رحلة البحث عن وظيفة.. توقع مئات الفتيات في الطفيلة فريسة للاستغلال

"كنت أعمل منذ الثامنة صباحاً حتى الخامسة مساءاً، واتقاضى راتبا لا يتجاوز 180 ديناراً، ولست مشمولة بالضمان، ولا أملك تأمينا على صحتي"، هو لسان حال (فاطمة) من محافظة الطفيلة، بعد أن وجدت نفسها ضحية استغلال لأحد أرباب العمل في القطاع الخاص.    

 

وفاطمة (اسم مستعار) تقف حائرة أمام ما لاقته من استغلال وصعوبة في التأقلم مع وضعها في العمل بتلك المنشأة، في ظل ظروف مادية قاسية وسيئة، أجبرتها للعمل في وضع غير صحي وبيئة عمل غير مستقرة.  

 

في الطفيلة، جنوبي الأردن، مئات الفتيات يقعن ضحايا استغلال، ويعملن في بيئات عمل غير صحية وضارة، يصطدمن في واقع "أمر من العلقم"، كما يقال، فيه ما فيه من تخوفات بفقدان الوظيفة وممارسة أصحاب العمل لـ"سطوة" مخيفة تطال كل طموحات العاملات، وتمنعهن من تحقيق الاستقرار النفسي والوظيفي والمادي!

 

ورغم أن المحافظة تتميز بتنوعها الجغرافي والمناخي، وتنوع نشاطها الاقتصادي ومواردها الطبيعية، إلا أنها، مثل باقي محافظات المملكة، تقف المرأة فيها متخوفة على مصيرها وحالها، خصوصا أنها تواجه مشاكل عديدة في القطاع الخاص، ما يمنعها من الاستمرار في العمل لفترات طويلة.

 

هذه المخاوف، جاءت نتيجة انتهاكات تتعرض لها العاملات في القطاع الخاص اللواتي يتعرضن لأشكال عدة من الانتهاكات، تتراوح ما بين الحرمان من الأجور، وظروف العمل المرهقة، إضافة إلى ساعات العمل الطويلة، والحرمان من الإجازة الأسبوعية والإجازة السنوية، والتأخر في دفع أجورهن، وحرمانهن منها وعدم دفعها في أحيان أخرى.

 

وبلغت مشاركة النساء في قوة العمل على المستوى العالمي 48.5% خلال العام 2018 مقابل 75% للرجال، بينما تقل أجور النساء بحوالي 22% مقارنة مع أجور الرجال عن الأعمال ذات القيمة المتساوية.

 

ولا تزال هناك فجوات كبيرة بين الجنسين من حيث ظروف العمل والأجور ونوعية العمل وتقاسم المسؤوليات الأسرية والمعيشية، على الرغم من زيادة تعليم النساء ومشاركتهن في سوق العمل.

 

ولا تختلف الشابة آلاء، عن قصة فاطمة، فهي الأخرى التجأت إلى العمل في شركة خاصة بمبلغ 140 دينارا، قائلة "راتبيّ أقل من الحد الادنى للأجور، ولست مشمولة بالضمان الاجتماعي، كما لا يوجد وصف وظيفي ثابت يفهمني طبيعة شغلي".

 

مساعد مدير العمل في الطفيلة عثمان المصري يقول إن "أكبر تحدي يواجه الفتيات بالقطاع الخاص عدم التقيد بالحد الادنى للأجور، لوجود كم هائل من الفتيات الباحثات عن العمل".

 

لكن المصري يجد أن أصحاب العمال أمامهم خيارات عديدة، بمعنى تعود لأخلاقه، موضحاً أنه في حال توجهت العاملة إلى مديرية العمل فسوف يتم تحصيل حقوقها قانونيا، لكنها في المقابل ستخسر وظيفتها!

 

أين الرقابة على هؤلاء؟

 

معدا التقرير؛ كشفا عن أن مديرية العمل لا تتابع بانتظام القطاع الخاص في المحافظة، ولا تلزم صاحب المنشأة بقرارات صارمة لحفظ حق العاملين؛ بحجة أنهم يريدون تشجيع القطاع الخاص بتوجيه من الحكومة وتقديم التسهيلات له، غير أنهم يؤكدون أن العامل في هذا القطاع بالذات "لا يعطي الصورة الحقيقية عن وضع العمل، لكي لا يخسر وظيفته".

