لجوء السوريين بين الأردن وكندا

لجوء السوريين بين الأردن وكندا
الرابط المختصر

استقبلت كندا مئات السوريين، ورئيس الوزراء الكندي يخرج لاستقبالهم في المطار، ثم بعد ذلك بيومين يقام حفل ترحيب بالسوريين، فينشد طلبة كنديون فيه، انشودة الانصار ترحيبا بالرسول صلى الله عليه وسلم حين هاجر من مكة الى المدينة، منشدين قائلين» طلع البدر علينا من ثنيات الوداع» في رسالة عميقة تتجاوز اللاجئين نحو كل المسلمين، الذين يسود بين بعضهم كراهية الآخر. حظيت القصة بضجيج عربي واسلامي، وكندا التي اعلنت عن نيتها استقبال عشرة الاف شقيق سوري، نالت مديحا وانبهارا على كل المستويات. ما نجحت به كندا هو ترقية خطوتها باستقبال الاشقاء، من خطوة ايجابية او جيدة، الى لفتة انسانية عظيمة هزت بنية العالمين العربي والاسلامي، الذين انبهروا لاعتبارات مختلفة، وتجلت ذروة الانبهار باستماعهم الى نشيد يتعلق بالنبي، من جانب كنديين اغلبهم يدين بالمسيحية، وفي اللفتة هنا، تسامح وقبول للاخر، يهز شجرة التشدد عندنا. لكنك في غمر الانبهار، وقدرة رئيس حكومة كندا على ترويج قرار بلاده بطريقة ذكية جدا، تصب في اطار الكاريزما التي يتمتع بها الرجل، تسأل لماذا لم تفز الدول العربية المحيطة بسورية بذات الرضا العربي والاسلامي والسوري، حين استقبلت هذه الدول ملايين الاشقاء السوريين وخصوصا الاردن ولبنان على سبيل المثال؟. الاردن مثلا استقبل اكثر من مليون ونصف المليون، وفيه يعيش لاجئون من إحدى واربعين جنسية، وتاريخه دون نفاق لاحد، ايجابي تجاه مآسي العرب، اذ استقبل دوما عددا يفوق قدراته، والكل يعرف ان اللجوء بحد ذاته، يقوم على فكرة تأمين حياة الانسان، وتجنيبه الموت، وصيانة دمه، فلا لجوء في هذه الدنيا يمكن وصفه بلجوء الخمسة نجوم. هل فشلنا في الاردن في صيانة صورتنا برغم كل مايقدمه البلد، اذ لاتفهم سر النقد اللاذع للاردن من اغلب الذين عاشوا فيه، او مروا من خلاله، وبدلا من الامتنان، لا تسمع الا نقدا، وقد سمعناها من اخوة عراقيين ذات زمن، ونسمعه اليوم من الاشقاء السوريين، الذين يعتقدون ان هناك تقصيرا معهم، ويحز في بالهم تصرف من هنا او هناك، هذا على الرغم من البلد ضعيف اقتصاديا، ولا يطعم من فيه اساسا، فلا يحتمل العرب اي خطأ بسيط قد يحدث تجاههم من جانب فرد او جهة؟!. لماذا تطغى صورة مائة وستين شقيق سوري، يشكلون الدفعة الاولى التي وصلت كندا، على صورة ملايين الاشقاء السوريين الذين يعيشون في الاردن او لبنان، واغلبهم يعيش في المدن، على افتراض ان المـأخذ يتعلق بوجود مخيمات في ظروف صعبة وحسب؟!. هل يتعلق الامر بعدم قدرة العربي على الاعتراف لعربي آخر، ام هي الكراهية بين العرب التي تجعلك مهما فعلت، واقفا على بساط النقص والتقصير، ام ان القصة تتعلق في جوهرها بالانبهار المبطن بالغرب، من قصة زعيمة المانيا المستشارة ميركل التي دافعت عن حق اللاجئين وصولا الى رئيس الوزراء الكندي، ام ان الكنديين والاوروبيين محترفون في صناعة الصورة الاعلامية؟!. في قدوم العرب وغيرهم الى الاردن، مشاهد مهمة جدا، لكنها تغيب لفشل الدولة في صيانة سمعتنا، وتورط اغلبنا في جلد البلد، وهو تورط يلمسه حتى الاشقاء من السوريين وغيرهم، فيتورطون معنا بالنقد اللاذع، باعتبار ان الامر متاح في الاردن، في سياقات التذمر من كل شيء. نجح الكنديون في جعل لفتة صغيرة، مدوية، فيما الاردن لاينجح اليوم، حتى بالدفاع عن القيمة الانسانية التي فتحت ابوابه للاشقاء، بل ويشقى لتمويل كلفة اللجوء، وسط اتهامات دارجة بين كثيرين ان الاردن يتكسب ماليا على ظهر اللاجئين، وانه يعيش فقط على مصائب الاخرين ونكباتهم، والكلام جارح، لكنه سائد للاسف الشديد. برغم ان فكرة اللجوء ذاتها مريرة وسيئة، وسواء عاش السوري في عمان او في مخيم الزعتري، او كندا او المانيا، فقد خسر في كل الاحوال ما لا يعوض، خسر وطنا وحياة مستقرة، ولاحسد هنا، لأي واحد فيهم، الا ان الفروقات في التعبير من مواقف الدول ازاء الاشقاء السوريين، مثلا، فروقات محيرة. بعضهم يقول، ان القصة ترتبط بأمرين، اولهما ان الانبهار يتعلق بالحقوق التي سوف يحوزها السوري في كندا توطئة، لمواطنته الكندية المقبلة على الطريق، والثاني يدعي ان بيننا من يمن على السوريين بالكلام، على عيشهم هنا، وهذا اذى، وفقا لمنطوقهم. لكنك تقول، ان الهجرة الى كندا لا تستحق البهجة، بل الحسرة على الشعب السوري، من جهة، فيما لم نسمع عن اردني واحد اعتدى على شقيق سوري، او بيته، او منع تأجيره او تشغيله، فيما تفلتات الكلام  في الاردن تعبير في مرات عن ضيق العيش، وعن عدم احتمال الاردن لكل هذه الازمات، وليس تعبيرا عن كره الشقيق السوري. مأساة السوريين تخضع للتوظيف السياسي، واذا كنا نقول، شكرا لكندا من جهة، لانها اتخذت هكذا خطوة، تحت عنوان محرج «طلع البدر علينا» ، نضيف من الشعر بيتين، اولهما ان الاردن الفقير احتمل اضعاف الدول الثرية في العالم مثل كندا، فيما قصة اللجوء ذاتها، تستحق دمعة، لا بهجة ولامسرة، ايا كانت مآلات الاشقاء النهائية، فالمقارنة ليست بين مغترب ومغترب، بل بين وطن مفقود، ومغتربات، والاول لا عوض له ابدا.