقة الصناعية على عكس المناطق الصناعية في مناطق عربية حيث نجدها عشوائية".

وكما يرى طربيه، فان "أهالي سخنين يعانون من المصانع المنتشرة في المدينة أكثر من تلك التي في ترديون".
ويتابع طربيه "بشكل عام الوضع البيئي في البلدات العربية متدن جداً، فلا توجد إدارة بيئية فيها، وبالتالي نعاني من أمراض متعددة وأزمات صحية لا تحصى ولا تعد".

ويختم حديثه قائلا ان "هنالك أموراً مرتبطة بالميزانيات، لكننا لا نستطيع أن نربط كل شيء بالدولة، فللمواطنين بشكل عام دورً لا يقل أهمية عن دور المؤسسات في الحفاظ على المحيط البيئي".
مؤشرات مرعبة

وفي خضم الجدل الدائر حول الاثار البيئية والصحية لاقامة مناطق صناعية قرب المدن العربية، اصدرت المؤسسة العربية لحقوق الإنسان تقريرا عام 2005، تضمن حقائق ومؤشرات مرعبة.
فقد اشار التقرير الى ان وزارة الصحة الاسرائيلية استثنت المدن والبلدات العربية من قائمة المناطق المعرضة للأمراض الخطيرة خلال بحث اجرته بهذا الخصوص.
وشمل البحث 26 مدينة وبلدة يهودية.

وقال التقرير ان خطوة الوزارة تاتي "على الرغم من أن هذه الأمراض ارتفعت خلال العقود الثلاثة الأخيرة بين العرب بنسبة 97.8% بين الذكور و-123% بين الإناث".

وجاء في التقرير انه "على سبيل المثال, قرية كفر كنا تقع في منطقة يلاحظ فيها ازدياد حالات الإصابة بالأمراض السرطانية في السنوات الأخيرة – وربما كانت هناك علاقة بين الظاهرة وبين التلويثات المنبعثة من المصانع القريبة مثل مصنع فينيتسيا – إلا أنها لم تشتمل في القائمة، كما هو الأمر لمدينة الناصرة فقد تم التغاضي عنها مع أن القائمة اشتملت على مدينة نتسيرت عيليت (الناصرة العليا) المحاذية لها".

وقد ادعت وزارة الصحة أن البحث يتطرق إلى المدن الكبرى فقط. إلا أن تقرير المنظمة قال ان "مراجعة لقائمة المدن التي شملها البحث تظهر أن ما تقوله الوزارة غير صحيح، حيث أن هناك بلدات يهودية شملها البحث يصل عدد سكانها عشرة آلاف نسمة، وبعضها عدد سكانها أقل بكثير من الناصرة وكفر كنا وأم الفحم وطمرة وغيرها".

وكانت وزارة الصحة قد تذرعت بأنه ليس في الإمكان شمول الوسط العربي في البحث لعدم وجود ميزانيات وعدم التمكن من الوصول إلى عناوين المرضى العرب.

ولفت تقرير المؤسسة العربية لحقوق الإنسان الى ان لواء الشمال، الذي يشكل العرب غالبية سكانية فيه، يشهد في السنوات الأخيرة ازدياداً كبيراً وبنسبة مخيفة في الإصابة بحالات السرطان المختلفة.
وقال التقرير ان هناك من يربط الظاهرة بتلويث البيئة الناجم عن المصانع التي أقيمت مؤخراً وسط التجمعات العربية.