 

وعن عدد العاملات في منشآت القطاعين العام والخاص، فقد بلغ خلال العام 2017 303790 عاملة من بينهم 276842 عاملة أردنية، فضلاً عن 133403 عاملات يعملن في القطاع العام.

 

وحسب الكتاب الإحصائي السنوي الصادر عن دائرة الاحصاءات العامة في 2018، فتبين "تدني مشاركة النساء الأردنيات في المجال الاقتصادي، وارتفاع نسبة البطالة بينهن لتصل 28.9% خلال الربع الأول من العام 2019 (معدل البطالة بين الذكور 16.4% فيما كان المعدل العام 19%).

 

وتروي هديل (محامية)، قصتها مع أحد أرباب العمل، الذي أصر على أن تعمل لديه لمدة شهرين، دون مقابل، لغايات التدريب من أجل الحصول على خبرة، ليصدمها بعد ذلك بأن راتبها سكون 100 دينار.

 

ولم تجد هديل مفر من أن العمل، لعدم وجود خيارات أخرى، مؤكدة أن "أغلب الفتيات بالقطاع الخاص لا يتم اعطائهم الراتب بشكل شهري، بل تراكميا أو بعد الفترة القانونية لصرف الرواتب، ما يعني تراكم اعباء نفسية ومالية عليهن.. لكن أين البديل؟".

 

في هذا السياق، يرى محافظ الطفيلة عماد الرواشدة أن للحاكم الاداري بأي محافظة فاعلية كبيرة، ويكون الاقرب للمواطنين، معتبرا أن مراقبة أوضاع الفتيات والمخالفات القانونية بحقهن في القطاع الخاص مسؤولية مديرية العمل، من خلال قسم المتابعة والتفتيش الخاص بهم".

 

ويقول مدير الضمان الاجتماعي في المحافظة، أحمد المحاسنه، إن "الفتيات في الطفيلة أهم شيء لديهن الحصول على وظيفة، دون النظر لمخاطر هذه الوظيفة، وما تحمله من استغلال وجشع أصحاب العمل"، مبينا أن المديرية لديها لجنة توعوية تحرص على إرشاد العاملين والعاملات في القطاع الخاص.

 

حالة أحلام التي تمتلك خبرة تزيد عن 9 سنوات في القطاع الخاص، ورقمها (1) بتخصص الكيمياء على المحافظة، لم تشفع لها تلك المميزات لأن تحصل على وظيفة حكومية، فالتجأ إلى العمل الخاص، لتجد أن "الرواتب كانت اقل من العقود، وأن اجازة الامومة غير متوفرة"، حسبما تقول.

 

القطاع الخاص.. ابحث عن الخلل!

 

"بحركاتٍ تائهة، تدل على عدم الارتياح، بدت واضحة، كل الوضوح، عندما شاهدنا ندخل عيادته"، بهذه الكلمات يصف معدا التقرير حالة صاحب عيادة خاصة في الطفيلة، حين باغته في زيارة، للاطلاع على واقع حال الموظفات اللواتي يعملن تحت قيادته!

 

صاحب العيادة ذاتها، بعث (للمعدين) واحدة من موظفاته للتعرف عليهما، فأخبرها عن مقصدهم في معرفة أحوال المرأة العاملة في القطاع الخاصة، لتجيب "في مواضيع ما بقدر أحكي فيها"، دلالة على الخوف الذي يسيطر على تلك الفتاة.

 

“"آآآآآه بس، راتبي 200 دينار، واعمل مستشارة غذائية وموظفة استقبال ومنسقة مواعد ومالية في هذه العيادة، ولست مشمولة بالضمان الاجتماعي، والأوضاع هنا صعبة للغاية هنا"، تقول الفتاة.”

 

بعد العيادة، زار معدا (التقرير) مراكزاً واكاديميات تعليمية، ليتبين لهما حقيقة "الاستغلال الممنهج" الذي يقوم عليه أرباب العمل في القطاع الخاص، في ظل ضعف الرقابة على هذه الأعمال والمؤسسات والمراكز، رغم ما تقوم به وزارة العمل من جولات تفتيشية بين الفينة والأخرى.

أضف تعليقك