اردنيون ينفقون الملايين على رفاهية الكلاب والقطط
الاغذية العالمية: الاردن استورد عام 2010 نحو 547 طنا من أطعمة الكلاب والقطط
قيمة مستوردات غذاء الكلاب والقطط تصل الى مليون و122 الف دولار ويتوقع ان ترتفع هذا العام
عمان- آمال العطاونة
بيلا، فرنسية تخطف الابصار وتدير الرؤوس إذا ما نزلت تتبختر يوما في أسواق وسط البلد.
ولكن الحال تختلف في حيها الراقي في عمان الغربية، حيث لا عيون فضولية تتفحصها عندما تخرج للتنزه كعادتها عصر كل يوم بصحبة عمار مصرصع، الشاب الجامعي الذي قادها القدر للاقامة في بيته قبل عامين.
ومنذ دخولها الى حياته، حرص الشاب الذي يدرس هندسة الطيران على مصاحبتها في نزهات العصر، لكن انشغالات الدراسة باتت تضطره الى تفويت بعض الايام، وترك مهمة مرافقتها لمن يكون متفرغا من أفراد أسرته.
ولا يخفي عمار ذو العشرين عاما شعوره بالذنب حيال تخلفه عن نزهة بيلا التي أحاطها بوافر الحنان والحب منذ وقع عليها بصره في ذلك اليوم الذي أهداه إياها احد الاصدقاء قبل عامين.
كانت حينها في الشهر السادس من عمرها، وقد أبقاها داخل المنزل لبضعة أشهر بادئ الامر قبل ان يهئ لها بيتا خشبيا في ساحة المنزل.
واجمالا فان المعيشة التي يوفرها عمار لبيلا وهي كلبة فرنسية من فصيلة تيريير، لا اقل من ان توصف بالرغيدة.
وحالها في ذلك هو حال نحو عشرة الاف كلب تتنعم في بيوت تعود معظمها لمترفين تتفاوت دوافعهم من وراء اقتنائها بين التباهي والمفاخرة والتقليد الاعمى، او الهواية الصرفة المنزهة عن الاعتبارات.
وهناك ايضا من يقتنيها من اجل استعمالها ككلاب ماشية او حراسة، او صيد احيانا.
وفي ما يتعلق باصحاب الدوافع الاولى، فان العين لا تخطؤهم وهم يتجولون في الشوارع بسياراتهم التي تطل الكلاب اللاهثة من نوافذها مرسلة السنتها للريح التي تتكفل ببعثرة لعابها على السيارات المجاورة واحيانا المارة.
ولا تستجر هذه المشاهد الاعجاب كما يتوقع اصحابها، بل هي تستفز مشاعر الناس الذين يكابد معظمهم في سبيل توفير لقمة العيش.
انفاق باذخ
ويقدر متابعون ان ما بين ثلاثة وخمسة ملايين دينار يتم إنفاقها سنويا في الاردن، كأثمان أطعمة ومستلزمات صحية وتجميلية وترفيهية للكلاب، وهي في جلها الاعظم مستوردة.
وبحسب ارقام منظمة الاغذية العالمية فقد استورد الاردن عام 2010 نحو 547 طنا من اطعمة الحيوانات الاليفة، وهي حصرا الكلاب والقطط، وبقيمة تصل الى مليون و122 الف دولار. ويتوقع ان ترتفع القيمة الى مليوني دولار في 2013.
ويعود أول رصد توثقه المنظمة الى العام 1994، حيث كانت الكمية المسجلة حينها 70 طنا، ثم تصاعدت تذبذبا محققة قفزات كبيرة اعتبارا من العام 2007.
وان كان جزء من تلك الاطعمة يختص بالقطط التي بات اقتناؤها يلقى رواجا في السنوات الاخيرة، لكنه يظل جزءا يسيرا بالكاد يذكر قياسا بما هو مخصص للكلاب.
واضافة الى الاطعمة، فان مستوردات الاردن من مستلزمات العناية بالكلاب والقطط تبلغ ما قيمته نحو مليوني دولار سنويا بحسب المتابعين.
وتتعدد هذه المستلزمات بين معاجين وفراشي اسنان وفراشي استحمام وامشاط وشامبوهات وعطور وصبغات شعر ومغاطس استحمام واطباق وصحون للطعام وبيوت خشبية وبلاستيكية وغيرها.
