أكواب البلاستيك في الاردن..مُسرطنات فوق القانون!

الرابط المختصر

عمان - امال العطاونة - مضمون جديد

"ما حدا بيموت ناقص عمر"، تمتم احمد فوزي هذه القفلة الحوارية مع جاره في صيوان العزاء، ورشف ما تبقى من القهوة السادة في الكوب المصنوع من مادة البلاستيك التي لا يستبعد الاطباء ان تكون وراء السرطان الذي قضى على المرحوم.

وكما يؤكد مختصون، فان استخدام العبوات البلاستيكية في تقديم وتغليف المشروبات والاطعمة الساخنة ينطوي على خطر كبير، حيث ان الحرارة تتسبب في تحلل مكونات سامة من هذه العبوات وتسللها بالتالي الى جسم الانسان.

ويتسبب تراكم هذه المكونات في الجسم بامراض منها السرطان وتلف الدماغ والعقم، والقائمة تطول.

يقول احمد فوزي الذي استذكر معنا ذلك الموقف في بيت العزاء "انا اعلم بمخاطر البلاستيك، ولكن ما العمل، كل حياتنا بلاستيك في بلاستيك، اصبح في كل مكان وبتنا لا نجد بديلا عنه، واذا كنت ساموت بسببه، فأظن انني لن اكون وحدي، والموت مع الجماعة رحمة".

وقد ساهم رخص اثمان الاكواب البلاستيكية على اختلاف احجامها وانواعها في رواجها بشكل مفرط، حتى باتت العبوات الرئيسة المعتمدة في اكشاك القهوة وفي معظم المطاعم والكافتيريات.

وامتدت استخداماتها لتشمل ايضا صالات وصواوين الافراح والمناسبات، وكذلك ماكينات القهوة المنتشرة في الدوائر الرسمية والمستشفيات الاهلية والحكومية والكليات والجامعات وغيرها.

ولا يعرف على وجه الدقة عدد اكواب البلاستيك التي يستهلكها الاردنيون سنويا، ولكن مختصين يقدرون الرقم بمئات الملايين، وتاتي غالبيتها الساحقة من مصانع البلاستيك المحلية التي يقارب عددها 380 مصنعا.

كشك القهوة

جميل صاحب كشك قهوة يقع على شارع رئيس في مدينة الزرقاء، يقول انه سمع من قبل ان اكواب البلاستيك "يمكن تكون مش منيحة للصحة" على حد تعبيره.

لكنه لا يبدو مقتنعا من منطلق ان "هناك من يشكك في كل شئ، فمرة يقولون ان اللبنة مش مزبوطة ومرة الخلوي بيعمل سرطان، ومرة الكولا بتعمل مش عارف ايش..".

ويردف وهو يصب الماء الحار في كوب بلاستيك ثم يضيف اليه السكر وميدالية شاي ويقدمه لاحد الزبائن "بصراحة لا استبعد ان يكون الامر شائعة او جزءا من صراع بين الشركات..وعلى اية حال، لو كانت هذه الكاسات خطرة لمنعتها الحكومة".

بعد عبارته الاخيرة، صمت جميل لبرهة، ثم قال كمن وقع فجأة على اكتشاف "والله انا لا استبعد ان تكون هذه الشائعة مقدمة لاجبارنا على التعامل مع كاسات من نوع اخر مثل كاسات الكرتون، ويكون المستفيد مصنعا لاحد المتنفذين".

وفي كشك جميل اكواب مختلفة الانواع والاحجام، بعضها من البلاستيك والاخر من الفوم وهناك ايضا اكواب كرتونية، ولكنه يقول ان السائقين عموما ومنهم سائقو التاكسي لا يفضلون النوع الاخيرة لان حوافها لينة وتنسكب القهوة والشاي منها بسهولة اثناء القيادة.

وبالنسبة لبقية الزبائن، فانه يبيعهم في اكواب بلاستيك، الا اذا صدف ان طلب احدهم كوب كرتون.

والبيع في كوب البلاستيك افضل بالنسبة له حيث ان الكوب البلاستيكي الفارغ يكلفه ثمنا اقل من ذلك المصنوع من الكرتون، وهذه مسألة مهمة تنعكس على ارباحه.

ويشتري جميل الاكواب في ربطات في كل منها 50 كوبا، ويبلغ ثمن ربطة البلاستيك الابيض اربعين قرشا، اما البني الاقسى فتكلفه 60 قرشا، في حين ان ثمن ربطة اكواب الكرتون 80 قرشا.

