المشاريع الصغيرة: ملاذ الشباب لمواجهة البطالة

الرابط المختصر

"كان حلمي امتلاك مشروع خاص يعكس شغفي بالقهوة" بهذه الكلمات يصف علي في الثلاثين من عمره، تجربته مع ريادة الأعمال، الذي واجه صعوبات عديدة في بداية مشواره، خاصة فيما يتعلق بتمويل مشروع، بسبب التمويل، مما اضطر للتخلي عن فكرته، والعمل في شركة خاصة لضمان دخل ثابت.

أما سارة العشرينية، التي أطلقت مشروعا منزليا لبيع الحلويات عبر الإنترنت، فقد كانت تتوقع أن يكون البيع عبر الإنترنت سهلا، لكنها اكتشفت أن التسويق يتطلب ميزانية وخبرة أكبر لجذب العملاء، موضحة بأنها تعلمت من تجربتها، وتخطط لإعادة المحاولة لتطوير مهاراتها وتحقيق نجاح أكبر في المستقبل.

من جهتها، بدأت العشرينية ريم مشروع بيع إكسسوارات يدوية بحماس كبير، معتقدة أن جودة المنتجات وحدها كفيلة بتحقيق النجاح، لكنها سرعان ما واجهت منافسة شديدة، واكتشفت أهمية التسويق الفعال، ورغم إحباطها، تؤكد  ريم أن تجربتها علمتها ضرورة دراسة السوق قبل إطلاق أي مشروع جديد.

وعلى الجانب الآخر من هذه التجارب، نجد قصص نجاح ملهمة، كما هو حال نور، صاحبة متجر إلكتروني للملابس، حيث بدأت نور مشروعها بميزانية محدودة معتمدة على الترويج عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وواجهت تحدي بناء الثقة مع العملاء، بفضل التزامها بتقديم جودة عالية وخدمة سريعة، أصبح متجرها الإلكتروني مصدر دخل أساسي، وهي تطمح الآن إلى توسيع نشاطها ليشمل أسواقا دولية.

وفقا لآخر بيانات دائرة مراقبة الشركات، تم تسجيل 4715 شركة جديدة خلال الأشهر التسعة الأولى من هذا العام، بزيادة بلغت 6% مقارنة بالفترة ذاتها من عام 2023.

تشكل المشاريع الصغيرة والمتوسطة 98% من إجمالي المشروعات في الأردن، وتوظف نحو 33% من القوى العاملة.

ونظرا لدورها المحوري في تعزيز الإنتاجية والمساهمة في الحد من الفقر والبطالة، تولي الدول، بما فيها الأردن، اهتماما متزايدا لدعم هذا القطاع الحيوي.

يبين الخبير في تأسيس وتطوير المشاريع الصغيرة والمتوسطة، الدكتور سليمان الخوالدة،  أن ارتفاع نسب تسجيل الشركات يعكس إقبال الأفراد على إنشاء مشاريعهم الخاصة  بهدف تحسين أوضاعهم المعيشية. 

ويشير الخوالدة إلى أن عملية تسجيل هذه الشركات يسهم في توفير فرص عمل لأبناء المجتمعات المحلية، مما يعكس على البيئة الاقتصادية خاصة في ظل ارتفاع معدلات البطالة، والتي وصلت إلى 21.4 وفقا لاخر تقديرات رسمية.

ومع ذلك، يوضح الخوالدة أن التحدي الأبرز الذي يواجه العديد من رواد الأعمال يكمن في نقص المعرفة بالإجراءات المطلوبة لتسجيل الشركات، إضافة إلى عدم فهم الأنواع المختلفة للشركات والتمييز بينها.

 

أبرز التحديات وطرق معالجتها

تواجه المشاريع العديد من التحديات، أبرزها توفير البنية التحتية المناسبة التي تلائم طبيعة المشروع واحتياجات الفئات المستهدفة، ومن إحدى المشكلات الأساسية هي افتقار الشباب أو القائمين على هذه المؤسسات للمهارات الإدارية والمالية الضرورية، والتي تسهم بشكل مباشر في ضمان استمرارية المشروع.

ويوضح الخوالدة أن الوصول إلى مصادر التمويل يعد تحديا جوهريا، حيث أن العديد من الشركات تتعثر أو تغلق بسبب عدم قدرتها على تأمين التمويل اللازم أو تحقيق الاستدامة المالية، مع ذلك، تتوفر صناديق تمويل محلية تسهم في دعم المشاريع، ولكن يجب الاستفادة منها بشكل فعال.

