أيادي ألمانية تنظف شوارع الاردن .. أبو سليم رمز للكثير من الأردنيين الشباب
عبير هشام أبو طوق ، عمان ، الأردن ، خاص ب سايلنت هيروز ، انفيزيبل بريدجز
من النادر أن ترى شخصا أجنبيا يتكلم اللهجة الأردنية بطلاقة ،الا أن هذه الحال لا تنطبق على انزلم ايبنج الذي لا يتحدث العربية فقط ، و لكن يطلق على نفسه اسما مسلما أيضا " أبو سليم" ، الاسم الذي منحه اياه تلفزيون عرمر الأردني لتسهيل التواصل معه .
يمتاز أبو سليم مثل كل الألمان ببشرة فاتحة وعيون ملونة ما يجعله محل اعجاب للكثيرين عندما يتحدث العربية بلكنة أردنية ، يقول "أحيانا أخالف السير يتغاضى الشرطة عن ذلك عندما أحدثهم بلكنة الأردنية ، فهم يسعدون لرؤية غريب يتحدث لهجتهم بطلاقة".
اينبج هو أردني اكثر حتى من بعض الأردنيين بأفعاله ، ففي غياب الجهات المسؤولة عن حفظ البيئة و رعاية أمور النفايات ، يعد أبو سليم بلا منازع بطل الحفاظ على البيئة في اعادة تدوير النفايات ، ايمانا منه بأنه ينتمي للمجتمع الأردني. في غرفة تبلغ مساحتها 8 أمتار مليئة بأكياس نايلون و بأنواع مختلفة من النفايات في منطقة عين الباشا، والتي تبعد عشرين كيلو متر عن العاصمة الأردنية عمّان ، يتخذ أبو سليم مقر عمله في اعادة تدوير النفايات .
جاء اينبج (28) عاما من المانيا الى الأردن في عام 2007 لأول مرة ، لدراسة الادارة المتكاملة لمصادر المياه في الجامعة الاردنية.و بعد انهاء الدراسة والحصول على شهادة الماجستير، طلب من السفارة البريطانية مساعدته للعمل في المجال البيئي، وخلال عمله هناك تعرف الى وجيه عريفج مؤسسة شركة الخضراء ثم انتقل للعمل معهم في فروع الشركة الثلاثة: عين الباشا، البحر الميت والعقبة.
يعمل أبو سليم الآن مسؤولا عن قسم التدوير والأمور التسويقية للشركة التي يبلغ عدد موظفيها 80 ، يتولى أبو سليم ومن خلال منصبه الوظيفي عقد صفقات واتفاقيات مشتركة مع كبريات الفنادق والشركات في العاصمة الأردنية للحصول على مخلفات هذه الأماكن من النفايات على اختلاف أنواعها من البلاستيك، الورق، زجاجات المياه والمشروبات الكحولية.
يشرح أبو سليم كيفية العمل " تتم الاتفاقية بناءا على زيارتي لواحدة من هذه الشركات ونتفق على الحصول على كمية معينة يوميا من النفايات لديهم لاعادة تدويرها" و يضيف " يتم تجميع ما لا يقل عن (15 – 20) طن من النفايات يوميا في المناطق الثلاثة التي أعمل فيها ".
تبلغ كمية النفايات المنزلية في الأردن 1.4 مليون طن سنوياً، في حين تصل كمية النفايات الصناعية إلى 165 ألف طن سنوياً، و1.6 مليون طن سنوياً للنفايات الزراعية ، وذلك بحسب احصائيات امانة عمّان المسؤولة عن نظافة الشوارع في العاصمة الاردنية. و رغم أن الاهتمام الرسمي والشعبي واضح في مجال التدوير الا أن هناك العديد من المشاريع في هذا المجال لم يكتب لها الاستمرار كمشروع جمعية البيئة الاردنية ، ويبقى الوضع يعتمد على الجهود الشخصية من أمثال أبو سليم.
يبدأ العمل بالفرز في مكان مخصص للنفايات، وهو عبارة عن غرفة تتوسطها طاولة كبيرة ، يجتمع في هذا المكان الموظفون مع أبو سليم . يقول أبو سليم وهو يعمل متحسرا على الاستهلاك اليومي غير المبرر لدى الكثيرين من أبناء الشعب الاردني "تلقي الفنادق الكثير من النفايات الغير مستهلكة كالشامبو و المواد التنظيفية ثم تأتي الينا لاعادة تدويرها ولاحقا تصنيعها من جديد في واحد من المصانع ، ليعود ذات الفندق ويشتريها من جديد".
في هذه الأثناء يستخرج قطعة بسكويت من أكوام النفايات الموجودة في الشركة والمعدة للتدوير و يتناولها معلقا باستغراب " قطعة البسكويت هذ نظيفة وجديدة ، لكن لا أدري لماذا القاها ،أحد المولات في النفايات ".
