سورية ورد الاعتبار للربيع العربي
ليس "أفضل" من سورية دليلاً على ما حمله "الربيع العربي" من موت ودمار بات يعرفهما العالم أجمع، مع استعصائهما، في الوقت ذاته، على الوصف لهولهما. لكن سورية نفسها، منذ اندلاع ثورة شعبها في مثل هذه الأيام قبل خمسة أعوام، وتحديداً في 15 آذار (مارس) 2011، تقدم الدليل القاطع بشأن المسؤول عن تحويل "الربيع" إلى نقيض ما ينطوي عليه المسمى من آمال وطموحات.
فـ"الربيع" ما تحول إلى موت وخراب ودمار، إلا بقرار نظام الأسد وحلفائه وحدهم، لاسيما وأن بشار الأسد ذاته -كما روسيا، لكن ليس إيران- يقر، بغض النظر عن الدرجة، بفساد نظامه وصبغته البوليسية القمعية. لكنه مع ذلك لم يقدم على امتداد السنوات الماضية وحتى اللحظة، ولو مبادرة واحدة لحقن الدماء؛ بل أوغل في الحل العسكري حد استجلاب "غزاة"، وقبلهم مليشيات طائفية من كل دول الأرض، لتدمير سورية وقتل شعبها لأجل ضمان بقائه في السلطة.
ومفيدة هنا، كما ضرورية، محاججة أتباع الأسد وروسيا وإيران بوجود مقاتلين أجانب، أيضا من كل دول الأرض تقريباً، في صفوف "جبهة النصرة" و"داعش". فمثل هذه المحاججة تبدو أكثر من كافية للإقرار بأن من يُفترض به أنه "رئيس دولة"، لا يختلف بنظامه في الحقيقة عن منظمات إرهابية! وليكون هكذا نظام، بالنتيجة، جديرا بالثورة عليه فعلاً.
لكن برغم ذلك، فإن أنصار الأوضاع القائمة قبل 2011 -حفظاً لمكاسبهم الضيقة على حساب الشعب، أو غالباً إدراكاً وإقراراً منهم بانعدام وزنهم الشعبي بحيث لا يستطيعون المنافسة في أي انتخابات نزيهة شفافة- يدينون الشعوب، محملينها مسؤولية الخراب الذي يمارسه نظام الأسد وأشباهه.
وإذا كان ما سبق كافياً ولا يمكن إنكاره من أي كان، إلا أنه يجد مزيداً من الدعم والتأييد من النماذج الناجحة لـ"الثورات المضادة".
إذ في ظل انتصار "استقرار الاستبداد"، يراقب الجميع انهيارات اقتصادية في دول قمع "الربيع"، كما سياسية من خلال اضمحلال الحضور الإقليمي ناهيك عن الدولي. وهو ما يعبد الطريق لانهيارات شاملة داخلياً، قد تتخذ شكلاً عنيفاً مثل سورية وأكثر. ولن ينفع عندها القول إن هناك ثمة مؤامرة خارجية على "الشقيقة الكبرى". فإن كان هناك مؤامرة، فهي ليست إلا داخلية نُفذت وتُنفذ أمام أعين الجميع، بدفع الناس إلى مزيد من الإحباط، إفقاراً معمداً بامتهان كرامة الإنسان.
هكذا يكون البدهي، المطلوب طمسه، هو أن ما حل ويحل بالعالم العربي من خراب ليس نتيجة "الربيع" أبداً، بل على العكس؛ هو نتيجة تأخر هذا "الربيع"، ثم شيطنته وتدميره. وأكثر من ذلك بداهة، كما تنبئ سورية خصوصاً، أن قبول هذا "الربيع"، بل وحتى استعجاله وخلقه، كان مصلحة النظام لبقاء الأسد رئيساً فعلاً، بدل أن يصبح اليوم بمسمى "رئيس" غير عامل إلا بالقدر المطلوب من رعاته الإقليميين والدوليين.