الاستثمار في رأس المال البشري أمر بالغ الأهمية، إذ لا يشترط أن يكون صاحب الفكرة هو من يدير المشروع، فمن الضروري اختيار أشخاص مؤهلين لإدارة هذه المشاريع بما يتماشى مع متطلبات سوق العمل، الذي يشهد تطورا مستمرا، لذلك، من المهم دراسة السوق بعمق، وفهم احتياجاته، ومراقبة المنافسين، وتطوير المشروع بشكل مستمر ليتناسب مع هذه المتغيرات، بحسب الخوالدة.

من الجانب القانوني، يتيح التشريع الأردني عدة أنواع من الشركات، مثل شركات التضامن والشركات ذات المسؤولية المحدودة والشركات المساهمة لذلك، يجب على كل رائد أعمال أن يكون ملما بالإجراءات القانونية والتبعات المرتبطة بتأسيس كل نوع من هذه الشركات.

كما أن هناك أيضا تصنيفات مختلفة للشركات، منها الربحية وغير الربحية، بالإضافة إلى المؤسسات الفردية التي يؤسسها شخص واحد، و تعد المشاريع الصغيرة والمتناهية الصغر، مثل تلك التي تدار من المنزل، من أكثر المشاريع انتشارا، خاصة بين ربات البيوت والشباب، هذه المؤسسات غالبا ما تكون فردية، وتعنى إدارة مراقبة الشركات بتنظيمها والإشراف عليها.

ويشدد الخوالدة على أن تسجيل المشروع وترخيصه يعد أمرا أساسيا لعدة أسباب، أهمها ضمان الالتزام بالأطر القانونية،  كما أن الترخيص يسهل الحصول على التمويل والدعم من الجهات الوطنية، وتزداد أهمية الترخيص عند بدء المشروع بشكل بسيط، كفكرة منزلية، ثم يتطور تدريجيا ليحقق النمو والاستدامة بفضل الدعم والمنح المتاحة.

 

 

المشاريع الصغيرة توظف الأغلبية

تشير دراسة بعنوان "تمويل المشروعات الصغيرة في الأردن " اعدها أستاذ العلوم المالية والمصرفية المساعد جامعة العلوم التطبيقية الخاصة للدكتور ثائر قدومي، إلى أن الدول النامية بما في ذلك الاردن، ورغم جهودها التنموية، لا تزال تواجه بعض المشكلات الاقتصادية المختلفة ،ومن أهمها انخفاض متوسط دخل الفرد، ومستوى المعيشة، وزيادة معدلات البطالة وزيادة مديونية.

وتوضح الدارسة أنه مع تفاقم هذه المشكلات، تزداد الحاجة إلى تعزيز مبدأ الاعتماد على الذات، مما يبرز أهمية المشروعات الصغيرة إذ تسهم هذه المشاريع بشكل كبير في الاقتصاد العالمي، حيث تشكل نحو 90% من المنشآت على مستوى العالم، وتوظف ما بين 50% و60% من القوى العاملة، مما يعزز فرص العمل ويساهم في التخفيف من مشكلة البطالة.

في السياق المحلي، تعرف المنشآت الصغيرة حسب عدد العاملين فيها، وفقا لدائرة الإحصاءات العامة، تعتبر المنشآت التي تشغل أربعة عمال أو أقل "منشآت صغيرة"، وما زاد على ذلك يصنف كمنشآت كبيرة، وقد اختلفت الدراسات في تحديد الحد الفاصل، فبعضها صنف المنشآت التي تشغل أقل من 20 عاملا كمشاريع صغيرة، بينما رفعت دراسات أخرى هذا الحد إلى 25 عاملا، في حين خفضت بعض الدراسات هذا الرقم إلى 10 عمال.

وتتميز المشاريع الصغيرة والمتوسطة في الأردن بانتشارها الواسع، حيث تمثل أكثر من 90% من إجمالي المؤسسات العاملة في مختلف القطاعات الاقتصادية، كما تستوعب هذه المشاريع حوالي 60% من القوى العاملة في البلاد، وتسهم بما يقارب 50% من الناتج المحلي الإجمالي.