الهدنة في سوريا.. الاحتمالات والدلالات

الهدنة في سوريا.. الاحتمالات والدلالات
الرابط المختصر

ربما من المبكر الحديث عن الهدنة التي أنتجها اتفاق وقف اطلاق النار في سوريا، وربما تفشل الأطراف الراعية للإتفاق في الدخول بالهدنة إلى حيز التنفيذ في الموعد المحدد، ومن المحتمل أن تترنح الهدنة بتجاوزات عديدة، ولكن الاتفاق في حد ذاته يشكل خطوة مهمة للغاية إذا كان امتداداً لتصريحات المندوب الروسي في مجلس الأمن فيتالي تشوركين التي استاءت من خروج الأسد عن الخط الروسي وبما يعبر عن تهديد ضمني بسحب الدعم الروسي في حالة تواصل اجتهادات الأسد وخروجها عن السيناريو الذي يحدده الروس.
لم يعد بوسع الرئيس السوري اليوم أن يستثمر الغطاء الجوي الروسي لتعزيز مكتسباته على الأرض، فالتدخل الروسي لم يكن مجانياً أو من باب الصداقة الوطيدة بين القيادتين والشعبين، وهو تدخل مكلف للغاية وينتظر الروس أن يجنوا ثماره على الأرض السورية والأوكرانية كذلك، والإعلان عن اتفاق وقف اطلاق النار يفتح باب التوقعات والتخمينات حول شكل الصفقة الأميركية – الروسية التي أوشكت على أن تقدم كوجبة جاهزة لجميع الحلفاء الإقليميين، ولن يتأخر ارسال فواتير هذه الصفقة للأطراف المعنية.
قضية سوريا أصبحت أكبر من الإقليم، والتفاحة السورية المحرمة ستخرج الإقليم لمرحلة جديدة، تماماً مثلما حدث في النصف الأول من القرن التاسع عشر مع اتفاقية لندن التي أنهت مشروع محمد علي التوسعي، وكما تكرر مع سايكس – بيكو في بدايات القرن العشرين، والأزمة الأخيرة وصلت بأطراف عديدة في المنطقة إلى نقطة اللاعودة بحيث لا يمكن استئناف التعايش على أرضية نفس المعادلات التي حكمت المنطقة العربية في مرحلة ما بعد الاستقلال وصولاً إلى بدايات الربيع العربي.
النظام السوري سيستفيد من الهدنة في التقاط الأنفاس على مستوى الجيش النظامي، ولكن الضربات التي بدأت «داعش» توجهها من خلال التفجيرات الإرهابية الأخيرة من المرجح أن تتصاعد لتفويت فرصة التعافي المحتملة على مستوى النظام ككل، ولذلك فإن وقفاً لإطلاق النار لا يمكن أن يثمر في المدى الطويل دون التصدي الحازم لــ «داعش»، وهو ما يتطلب حديثاً ناضجاً حول التدخل العسكري على الأرض بتنسيق عسكري أميركي - روسي وتوافق مع النظام والمعارضة المعتدلة وايران وتركيا وبالطبع الفريق العربي مع الأولوية للتفاهم مع الأردن الذي تتشابك حقائقه الجغرافية مع الوقائع الجارية في سوريا والعراق.
قراءة المشهد من الجانب الأردني كانت ناضجة للغاية في المرحلة الأخيرة، وتبعت الأردن مجموعة من الدول الخليجية التي تواصلت مع موسكو لتفهم معالم المرحلة المقبلة، وكان لقاء ملك البحرين الأخير يظهر أجواء من الارتياح غير المسبوقة بين دول الخليج وروسيا، ويسجل تحولاً كبيراً في سياسة منطقة الخليج الخارجية التي بقيت إلى حد بعيد تعول على الأمريكيين وحدهم لاعباً رئيسياً في السياسة الدولية، ولكن التساؤل ينصب حول قدرة الخليج على تفهم المزاج الروسي خاصة أن الخبرة التاريخية غير متوفرة في العلاقات بين الخليج والكرملين، وربما لا تمتلك إلا دول عربية قليلة شيفرة التعامل مع الدب الروسي، فمن الواضح أن المزاج الروسي لم يتغير جذرياً بين الحقبة السوفيتية والحقبة البوتينية، ففي النهاية يبقى طاقم الرئاسة الروسية نتاجاً لثقافة إدارية تنتمي للمؤسسات السوفيتية وفي مقدمتهم بالطبع الرئيس بوتين الابن الشرعي للمخابرات الروسية بكل اعتدادها وصلفها ومراراتها المتراكمة.