جنيف السوري الجديد وما بعده
بصرف النظر عما إذا كان مؤتمر جنيف لحل الأزمة السورية سيُعقد في موعده المحدد (25 يناير)، أم سيؤجل، فإن الثابت أننا إزاء مسيرة طويلة من الحوارات والمؤتمرات قبل أن تضع الحرب أوزارها. من المؤكد أن مشاعر الغطرسة لا زالت تحكم السلوك الروسي الإيراني حيال المؤتمر وعموم المداولات الخاصة به، إذ يتعامل الطرفان مع سوريا بوصفها ولاية تابعة. أما النظام، فهو يردد ما يُطلب منه ترديده لا أكثر ولا أقل. الشروط السخيفة التي وضعتها موسكو على وفد المعارضة السورية تعكس روحية الغطرسة، وبتأييد من إيران طبعا، فمن تشترط حضورهم من لون هيثم مناع وصالح مسلم وقدري جميل هم حلفاء للنظام، وليسوا معارضة بالمعنى الواقعي للكلمة، ووضع ما يسمى مؤتمر موسكو للمعارضة على قدم المساواة مع مؤتمر الرياض هو نوع من الغطرسة لا أكثر. لنفترض رغم ذلك أن عقدة الوفد المفاوض قد حُلت بالفعل، ومعها شرط وقف الغارات الروسية وحصار النظام الذي وضعه وفد المعارضة، وذهب الجميع إلى جنيف، فما هي فرص الحل، وما هي تبعا لذلك فرص وضع قرار مجلس الأمن موضع التنفيذ؟ نفتح قوسا كي نشير إلى أن روحية الغطرسة التي تتعامل بها موسكو مع قضية جنيف هي نتاج بُعدين؛ الأول يتعلق بالتقدم المحدود الذي أحرز على الأرض من قبل النظام وحلفائه، بغطاء جوي روسي، فيما يتعلق الثاني بتواطؤ واشنطن التي يبدو موقفها من الناحية العملية أقرب للموقف الروسي الإيراني، منه للموقف السعودي التركي القطري، وهو ما أصبح واضحا كل الوضوح. هذه المعادلة الجديدة؛ ميدانيا وسياسيا، تفرض على الحلف الداعم للثورة السورية استحقاقات أكبر لمواجهة منظومة الضغط الراهنة، وحتى لا يكون جنيف محطة انتصار روسية إيرانية، ولن يحدث ذلك من دون تقدم أكبر على الأرض، يتطلب دعما أكبر لقوى الثورة يفرض تغييرات ميدانية، وهو ما تابعناه خلال الأيام الماضية عبر كسر حدة الهجوم الذي كان يشنه النظام وحلفاؤه بغطاء روسي، مع محاولة كسب آخرين لذات المربع، كما هو حال مصر التي لو غيرت موقفها، فسيتغير ميزان القوى على نحو جيد. جنيف في نهاية المطاف هو انعكاس لواقع الميدان، ومن دون أن يتقدم الثوار، ويحرزوا مكاسب جديدة، فلن يكون الوضع على طاولة التفاوض مناسبا، ولا يجب أن ينسى أحد أن الروس يشعرون بمأزق أيضا، فهم في وضع اقتصادي صعب، ونتائج تدخلهم بعد ما يقرب من أربعة شهور لا تقترب من التوقعات السابقة، ما يعني أن قدرتهم على احتمال نزيف أكبر لا تبدو صحيحة، الأمر الذي ينطبق على إيران في ظل تدهور أسعار النفط، حتى لو قيل إنها ستستخدم عوائد النووي في مزيد من الضغط، لا سيما أن الإصلاحيين لن يقبلوا بذلك بسهولة؛ هم المعنيون بترجمة الاتفاق واقعا تنمويا يشعر به المواطن في الداخل. وإذا تذكرنا أن واشنطن ليست مستعجلة للحل، كحال حبيبتها دولة الاحتلال الصهيوني، فإن مسيرة جنيف تبدو طويلة طويلة، بخاصة وأن ألف شيطان لا زال كامنا في التفاصيل، يتصدرها ما يتعلق بالتعامل مع القوى المصنفة إرهابية، وهي الأقوى على الساحة (تنظيم الدولة وجبهة النصرة أعني)، وهي التي ينص قرار مجلس الأمن على أن برنامج الهدنة المقترحة لا يشملها. الخلاصة أن مؤتمرات كثيرة ستأتي، ومداولات ستُعقد، من دون أن نصل إلى حل؛ إن في سوريا أم اليمن، وهي لعبة عض أصابع شاملة مع إيران، عنوانها من يصرخ أولا، ولا مجال للحلف المناهض لجنون التوسع الإيراني غير وقفه مهما كان الثمن ومهما بلغت التضحيات.