سياسة ترمب حول مرتفعات الجولان ستثير القلق في سوريا المضطربة

سياسة ترمب حول مرتفعات الجولان ستثير القلق في سوريا المضطربة
الرابط المختصر

باتريك كوكبيرن

أثار اعتراف الرئيس الأمريكي، دونالد (ترمب)، بالسيادة الإسرائيلية على “مرتفعات الجولان المحتلة” في سوريا ، القلق لدى الكثيرين، فكون هذا القرار غير متوقع وتعسفيا ، يجعل سكان العالم ، يشعرون بأن عالمهم ، قد بات أكثر فوضوية وخطورة، حيث يتم فيه الاستيلاء، بشكل شرعي، على الأراضى المحتلة.

وبهذا القرار ، فإن ترمب يقوم بتمزيق كتاب القواعد الدولية ، الذي وضعته الولايات المتحدة، منذ عام 1945، والذي كانت واشنطن ،هي المستفيد الرئيسي منه، حيث باتت الأخيرة تتجاهل التحالفات، والمؤسسات متعددة الأطراف، التي اكتسبت الولايات المتحدة، من خلالها، وضعها كقوة عظمى.

ولكن لماذا فعل الرئيس ذلك؟ الدافع الواضح، على المدى القصير، هو تعزيز موقف رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين (نتنياهو)، قبيل الانتخابات الإسرائيلية، المقررة في 9 نيسان\ إبريل المقبل، كما أنه يبدو أن دعم القادة اليمينيين القوميين أينما ظهروا، من (ساو باولو) ، إلى (تل أبيب) و (مانيلا)، هو إحدى سمات طريقة عمل ترمب.

وعند سماعه بالخبر ، قال نتنياهو: «لقد صنع الرئيس ترمب التاريخ للتو»، ولكن ما هو نوع التاريخ الذي يتم صنعه بهذا القرار، وما الذي ينذر به بالنسبة لبقية الشرق الأوسط ؟

يرى منتقدو تحرك ترمب بشأن الجولان ، أنه أمر سار بالنسبة للرئيس الروسي، فلاديمير (بوتين)، الذي سيتساءل: كيف يمكن للولايات المتحدة، وحلفائها، الاستمرار في إدانة ضم روسيا لشبه جزيرة القرم بعد هذا القرار؟ كما أن القادة الصينيين ، قد يتفاعلون بالمثل ، عندما يتعلق الأمر بادعائهم السيادة على بحر الصين الجنوبي. لكن يجب أن يكون المرء حريصا على مقارنة تصريحات تريمب، وإيماءاته، بما ينفذه بالفعل، فهو يظهر، عادة، حذرا واستعدادا، للحد من المبادرات المتطرفة ، أكثر مما تظهره تغريداته، وفي العام الماضي، أعلن انسحاب القوات الأمريكية من سوريا، ولكنه تراجع بعدما واجه معارضة شديدة من المؤسسة الأمنية.

ويعتبر إعلان تريمب بشأن “هضبة الجولان” مثيرا للجدل، فكما حدث عندما قرر نقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس، في عام 2017، فإن تغيير موقفه حول الجولان الآن ، هو في الغالب رمزي، لكن الرمزية هنا مهمة للغاية، حيث إن القرار يسقط أوراق التوت ، التي كانت تحجب حقيقة الولايات المتحدة، فأي حديث عن الإنصاف الأمريكي في التوسط بين إسرائيل والفلسطينيين ، كان دائما ، مجرد هراء يهدف إلى التظاهر بوجود «عملية سلام»، أو أن هناك فرصة لـ«حل الدولتين»، وذلك في الوقت الذي كانت تلتهم فيه المستوطنات الإسرائيلية ، الضفة الغربية، وتدفع بالفلسطينيين إلى أراض معزولة.

لكن طالما عملت أوراق التوت هذه على وقف، أو تأخير، المواجهة، ويأتي قرار تريمب مع تغير المشهدين السياسي والعسكري في سوريا، فآخر مقاتلي داعش يختبئون في الكهوف، والخنادق المحطمة، في شرق سوريا، لكنهم لن يستطيعوا البقاء لفترة طويلة في مواجهة القوات المناهضة لهم، ومن المتوقع أن يعلن تريمب عن انتصار كبير هناك مع المبالغة المعتادة منه، والادعاء بأن كل ما تم في سوريا كان من صنع يديه وحده.

وصحيح أن هذه الادعاءات ، ستكون محل شكوك، لكنه تم بالفعل تحقيق نصر حاسم ، يتمثل في تدمير الخلافة ، التي أعلنها تنظيم داعش في عام 2014، فضلا عن فشل المحاولة الاستثنائية لإنشاء دولة جهادية ، ويحتفظ داعش ببعض القدرات القتالية، ولكن من غير المرجح أن يعود مرة أخرى في مواجهة الأعداء المصممين على منع التنظيم من إعادة إحياء نفسه من جديد.

ولم يواجه ترمب، حتى الآن، أزمة في الشرق الأوسط على مستوى الأزمات ،التي واجهها سلفه (باراك أوباما) ، خلال انتفاضات الربيع العربي عام 2011، أو انتصارات داعش في عام 2014، عندما كان الجهاديون يتقدمون على كل جبهة، لكن الشرق الأوسط يولد دائما ، أزمات جديدة ، تضرب بشكل غير متوقع، وعندما يحدث ذلك ، سنرى كيف سيكون رد فعل ترمب.

إن اعتراف الولايات المتحدة بضم إسرائيل للجولان، يساعد على تأجيج الوضع في سوريا، حيث إنه يعمق الشعور ، بأن إدارة ترمب لا تهتم بتطبيق القواعد القديمة، فقبل ساعات فقط من القرار ، كان وزير الخارجية الأمريكي، مايك (بومبيو)، يخبر الصحفيين ، بأنه لم يتم التفكير في هذا التغيير.

ويتماشى هذا السلوك، إلى حد كبير، مع سلوك الزعماء القوميين الشعبويين، الذين انتشروا في جميع أنحاء العالم، وقد يدفعون به يوما ما نحو كارثة.