يرتدي الموظفون أثناء عملية الفرز مريول خاص وقفازات اضافة الى الكممات حفاظا على صحتهم ، و بعد الانتهاء يتم بيع النفايات لأحد المصانع السعودية والتي تشترى الطن الواحد بقيمة (65) دينار ما يقارب 92$، وهنا ينتقد ابو سليم عدم اقبال المصانع الاردنية على شراء هذه المواد المعاد تصنيعها ، مقارنة مع المصانع السعودية التي تضطر الى دفع ضريبة للحكومة التي تحرص على حماية مصانعها ومنتجاتها المحلية.
لا يقتصر دور ابو سليم على التدوير فقط، بل أوجد في الشركة مقرا خاصا لتدريب اللاجئين العراقيين والفلسطينيين على مهن حرفية مثل النجارة، الحدادة، صيانة مواسير المياه، ويتراوح عدد المتدربين (70) شخصا في كل دورة تدريبية تستغرق مدتها ثلاثة اشهر باشراف ما يقارب 15 مدرسا.
يقول بفخر " هذا القسم في الشركة يعتبر هاما جدا، ففيه نقدم التدريب لأشخاص يحتاجون فعلا الى اتقان مهارة تمكنهم من الحصول على وظيفة ".
و يبدو أن لأبو سليم شعبية بين زملائه ، اذ يقول حمزة وهو يعمل منذ ثمانية اشهر مع أبو سليم : " أنا مرتاح جدا للعمل في الشركة، رغم معارضة أهلي للفكرة بحجة انها غير لائقة اجتماعيا "و يضيف " هذا العمل غير شخصيتي، وجعلني صديق للبيئة وهذا كله بفضل ابو سليم". و يؤكد هذا الأمر خليل رضوان وهو حارس وموظف في الشركة " العمل مع أبو سليم فيه راحة نفسية كبيرة جدا، راتبي الشهري جيد و يكفيني ".
و كما يهتم أبو سليم بالحفاظ على بيئة الأردن ، يبقي كذلك عينيه على الطبقية الموجودة في المجتمع الأردني يقول:" لا يتم التعاون بين الاشخاص الذين يعملون بشكل منفرد في جمع النفايات لاعادة تدويرها" .
ومع أنه يوجد في العديد من المناطق الراقية في الأردن حاويات متخصصة لفرز النفايات الا أن ابو سليم يرى أن من الأهم من ذلك هو تقليل الاستهلاك بالدرجة الاولى واقامة الورشات والندوات التوعوية بأهمية التدوير للمواطنين على اختلاف فئاتهم الاقتصادية، الاجتماعية والتعليمية.
بعد الانتهاء من العمل واثناء العطل يحرص ابو سليم على قضاء وقت فراغه في منطقة وسط البلد في عمّان ، وفيها يلتقي مع أصدقائه العرب وتحديدا الأردنيين المهتمين في المجال البيئي، يقول " أنا أحرص على التعرف لأشخاص اردنيين جدد، فما قيمة تواجدي في الاردن إن اقتصرت علاقاتي على الألمان؟".
كذلك يحرص على اصطحاب ضيوفه عند قدومهم الى الاردن لمنطقته الشعبية المفضلة "وسط البلد"، والتي تتميز بحسب قوله بالبساطة الشديدة ، " هناك ترى الناس على بساطتهم بدون تكلف، صحيح انهم فقراء لكنهم سعداء" .
يصف أبو سليم نفسه بأنه "شخص بسيط جدا" ، فأثاث منزله كله هو من سوق الجورة أهم الاسواق الشعبية الرخيصة في عمّان ، اذ يرى بأنه لا داعي للاسراف وشراء أرقى انواع الملابس، المأكولات والاثاث ، فهذا بنهاية المطاف سيذهب للنفايات ، يقول ضاحكا "ستأتي الينا من جديد لفرزها واعادة تدويرها".
بحكم عمله في المجال البيئي، وتميزه الذي اثبته خلال فترة قصيرة من تواجده في الاردن استطاع ابو سليم ان يلفت انتباه الكثير من المسؤولين لما يقوم به، حيث يحظى بحضور اجتماعات مع الأميرة بسمة بنت علي المهتمة في هذا المجال، اضافة الى مسؤولي البيئة.
وفي مقالة شكر خصصت لأبو سليم في صحيفة الدستور الأردنية ، وصفته الصحيفة بأنه رمز للكثيرين ، جاء فيها " من المهم أن يكون لدينا أكثر من ابو سليم أردني يتمتعون بالتفكير الخلاق ، والذين قد يقودون تحولا مهما نحو فرص اقتصادية وبيئية لا زالت قيد الاستكشاف في الأردن".
بعد سنوات من الاستقرار في الأردن واعتياده على الحياة هنا لا يجد ابو سليم نفسه الا كشخص أردني حسبما يقول :" لا أفكر أبدا بالعودة الى ألمانية وسأوصل العمل البيئي في الأردن" .
إستمع الآن