الرقم "6"

صدف اثناء حديثنا مع جميل ان حضرت مجموعة رجال تقدم احدهم ويدعى عبدالناصر عبدالسلام، وهو موظف في البلدية، وطلب القهوة له ولهم.

وقد استرعى حديثنا انتباهه، فتدخل قائلا "لقد سمعت من قبل ان كاسات البلاستيك مضرة، وايضا سمعت انه ليست كل كاسات البلاستيك كذلك، ولكن كيف لنا ان نعرف ايها ضار وايها آمن؟".

اوضحنا له ان هناك مثلثا مطبوعا اسفل كل كوب، وهو عبارة عن ثلاثة اسهم متلاحقة، وفي داخله رقم يفترض ان يوضح هذه المسألة.

وحينها اقترب الرجال الذين كانوا معه وراحوا يتفحصون المثلث المطبوع على احد الاكواب، والذي لم يكن ظاهرا بوضوح. وبعد تدقيق، اتفقوا على ان الرقم داخله كان "6"، ولكنهم لم يفهموا معناه.

وصاحب الكشك جميل ايضا لم يفهم، وبدا انه يعرف بمعلومة المثلث لاول مرة.
بعبارات بسيطة، الرقم "6" في المثلث يعني ان الكوب "خطر وغير آمن" للاستخدام مع المشروبات الساخنة.

اما تقنيا فالرقم يدل على نوع البلاستيك الذي صنع منه.

والارقام تتسلسل حتى سبعة على كافة انواع العبوات والمواد البلاستكية كالاكواب والقوارير والاواني وغيرها، ودلالاتها التي تهم المستهلك هي كالتالي:

الرقم "1" يستخدم لعلب الماء والعصائر ذات الحموضة المنخفضة، مع الحذر من استخدام العبوات لأكثر من مرة، لأنها مصنوعة لتستخدم لمرة واحدة فقط وتصبح سامة إذا أعيد تعبئتها، "2" آمن فقط للاستخدام في علب الشامبو والمنظفات وبعض لعب الاطفال.

الرقم "3" ضار وسام اذا استخدم لفترة طويلة، وهو مصنع من ارخص انواع البلاستيك ويستخدم خصوصا في صناعة انابيب المياه، "4" آمن نسبيا ومنه تصنع بعض قوارير الماء التي تستخدم لمرة واحدة فقط، وكذلك اكياس التسوق واكياس تعبئة الخبز.

الرقم "5" يناسب السوائل والمواد الباردة والحارة ولكن ضمن صلاحية محددة، و"6" ذكرناه سابقا ومن اشكاله اكواب وعبوات الفوم الخاصة بتغليف الاطعمة والوجبات، اما "7" فهو لايقع تحت اي تصنيف وكثير من الشركات العالمية بدأت تتجنبه وبخاصة شركات صنع العاب الاطفال.

سرطان وعقم

وعموما، فان المعني بهذه الارقام هو مصانع البلاستيك نفسها بالدرجة الاولى، وليس المستهلك كما يقول مسؤول في مصنع بلاستيك طلب عدم نشر اسمه.

ويوضح هذا المسؤول ان المصانع تعتمد هذه الارقام واحيانا بعض الرموز التي تترافق معها لتسهيل الفرز خلال عملية اعادة تدوير منتجات البلاستيك.

ومع ان الرجل يقر بصحة ما اوردناه عن الدلالات الصحية لهذه الرموز، وبانها غير مفهومة لغالبية المستهلكين، الا انه يؤكد ان "المصانع ليست ملزمة بوضع بيانات توضيحية تزيد عنها على المنتجات"

ويخلص الى القول ان "الامر يظل بالتالي منوطا بالجهات الرسمية لتوعية المواطنين حتى لا يسيئوا استخدامها".

وبحسب ما تؤكده سناء عماري استاذة صحة وسلامة الغذاء والدواء، ورئيسة اللجنة الصحية في الجمعية الوطنية لحماية المستهلك، فان استخدام عبوات البلاستيك للمشروبات والاطعمة الساخنة يتسبب بامراض خطرة جدا.