كما ان هناك حركة استيراد نشطة لسلالات بعينها من الكلاب والقطط، ولكن لا يعرف على وجه الدقة حجم هذه التجارة التي تشكلت في موازاتها سوق محلية تشكل مواقع التواصل الاجتماعي ساحة لها الى جانب مواقع الاعلانات التجارية.
وتلتحق بهذا القطاع التجاري النامي أنشطة رديفة منها العيادات ومراكز التزيين والترفيه التي يقدم بعضها خدمات تدريب الكلاب على الطاعة او مرافقة المسنين وذوي الاحتياجات الخاصة والمدمنين والمرضى النفسيين.
وينظر اجمالا الى ظاهرة اقتناء الاردنيين للحيوانات الاليفة بوصفها امتدادا لحالة عامة في الغرب الذي تشهد بلدانه، وفي مقدمتها الولايات المتحدة، تسابقا على تربيتها والانفاق عليها ببذخ يستعصي على الفهم.
فقد سجل في الولايات المتحدة وحدها العام الماضي نحو 81 مليون قط و72 مليون كلب ينفق عليها الأمريكيون ما يصل الى 52 مليار دولار، وبمعدل يبلغ 1425 دولارا للكلب الواحد سنويا.
وبطبيعة الحال فان عمار لا ينفق هذا القدر من المال على كلبته المدللة ذات الوبر الابيض الكثيف، ولكنه ايضا لا يبخل عليها بالمستطاع كما يقول. وهي ليست أول كلب يقتنيه، فقد كان لديه قبلها كلب من فصيلة شرسة تستعمل للحراسة عادة.
وقد اضطر للتخلي عن هذا الكلب بسبب النمو السريع لجثته الضخمة، وازعاجه للجيران، حيث كان ينام في النهار ويستيقط في الليل ليملأ الحي بأصوات نباحه وطرطقة إناء طعامه الذي لم يكن يمل من تطويحه لساعات مستخدما أسنانه وقوائمه.
وقد وهبه كما يخبرنا إلى شخص لديه مزرعة وبدا انه تناسبه طباع كلب من مثل هذا النوع.
عناية فائقة
ويلجأ من يريدون التخلص من كلابهم الى بيعها، وان لم تجد شاريا، فهم يودعونها إحدى الجمعيات الأهلية التي تعنى برعاية الحيوانات الاليفة، وهي بدورها تعرضها للتبني، ولكن ضمن شروط صارمة.
اما بيلا، فان عمار متعلق بها، وهي في الوقت نفسه لا تكلفه الكثير سواء من حيث طعامها او متطلبات رعايتها الأخرى.
ويقول الشاب الذي يهوى اقتناء الكلاب من باب الهواية لـ"مضمون جديد" ان كلبته الصغيرة معتادة على طعام المنزل حتى الارز والفاصولياء، وانه نادرا ما يشتري لها اطعمة معلبة من المتاجر الكبيرة التي تفرد أقساما خاصة لهذه المنتجات.
ومع ذلك فهو يحتفظ في المنزل بمخزون من الاطعمة المعلبة تحسبا ليوم قد يخرجون فيه من المنزل لزيارة او ما شابه، ولا يكون هناك حينها طعام آخر يقدمه لها.
وهو عادة يشتري عبوات لحوم معلبة لا يتجاوز سعر الواحدة منها دينارا ونصف الدينار، وربما يشتري لها مرة او مرتين في الشهر عبوة كبيرة من اللحوم الجافة يصل سعرها الى 15 دينارا، وتكفيها أياما عديدة.
وعلى أية حال، فان بيلا لا تأكل سوى وجبتين في اليوم كما يقول عمار الذي يتحاشى إطعامها فوق حاجتها حتى لا تسمن وتصبح كسولة ثقيلة المعشر.
ولا تتطلب العناية بصحة بيلا ونظافتها كبير عناء حيث لا يضطر عمار إلى غسلها سوى مرة في الشهر، مستعملا معقمات وشامبوهات خاصة لتخليصها من الحشرات والبراغيث وحمايتها من الفطريات.
وحتى يمنع تكاثر الطفيليات في وبرها، فهو يحلقه لها مرة او اثنتين في العام. وللصدفة فقد أخبرنا انه أخذها قبل يومين الى جمعية غير ربحية تعنى بحماية الحيوانات الاليفة، حيث تكفل حلاق هناك بقص وبرها مقابل 30 دينارا فقط.
ويعد هذا مبلغا معقولا كما يراه عمار قياسا بالاسعار الباهظة التي يفرضها مختصون في هذا المجال، ممن يعملون على مستوى تجاري ولهم زبائنهم من الاثرياء المترفين.
