المؤهلات أم العلاقات؟ البيروقطية تؤثر على توظيف الشباب في القطاعات الحكومية

الرابط المختصر

"وجود فرصة عمل لها مردود مادي جيد وثابت يريح الفرد، أولى من التفكير في الإبداع وتطوير الذات، حاجة الشباب الأساسية اليوم هو تأمين قوت يومنا، فالمستقبل أصبح ترفاً لا يمكن تحمله "، هذا ما قاله محمد طالب، 33 عاماً، الذي ما زال يبحث عن عمل ويعيش في قرية نائية بمحافظة جرش، ويرى أن وضعه هو مرآة لواقع الكثيرين من الشاب الأردني اليوم. 

قدّم محمد طلباً في ديوان الخدمة المدنية قبل 10 سنوات، وترتيبه 4 على القائمة، لكن الشواغر الحكومية نادرة والمنافسة قوية، ويأمل أن يكون هناك "تغييرات في النظام" وهو يدرك بأن الترهل الوظيفي يعيق أي تقدم، كما يقول ويضيف " حالتنا زي حالة التنمية في المحافظة الاستثمارات تتركز في عمان، بينما تعاني المحافظات الأخرى من نقص في الفرص"ن محاولا الاستمرار بالسعي والبحث عن فرصة وقول "علوّاه نمشي يومنا، ويكثر خيرنا" 

برزت البيروقراطية في التوظيف بالسنوات الأخيرة، وخاصةً في عامي 2023 و2024، كإحدى القضايا الرئيسية التي تؤثر في سوق العمل، وفقًا لدائرة الإحصاءات العامة، فقد سجل معدل البطالة انخفاضًا طفيفًا خلال هذه الفترة، ولكن البيروقراطية لا تزال تمثل تحديًا جوهريًا يواجه الباحثين عن العمل وأرباب العمل على حد سواء.

 

 

توظيف غير الكفاءة بالقطاع الحكومي يعزز انهيار الثقة بمؤسسات الدولة

قال الخبير الاقتصادي سلامة الدرعاوي إن توظيف أشخاص غير مؤهلين في المناصب الحكومية يمثل تهديدًا خطيرًا لكفاءة وإنتاجية القطاع العام، لأنهم يفتقرون للمهارات والخبرات اللازمة لإدارة المشاريع واتخاذ القرارات المناسبة، مما يؤدي لانخفاض جودة الخدمات المقدمة للمواطنين وتباطؤ العمليات الإدارية. 

وأضاف، بأنه عندما تُشغل المناصب الحكومية المهمة من قبل أفراد غير مؤهلين، تُغلق الأبواب أمام الكفاءات الشابة المؤهلة التي تبحث عن فرص عمل في السوق؛ وهذا يؤدي لتزايد الإحباط بين الشباب وفقدان الأمل في إيجاد وظيفة مناسبة، ما ينعكس سلبًا على الاقتصاد الوطني. 

وفي ذات السياق اكمل درعاوي حديثه لـ"صوت شبابي" بأن المؤسسات العامة ستتحول لأماكن غير منتجة تتسم بالبيروقراطية والعجز عن تقديم حلول فعالة للتحديات اليومية، مشيراً أن هذه الممارسات تؤدي لزيادة الفساد والمحسوبية، حيث يصبح التعيين قائمًا على العلاقات الشخصية وليس على الكفاءة، مما يعزز الانهيار التدريجي للثقة في مؤسسات الدولة. 

وتابع، بأن التوظيف العشوائي وغير المبني على الكفاءة في القطاع الحكومي يؤدي لزيادة معدلات البطالة بين الشباب مما يجعل الشباب العاطل عن العمل عبئًا على المجتمع، حيث تقل القدرة على الاستهلاك والاستثمار، وتتفاقم المشكلات الاجتماعية مثل الفقر والجريمة، والنتيجة هي تراجع النمو الاقتصادي وزيادة الأعباء المالية على الدولة نتيجة الإنفاق الاجتماعي المتزايد على الإعانات.

وعن معالجة هذه الظاهرة لضمان توظيف الكفاءات قال درعاوي لـ"صوت شبابي" بأنه من الضرورة اعتماد نظام عادل للتوظيف يعتمد على الكفاءة، والتركيز عل تطوير مهارات العاملين الحاليين من خلال برامج تدريبية مهنية وتخصصية ترفع من كفاءتهم،وأيضاً تطبيق سياسات صارمة لمكافحة الفساد الإداري واتخاذ إجراءات صارمة ضد التعيينات غير المستندة إلى معايير واضحة وشفافة.

وأشار أن القطاع الخاص لديه القدرة على أن يكون شريكًا أساسيًا في استيعاب الكفاءات الشابة، حيث يلعب دورًا أكبر في تنشيط سوق العمل من خلال توفير فرص عمل تتناسب مع المهارات والخبرات المتاحة بين الشباب، بالإضافة إلى ذلك، يمكنه أن يساهم في تعزيز ثقافة العمل القائمة على الكفاءة والنزاهة من خلال تطبيق سياسات توظيف شفافة تعتمد على القدرات العملية وليس العلاقات الشخصية. 