وتوضح ان "هذه العبوات تدخل في صناعتها مواد مضافة تتحلل وتتفاعل مع المواد الغذائية على شكل مركبات كيميائية تتراكم في جسم الانسان وتحدث ما يسمى الجذور الحرة التي تتسبب بسلسلة من التفاعلات بين خلايا الجسم وتغير من طبيعة الخلية وتجعلها تهاجم الخلايا الاخرى ".

وتضيف ان "هذه التفاعلات تتسبب خصوصا بالسرطان. وقد ثبت حديثا ان لهذه المواد المؤكسدة اثر تراكمي يؤدي الى الاصابة بامراض اخرى مثل الزهايمر وتصلب الشرايين والضغط وامراض الكبد".

وتلفت عماري الى ان "جمعية حماية المستهلك تنبه وتطالب منذ سنوات بوقف استخدام عبوات البلاستيك في الاطعمة والمشروبات الساخنة.والمشروبات ذات درجة الحموضة المرتفعة او تخزين مواد دهنية فيها".

وقد كشفت تجارب مخبرية عالمية، أن وضع سوائل ساخنة في كوب من البلاستيك مثل الشاي أو القهوة، وايضا بعض انواع المشروبات الباردة ذات الطبيعة الحامضية كالليمون، يتسبب في تحلل مادة في الكوب يطلق عليها "بيسفنول أ".

وحسب الدّراسات، فإن هذه المادة لها مخاطر عديدة، حيث ينتج عنها دمار تركيبي في الدماغ، وزيادة شديدة في النشاط، وكذا زيادة في العدوانية، وتؤثّر ايضا في القدرة على التركيز والتعلم.

كما تزيد هذه المادة من احتمال الإصابة بالسمنة، واضطرابات جهاز المناعة، والعقم، والبلوغ المبكر لدى الاناث (في عمر التاسعة احيانا)، إلى جانب ظهور علامات الانوثة لدى الذكور كتضخم الثدي.

رقابة غائبة

وبسبب اضرارها الخطيرة، فقد حظرت عشرات الدول استخدام العبوات البلاستيكية في المطاعم والمقاهي والمخابز وغيرها، سواء الاكواب او علب تغليف الوجبات او الاكياس التي تستخدم في.تعبئة الخبز.

وقد انضمت دول عربية عديدة ومنذ سنوات الى الركب ومن بينها الامارات والسعودية وسلطنة عمان وقطر.

اما في الاردن، فالامر لا يزال متأخرا بعض الشئ بسبب غياب مواصفة قياسية يتم على اساسها اجازة او حظر استخدامات البلاستيك في ما يتعلق بالمواد الغذائية.

ولكن مرام حدادين رئيسة شعبة المضافات الغذائية في المؤسسة العامة للغذاء والدواء اكدت ان الاردن ماض في وضع هذه المواصفة.

واوضحت ان مؤسستها تعكف ومنذ مطلع العام على "اعداد مواصفة قياسية اردنية لمواد التعبئة والتغليف المعدة للتلامس مع الغذلء ومن ضمنها المواد البلاستيكية"، وذلك بالتعاون مع مؤسسة المواصفات والمقاييس والاتحاد الاوروبي.

واشارت حدادين الى ان الدور الرقابي للمؤسسة العامة للغذاء والدواء مرهون بانجاز هذه المواصفة.

وقالت ان "دورنا الرقابي يكون بعد تحديد المواصفة، لان القانون هو الفيصل للرقابة، وحاليا ليس لدينا قانون يترجم على ارض الواقع".

هذا في ما يتعلق بالعبوات المصنعة محليا، اما تلك المستوردة، فتقول حدادين انه يجري الاعتماد في اجازتها للسوق المحلية على الوثائق والشهادات المرفقة من المنشأ والتي تجيز استخدامها للمواد الغذائية.

ومن جهتها، فقد اعتبرت الدكتورة عماري عدم تفعيل الرقابة بذريعة عدم وجود مواصفة، ضربا من "المماطلة و الهروب".

وقالت المسؤولة في جمعية حماية المستهلك ان "عدم وجود مواصفة قياسية اردنية لا يمنع من من وجود رقابة وقرار..لان قانون الغذاء والدواء الاردني ينص على استخدام المواصفات العالمية او الايزو في حال غياب المواصفة الاردنية".

واعتبرت بالتالي ان "هذه الذريعة من المسؤولين هي ضرب من المماطلة والهروب" مضيفة ان "الجدية في وقف مخاطر الكاسات والعبوات البلاستيكية غير متوفرة لدى المسؤولين".