"طفل الركبان" ينتصر للأردن
أكثر من خمس سنوات من تعامل سيُذكر دوماً وأبداً للأردن، شعباً ومؤسسات، مع مئات آلاف اللاجئين السوريين الفارين من الموت إلى الأمان، كافية بحد ذاتها لمنح كل مصداقية لتأكيد الجيش العربي الأردني بأنه "عار عن الصحة" كل ما يشاع عن منع طفل في مخيم الركبان بحاجة إلى تدخل جراحي عاجل، من دخول المملكة. يُضاف إلى ذلك أن أياً من مواقع المعارضة الرئيسة؛ المعنية بالأمور السياسية والميدانية، لم تتبن الفيديو الذي قيل إنه عن "طفل الركبان"، فيما كانت هذه المواقع تتحدث بشكل متواصل عن الطفلة غنى المحاصرة من قبل مليشيات الأسد وحزب الله في مضايا، حتى تحقق النجاح بإخراجها، أول من أمس، لتلقي العلاج الضروري.
والحقيقة أن قصة "طفل الركبان"، ملفقة كانت أم لا، وبغض النظر عن دوافع ذلك؛ جهالة أم سوء نية تامة، لا يمكن إلا أن تُحسب للأردن وجيشه العربي.
فطفل الركبان -إن وُجد- هو طبعاً مواطن سوري لم يدخل الأراضي الأردنية بعد. مع ذلك، فإن من توجه إليه المطالبة بإنقاذه هو الأردن وجيشه اللذين عرف العالم كله بأي أخلاق سامية يعاملان اللاجئ؛ فيما لا توجه هكذا مطالبة إلى من يوصف بأنه النظام "السوري" والجيش "السوري" اللذين يفترض أنهما يمثلان طفل الركبان ويحميانه، لكنهما في الحقيقة أساس مصابه وآلاف غيره من النازحين واللاجئين.
فوق ذلك، فإن العالم أجمع أيضاً، بمن في ذلك دوله الديمقراطية المتغنية بحقوق الإنسان، يعرف مأساة نازحي الركبان، كما يعرف الثمن الغالي الذي قدمه الأردن، باستشهاد سبعة من جنوده بعملية إرهابية أثناء تقديمهم المساندة والدعم الإنسانيين للعالقين هناك. وقد كان صمت العالم ككل، عذراً أكثر من كافٍ للأردن لو أراد، ليتجاهل أي مناشدة أو انتقاد حتى في قضايا مثبتة. لكنه تحرك دون سواه لتقصي حقيقة قصة الطفل، مُصدرا بيانات وتصريحات ملؤها الإنسانية، من قبيل حقيقة أنّ "القوات المسلحة الأردنية قدمت العلاج لمئات الآلاف من الأشقاء السوريين دون مقابل أو منَّة، ولم تتردد في يوم من الأيام عن تقديم الخدمة الطبية لمن يحتاجها، وفي أي مكان من العالم فكيف بأشقائنا السوريين". ومثل هذا الموقف، الذي تؤكده أيضا بشكل جازم كل السنوات الماضية، لا يمكن أن يفسر إلا بأن الأردن لا يبحث عن أعذار أبداً رغم العبء الهائل الذي يتحمله في موضوع اللاجئين، بل هو حريص تماماً على أن يكون وفياً لقيمه ومبادئه الإنسانية العروبية فعلاً لا قولاً، كما حريص إلى أبعد مدى على أمن مواطنيه وجنوده وسلامتهم. ونتيجة ذلك، كان دوماً استثناء في المنطقة العربية، وصار نموذجاً تتطلع إليه شعوب دول عربية كانت "كبرى"، ثم اضمحلت معنوياً إن لم يكن جغرافياً، لأنها تنكرت لإنسانية ومواطنة شعوبها.
ملفقة للإساءة، أم تم توظيفها لهذا الغرض، تنتهي قصة "طفل الركبان" في الحقيقة -وبشكل طبيعي- إلى الانتصار للمملكة والاعتراف بسموها وسمو جيشها؛ فماذا تفعل حملة أو حملات مغرضة أو كاذبة، أمام أساس متين راسخ جلي كالذي ينهض عليه الأردن الوطن؟!