هكذا تقرأ عمّان ملف السوريين

سفير دولة غربية كان قد قال قبل فترة انه يتوقع ان يكون لجوء السوريين طويل الامد في الاردن،وان على الاردن ان يستعد للجوء مفتوح،وغير قصير الامد،لاعتبارات كثيرة،حتى لو توقفت الحرب في سورية.

المسؤولون في عمان يعتقدون العكس،ويراهنون على ان وقف الحرب في سورية،سيؤدي الى عودة السوريين لتفقد ممتلكاتهم،وللشراكة في اعادة الاعمار،من حيث توفر الوظائف عند بدء الاعمار في هذا البلد،وهذا اعتقاد سطحي للغاية.

اذا توقفت الحرب كليا في سورية،فأن الارجح ان اعادة الاعمار لن تتم بهذه البساطة،ولن تحظى سورية الا ببضعة مليارات،لن تؤدي الغاية من اعادة الاعمار،وستكون مجرد صدقات مقارنة بحجم الخراب الحالي في سورية.

تقديرات المراقبين المتواضعة تقول ان سورية بحاجة الى ثمانين مليار دولار لاعادة الاعمار،وبعض التقديرات تقول ان المبلغ لن يقل عن مائتي مليار دولار،فمن سيدفع هذه المبالغ،وهل الدولة السورية ذاتها قادرة على تسييل هذه المبالغ؟!.

هل نصدق ان العراق وايران حلفاء دمشق قادرين اصلا على دفع عشرة بالمائة من قيمة هذه المبالغ،مادامت بغداد أم النفط لم تنجح حتى اليوم بأعادة اعمار العراق،فيما طهران تخضع للعقوبات الدولية واقتصادها هش؟! جردة الحساب للثورة السورية،التي لم تقطف ثمرتها المرة،تقول ان اكثر من ثمانية ملايين سوري باتوا لاجئين،خمسة داخل سورية،وثلاثة في دول الجوار،واكثر من مليون ونصف المليون بيت تم تدميرها كليا او جزئيا.

البيئة الاقتصادية تم تدميرها بتخريب المصانع وسرقتها،وانهيار كل البنى التحتية،حتى تحولت سورية اليوم الى دولة فاشلة فعليا.

هذا مايريده العالم في الحد الادنى،وقد تحقق على يد الثورة السورية،التي لم تتم مناصرتها حتى تحكم،واكتشفت متأخرا انها كانت آداة هدم للبلد،ويكفينا دمار الجيش السوري،ونزع سلاحه الكيماوي،حتى يمكن وصفه اليوم بالجيش العاجز والفاشل ايضا.

ماهو مهم هنا،اولئك الملايين الذين ُقتلوا وُجرحوا وتم سجنهم،واولئك الذين تشردوا،والبيئة السورية الاجتماعية باتت مدمرة بالكامل،وتنتظر الثأر بدموية من بعضها البعض على خلفيات الازمة السورية.

كيف سيعود السوريون الى بلادهم وهم يعرفون ان الثأر الدموي بين السوريين سيكون غالبا،وان الدم لن يجف بهذه البساطة،لا بين الدولة والناس،ولا بين الناس ذاتهم،ولا بين الثورة والدولة؟!.

هنا في الاردن اكثر من مليون وربع المليون لاجئ سوري،والاغلب ان العدد الحقيقي اكبر،واغلبهم اشتبك بالحياة الاردنية،اقتصاديا واجتماعيا في بيئة آمنة،لن يتركها ولن يغامر بعائلته عبر العودة الى سورية في هذا الظرف،او في حال توقف الحرب.

يعملون هنا،ويعيشون،واولادهم في المدارس،وبالتأكيد سنكون امام جيل سوري يتحدث اللهجة الاردنية،خلال سنوات،ويعرف الرمثا واربد وعمان، اكثر من درعا ودمشق وحلب وحمص،وبقية المناطق،وهذا الجيل قادم على الطريق.

سياساتنا  ازاء الازمة السورية يجب ان تتغير الان،عبر وضع معيار اللجوء طويل الامد،للتعامل مع الاشقاء السوريين،لان السياسات تجاه اللاجئين اعتمدت معيار الاغاثة الانسانية على اساس اللجوء قصير الامد،ولان الاردن لايستطيع ترحيل السوريين الى بلادهم،فعليه فعليا،ان يجري تغييرات جذرية على موازنته لتغطية حصة السوريين في كل شيء.

اغلبية السوريين الاثرياء هاجروا الى دبي وغيرها،واغلبية الاشقاء السوريين هنا،من الطبقة الفقيرة،وهذه طبقة اعادت تشكيل ذاتها،واشتبكت اقتصاديا وتكيفت،وسؤالها المطروح لماذا نعود مادمنا نعيش هنا بشكل جيد الى حد ما،اقتصاديا،ومادامت البيئة السورية غير آمنة حتى اذا توقفت الحرب؟!.

هذا لجوء طويل الامد،خصوصا،انه من طبقة غير ميسورة،والسياسات العامة عليها ان تتذكر ان هذا العدد من الاشقاء،بحاجة الى تغطية كبيرة مالياً،بعد قليل،بعيدا عن مبدأ الصدقات الدولية،والمساعدات،فاللجوء تحول الى اقامة دائمة.

قراءة عمان لملف السوريين في الاردن،تراهن على عودة قريبة،والاغلب ان هذه قراءة ربما  تكون غير دقيقة

الدستور

أضف تعليقك