بعد حلب: الحل أم التقسيم أقرب؟
قررت إيران (وحزب الله) وروسيا، وتبعهم كثر، أن حصار الأحياء الشرقية لمدينة حلب يعني استتباب الأمر نهائياً لبشار الأسد. ووجه الغرابة في هذا الاستنتاج، أن طهران وموسكو -عبر الأسد طبعاً- لا تقدمان للشعب السوري منذ أكثر من خمس سنوات سوى الاختيار بين الموت والموت؛ بالاعتقال والتعذيب الوحشي، أو بالتجويع، أو القتل بالصواريخ والبراميل المتفجرة! وهو ما ترك السوريين أمام خيار وحيد مقابل؛ القتال حتى النهاية، كما أثبتت كل التطورات على امتداد السنوات الخمس ذاتها، وآخرها معارك غرب وجنوب حلب التي أدت إلى فك الحصار عن الأحياء الشرقية.
وإذا كان درس "البديل" المقدم للسوريين هو الأهم في معركة حلب، يكون الاستنتاج المنطقي هو أن تؤدي هذه المعركة، بتطوراتها وتبدلاتها، إلى تسريع الحل السياسي، بديلاً وحيداً عن الحرب التي تحولت إلى دائرة مفرغة، يدفع ثمنها السوريون أساساً، لكنها لا يمكن أن تتوقف عندهم مستقبلاً؛ وهو مستقبل قد لا يكون بعيداً أبداً.
غير أن حقيقة كون الأسد وحلفائه الإيرانيين والروس الذين صارت لهم الكلمة الفصل في سورية اليوم، قد تخلوا عن كل منطق منذ اندلاع الثورة السورية سلمياً في العام 2011، فإن تطورات معركة حلب قد تدفع إلى تسريع هؤلاء بعملية تقسيم سورية. وهو ما لم يستبعده نائب أمين عام "حزب الله"، نعيم قاسم، في مقابلة مع وكالة أنباء "رويترز" قبل أيام. فإيران/ حزب الله لا تعتبر وحدة سورية أمراً مقدساً، بل بقاء بشار الأسد بمسمى "رئيس جمهورية"، لاسيما وأنه سيكون خاضعا تماماً لرحمة حماية مليشيات طهران متعددة الجنسيات والمتحدة طائفياً. ومثل هذا السيناريو قد يجد القبول من روسيا، باعتباره بديلاً عن مزيد من الانخراط في الصراع السوري؛ بما يتعدى سلاح الجو و"المستشارين" العسكريين، أو حتى ورقة تفاوض لمراحل لاحقة من الصراع ومفاوضات تسويته.
ووفق هذا السيناريو، يكون متوقعاً -إضافة إلى استمرار المعارك في حلب، ولو انتقاما- تكثيف الهجوم الروسي-الإيراني في ريف دمشق واللاذقية بشكل غير مسبوق، للتهيئة للتقسيم.
لكن هكذا تقسيم سيعني مزيداً من الحضور الإيراني العسكري على الأرض السورية، بكل حساسيات ذلك إقليمياً، وحتى لروسيا. وفوق ذلك فإنه لن يكون سوى نسخة طبقة الأصل بنتائجه عن تخيير السوريين بين الموت والموت؛ أي استمرار الصراع إلى ما لانهاية في سورية، وإبقاء احتمالات توسعه إقليمياً أيضاً.
بالنتيجة، ربما لا يبالي أحد من اللاعبين الإقليميين والدوليين بشأن الشعب السوري ككل حالياً. لكن الحقيقة أن المخرج من مستنقع الصراع لجميع اللاعبين ليس له إلا طريق واحدة، تتمثل في تمكين السوريين من وطنهم، باعتباره وطناً فعلياً للجميع بلا استثناء؛ بما يلغي أي حاجة للاقتتال، كما يوحدهم جميعاً ضد كل التنظيمات الإرهابية باعتبارها تهديداً للوطن السوري، قبل أن تكون خطراً على أي فريق آخر.