في ذكرى إنسان سورية والعراق
يومان وثماني سنوات، بين بدء الهجوم الأميركي على العراق في 20 آذار (مارس) 2003، وبدء الثورة السورية في 18 آذار (مارس) 2011. وفي بعد الزمن بين الحدثين، مع تقارب ذكراهما، يبدو الترابط الوثيق بينهما. لاسيما وأنه في الحالتين، تحضر الديمقراطية وحقوق الإنسان، كما تحضر الأمة العربية، وفلسطين بالتأكيد.
في العام 2003، وبعد فشل كل ذرائعها السابقة لغزو العراق، لاسيما أسلحة الدمار الشامل، وجدت الولايات المتحدة ضالتها في ذريعة نشر الديمقراطية واحترام حقوق الإنسان. لكنها إذ تأتي على ظهور الدبابات وبقذائف الطائرات، وضد نظام قومي خصوصاً، فإنه لا بد وأن تكون هذه الديمقراطية هي الخيانة ذاتها.
بعد ثماني سنوات من سقوط بغداد، سيخرج السوريون، أسوة بكثير غيرهم من الشعوب العربية، ليطالبوا بحقوقهم المستباحة منذ أربعة عقود على الأقل، ولربما بشكل أبشع من كل تلك الشعوب. لكن حتى هنا لا يتغير شيء؛ إذ تظل الديمقراطية والحرية عمالة وخيانة، حتى ممن يرفعون الشعارات ذاتها في بلدانهم! فالمقاومة والممانعة، لا تجتمعان والحرية والكرامة للإنسان العربي، وإن كان قد انتظر بلا جدوى عقوداً لتحرير الأرض بالفساد والاستبداد.
والحقيقة أن معيار "المقاومة والممانعة" هذا سيبدو ضرورياً ليمنح القائلين به اتساقاً مع موقفهم الجديد من عراق ما بعد صدام حسين، بل وتحويل سقوط بغداد ذاته إلى نصر عربي أكيد، وذلك فقط لأن نوري المالكي قفز من على ظهر الدبابة الأميركية إلى حضن طهران "المقاومة والممانعة". بل وصار من حق هذه الأخيرة ارتكاب الفظائع بحق المحسوبين، ولو بطائفتهم فقط، على الرئيس القومي الأسبق، إذ أصبحوا جميعهم عملاء وإرهابيين!
الآن، وبعد القضاء على الشعوب العربية الخائنة، لم يبق إلا انتظار معركة إيران لتحرير فلسطين! ويجب أن نصدق ذلك، حتى وإن كانت إيران تفاوض الأميركيين على كل شيء، وتنسق معهم عسكرياً في العراق وسواه، ويتحاشى قادتها علناً منذ تولي حسن روحاني الرئاسة أي إشارة لفلسطين، بل ويؤكد وزير خارجيته جواد ظريف كذب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بأن إيران تهديد لإسرائيل؛ فإيران، كما يقول ظريف، لا تهدد إسرائيل، ولم تهددها سابقاً!
لكن لا داعي لأن ننتظر عقوداً أخرى، بعد العقود القومية التقدمية الضائعة، حصول معركة لن تأتي أبداً إلا إذا أرادت إسرائيل ذلك وحدها. فحتى باتفاق أميركي-إيراني ترضى عنه إسرائيل، يمكن للبعض منا ادعاء النصر منذ الآن، والذي لن يكون إلا استمراراً لنصر متواصل منذ العام 1967؛ حين ألهينا إسرائيل وأشغلناه بمعارك احتلال القدس والضفة الغربية وسيناء والجولان، لننتصر بالنتيجة النهائية للحرب ككل، بصون الأنظمة "التقدمية" من السقوط.
فالآن يمكن ادعاء أن إيران تحمينا من الإرهابيين السُنّة، وهم كل السُنة. وهي فوق ذلك تبقي بشار الأسد رئيساً في قصره، ونوري المالكي نائباً لرئيس جمهورية العراق. ولربما تعيد لنجل علي عبدالله صالح عرش والده "المغتصب" في صنعاء. هل كنا نحلم بهكذا نصر مزدوج؟ وألا يبدو ثمناً مقبولا بل وبخساً، تدمير بلدان، وقتل وتشريد ملايين السوريين والعراقيين لأجل تحقيقه، بل وحتى التضحية بفلسطين ذاتها؟