نزيف بشـري لإيران بسـوريا بعد الاقتصادي.. ماذا بعد؟
من الصعب القول: إن الأعداد التي يجري الاعتراف بها للقتلى الإيرانيين في سوريا حقيقية، فضلا عن القول بأن من يعملون هناك هم مجرد مستشارين، لأن المستشارين لا يكونون في الخنادق حتى يُقتلوا بهذه الأعداد. الأعداد التي تم الاعتراف بها في الأسابيع الأخيرة باتت بالعشرات (زادت عن الخمسين حسب اعتراف رسمي)، لكن اللافت أنهم جميعا من كبار الضباط، ما يؤكد أن ما يعلن عنه هي فقط الأسماء الكبيرة التي لا يمكن تجاهلها بحال، فيما يجري غض النظر عن الأعداد الأخرى من الجنود العاديين، فضلا عن المرتزقة الأفغان الذين يعيشون في إيران ظروفا صعبة، بينما يجري جلبهم بسطوة المال، وقبله الحشد المذهبي. الحشد المذهبي في كل الأحوال هو العامل الأبرز في القصة، وما تنشره وسائل الإعلام في سياق نعي الضباط عن الدفاع عن حرم أهل البيت والمقدسات، وما شابه من خطاب دليل على أن كل مساعي تزييف حقيقة المعركة لا تجدي نفعا بحال، بل إن الخطاب المذكور لم يعد يخفي نفسه، حتى قرأنا قبل أيام في أحد المواقع الإيرانية كلاما عن بشار الأسد بوصفه الرئيس العلوي الوحيد في المنطقة كسبب لاستهدافه. وإذا تذكرنا أنها البداية ليس إلا، وأن التورط يتصاعد، وأن هناك ما هو قادم من خسائر ونعوش ستتوالى في الطريق إلى إيران، فإن علينا البحث عن تداعيات ذلك على الداخل الإيراني في ظل تصاعد الصراع بين الطرفين الإصلاحي والمحافظ، ودخول المسألة السورية على خط النزاع. قبل أيام كتبت صحيفة “كيهان” الإيرانية التي تعد صوت المرشد خامنئي، كلاما واضحا في الهجوم على الإصلاحيين بسبب موقفهم من سوريا. أحد مستشاري الرئيس الإيراني الأسبق سيد محمد خاتمي واسمه (حسن وآله) تورط في القول خلال مقابلة صحفية مع صحيفة مقربة من الإصلاحيين إن “إيران لا تحتاج إلى بقاء الرئيس السوري بشار الأسد في الرئاسة، للحفاظ على محور المقاومة والممانعة بالمنطقة”. وأن بوسع إيران أن “تحافظ على هذا المحور في حال استطاعت التوصل إلى حل سياسي تتنازل من خلاله عن مطلب بقاء الأسد في الرئاسة السورية”. كيهان اعتبرت أن “الإصلاحيين يراوغون في حديثهم عن موقفهم الداعم لمحور المقاومة بالمنطقة”، وأنهم يريدون تزييف وعي الرأي العام الشعبي، معتبرة أن لا يجب الفصل بين الأزمة وبين بقاء بشار الأسد. والحال أن موقف الرجل المذكور لا يغير في حقيقة أن الإصلاحيين لا يسعون لفتح معركة مع المحافظين حول الشأن السوري أو اليمني، فضلا عن العراقي، ليس لأن هذه الملفات هي من اختصاص قاسم سليماني ضمن علاقة مباشرة مع المرشد وحسب، بل أيضا لأنهم يرون أن الزمن يعمل لصالحهم، ولا داعي لفتح معركة في غير وقتها. نأتي هنا إلى رأي الشارع الذي يستند إليه الإصلاحيون. وهنا يمكن القول إن الجماهير لا يمكن أن تكون راضية عن هذا النزيف الاقتصادي الضخم في سوريا، وكذلك في اليمن، فضلا عن أن يضاف إليه نزيف بشري، وإذا كانت تلك الجماهير تسكت نسبيا بسبب سطوة الأمن، فإن الأمر لن يدوم طويلا، ويمكن بمرور الوقت أن يبدأ في التعبير عن نفسه، وهذا هو ما دفع المحافظين إلى اعتقال صحفيين مقربين من الإصلاحيين، وذلك للجم أية محاولة للتمرد، قبل أن لا يكون بالإمكان السيطرة عليها، وما الرقابة على مواقع التواصل إلا شكلا من أشكال الخوف مما ه وقادم. لا جدوى من ذلك كله، فما يمكن أن تحصل عليه إيران في سوريا في تسوية تعقد الآن هو أفضل بكثير مما يمكن أن تحصل عليه لاحقا بعد تأكد فشلها، حتى لو كان بوسعها أن تواصل الحرب لسنوات أخرى، لكن الشارع الذي عوّل على عوائد النووي من أجل تحسين معيشته، لن يرضى بتبديدها في مغامرات رعناء في سوريا واليمن. ولا شك أن إصرار المحافظين على هذا النهج سيصب بمرور الوقت في صالح الإصلاحيين، لكن رشدا قريبا سيكون أفضل بكثير بالنسبة لهم، لكن غرور القوة والأحلام المجنونة لا زالت تسيطر على عقولهم، ومن يعتقد أن الدفاع عن بشار الأسد هو انتصار لنهج الحسين لا يُستبعد عليه أي شيء.