 

بدوره أفاد الخبير الاجتماعي الدكتور ذوقان العبيدات بأن الشباب وغيرهم في أي مجتمع يعتقدون بأنه من السهل تحقيق العدالة وتكافئ الفرص والمساواة ولكن في الواقع المجتمعات عامةً، والمجتمع الأردني بشكل خاص تغيب المثاليات وتحدث مفاجأت في كل مناحي الحياة أهمها ما يجده الشباب في إثناء صعودهم وبناءهم لانفسهم من صعوبات وتحديات لا يستطيع أن يتقبل بأنه يمتلك المهارة والمؤهلات العلمية بينما يرى زميله أقل مهارةً وتاهيلاً يحصل على المرتبة والوظيفة. 

 

وأوضح بأن الحصول على الوظائف في الأردن له أبواب عديدة أولاً ليس الكفاءة لأنها تأتي في الرقم العشرين للتوظيف بل تأتي من أي عائلةً أنت وما هي واسطتك، ولذلك لدينا معايير الطاعة والصمت فيتنافس الأذكياء على وظيفة بالألف بينما يحصل "الغير كفؤ" على الوظائف المتبقية. 

ولفت العبيدات، بأن المحسوبية تؤدي للاحباط وفقدان الثقة وتكون العلاقة بين المواطن والدولة علاقة المتربص، الدولة تتربص بالمواطن الهادئ والمواطن الهادئ يكره دولته ومجتمعه، ولا سيما أن الواسطة والمحسوبية قضية اجتماعية سياسية بالدرجة الاألى وأيضاً تربوية. 

 

وبيّن، أن مجتمعاتنا تؤمن بالواسطة وتقسم المواطنين لفئات؛ مثلاًعند الدخول إلى قاعة المحافظة نجد أن الصف الأول والثاني محجوز وهذا تمييز بين المواطنين يشعر به الشباب عندما يذهب لحضور محاضرة لا يجد له مكاناً، وأيضاً يتخرج من الجامعة ولا يجد فرصته في إيجاد العمل وبكل مجالات الحياة يجد الشباب تمييزاً ويحتاج إلى "واسطة" لتدبير أموره الحياتية.  

"تتوافر المساءلة بالحدود الدنيا ولذلك لا يتم مساءلة أي شخص عن أي تعصب وتحيز قام به، وبذلك يفتخر الوزير بأنه عيّن أكبر عدد ممكن من اقاربه دون أن يحاسب، والمسؤول يفتخر بأنه زور الانتخابات دون محاسبة، وبهذا الحال لا يوجد حساب ولا توجد مساءلة حكومية وأيضاً شعبية أي أن الشعب في الانتخابات ينتخب الاشخاص الغير كفؤ أكثر من اهتمامه باصحاب الكفاءه والمؤهلات".. وفق العبيدات.  

وأستهجن، بأنه من المفترض أن التربية تعلم الأفراد بتنسيب الأشياء إلى اسبابها الحقيقية، وأن يتم تعليم مبادئ تنموية للطلبة بأنك أنت كشاب المسؤول عن نموك المهني وعندما تريد البحث عن عمل لا تلجأ إلى الواسطة بل لمهاراتك وقدراتك الوظيفية في مجال تخصصك، متسائلاً:"هل هذا كاف في مجتمع يؤمن بالواسطة"؟. 

واختتم بأن مجتمعاتنا سياسياً تتحيز لفئات معينة تؤدي إلى التفكك الاجتماعي، مشيراً بأنه لا يوجد تماسك اجتماعي وتكافئ للفرص، ولا حتى أي نتائج أدت لسيادة جو "الكف لا يناطح مخرر" وبالتالي شعور باليأس والاستسلام والاحباط الشديد وعدم تضامن واهتمام بالاخرين؛ لأن القيم انتهكت أمام الشباب آلاف المرات.

ووفقاً لدائرة الإحصاءات العامة، فقد بلغ معدل البطالة 21.9% خلال الربع الأول من عام 2023  فيما ارتفع إلى 22.3% في الربع الثالث، وعلى الرغم من هذا الارتفاع، الا انه شهد الربع الرابع من ذات العام انخفاضًا في معدل البطالة إلى 21.4% ولا سيما أن هذا "التذبذب" يعكس الصعوبات التي تواجه الشباب في سوق العمل بالتكيف مع المتغيرات الاقتصادية والبيروقراطية المعقدة. 

 

وفي عام 2024، استمر معدل البطالة عند 21.4% خلال الربع الأول، وهي النسبة نفسها التي استمرت في الربع الثاني من العام وان هذا الاستقرار النسبي في معدل البطالة يشير إلى أن التحديات البيروقراطية لا تزال تحد من قدرة السوق على تحسين معدلات التوظيف بشكل كبير. 

وبالنظر إلى ما سبق، فأن انخفاض معدل البطالة بشكل طفيف في نهاية عام 2023 واستقراره خلال عام 2024 يعود إلى جهود تحسين الكفاءة الإدارية، إلا أن تأثير البيروقراطية في التوظيف لا يزال يشكل عبئًا كبيرًا على النظام الاقتصادي.