ولعل الاهم من كل ذلك هو المطاعيم التي يحرص عمار على ان تحصل عليها بيلا في مواعيدها لحمايتها وحماية أسرته من أمراض عدة يتشارك فيها البشر والحيوان.
وهو عادة يلجأ الى عيادات جمعيات رعاية الحيوانات الاليفة التي تقدم المطاعيم باسعار مخفضة وبخاصة مطعوم داء الكلب، فضلا عن خدمات أساسية أخرى منها تعقيم الحيوانات عبر عمليات جراحية صغرى تجعلها غير قادرة على التناسل.
ويظل ان الشيء الوحيد الذي لم يوفره عمار لبيلا هو الرخصة التي تجعل اقتناءه لها شرعيا، ويؤهلها للحصول على خدمات دائرة البيطرة في وزارة الزراعة مجانا، ومن ضمنها خدمات المطاعيم السنوية.
ولكن على ما يبدو فان عمار لا يكترث كثيرا لهذه الرخصة، كما هو الحال مع آلاف آخرين من أصحاب الكلاب، وبدورها فإن الجهات المختصة تتغاضى بدورها عن هذه المخالفات، ولا تتحرك الا عند تلقيها شكاوى محددة بحق أحدهم.
اشتراطات قانونية
وتظهر سجلات دائرة البيطرة في وزارة الزراعة ان خمسة الاف حيوان اليف تلقت خلال هذا العام مطعوم داء الكلب الذي تقدمه الدائرة مجانا.
ويعطي هذا الرقم مؤشرا على عدد الحيوانات المرخصة فقط، لكن عدد التي لا يقوم أصحابها بترخيصها قد يعادل هذا الرقم ان لم يكن يفوقه بحسب المتابعين.
وكما يبين مدير دائرة البيطرة منذر الرفاعي لـ"مضمون جديد"، فان مطعوم الكلب يمكن الحصول عليه من خلال 42 عيادة بيطرية تنتشر في انحاء المملكة. ولا تستفيد من مجانية المطعوم سوى الحيوانات الأليفة المرخصة قانونا.
ويستوجب ترخيص الحيوان سواء كان كلبا او قطة او سواهما مما يهوى البعض اقتناءه في المنازل، تقديم طلب للوزارة عبر احدى مديرياتها في المحافظات، والتي تقوم باجراءات من بينها الفحوص الطبية والتطعيم قبل الموافقة على منح الرخصة.
اما بالنسبة للحيوانات الاليفة المستوردة، فهناك اجراءات اخرى يتم اتباعها كما يقول الرفاعي، ومنها تدقيق الشهادات الصحية الخاصة بالمطاعيم التي يحملها الحيوان من بلده ومما اذا كان مسموحا الاستيراد من تلك البلد.
والمطاعيم الزامية في كل الاحوال بسبب تعدد وخطورة الامراض التي يمكن ان تنقلها الحيوانات الاليفة الى البشر، ومنها أمراض الشلل والطاعون والصفيرة والكلب، فضلا عن بعض انواع الفطريات والجرب.
وتنقل الحيوانات المصابة هذه الافات الى الانسان عبر لعابها او برازها الذي تكثر فيه الديدان والطفيليات والجراثيم.
ويستتبع الترخيص فتح سجل يبين المعلومات المتعلقة بالحيوان وصاحبه، كما يصرف طوق يحمل رقما تعريفيا وينبغي ان يوضع في رقبة الحيوان في كل الاوقات على ما يوضحه المسؤول في وزارة الزراعة.
وتعتبر تعليمات وزارة الزراعة اي كلب لا يحمل هذا الطوق "شاردا"، وتخول مدراء البيطرة صلاحية مصادرته و"افناءه" خصوصا اذا ما اشتبه في تهديده الصحة العامة او كان شرس الطباع.
وتنص التعليمات على انه "لا يجوز لاي شخص يقطن ضمن منطقة مجلس بلدي ان يقتني كلبا ما لم يكن مرخصا ويحمل لوحة في رقبته بصورة مستمرة وذات رقم متسلسل ولا يجوز ترخيصه ما لم يكن ملقحا ضد مرض داء الكلب".
وتشدد على "ان تكون جميع الكلاب مكممة ومقودة بزمام اثناء سيرها في الطرقات او الشوارع والاماكن العامة ضمن حدود المجالس البلدية والا اعتبرت "شاردة".
* أعد هذا التقرير لصالح مشروع "مضمون جديد".
إستمع الآن