الفرصة الأخيرة أمام المعارضة السورية
حالت التجاذبات الإقليمية دون مشاركة ممثلي المعارضة السورية كافة في لقاء الرياض الذي انطلق أمس. لكن بالرغم من بعض الغيابات المهمة، يبقى للحاضرين وزن كبير ومؤثر في فسيفساء جماعات المعارضة، التي لم يعد بوسع أكثر الخبراء تعمقا بالشأن السوري فك طلاسمها.
اللقاء تنظمه وتحتضنه الرياض، لكنه ليس عملا سعوديا منفردا، وإنما يأتي في سياق تفاهم دولي وإقليمي تبلور بعد "فيينا2"، وكخطوة تسبق "نيويورك1" هذا الشهر.
السعودية، وبحكم نفوذها الواسع في أوساط المعارضة السورية، هي المؤهلة دون غيرها لجمع شتات المعارضين السوريين وتوحيد كلمتهم، ليكونوا شركاء في عملية الانتقال السياسي التي توافقت عليها موسكو وواشنطن وعواصم عربية وإقليمية مؤخرا.
سبق لقوى المعارضة السورية، وفي مناسبات عديدة، أن حاولت توحيد مواقفها على برنامج عمل مشترك. لكن جميع محاولاتها أخفقت، بسبب تشرذمها، وارتباطاتها الخارجية التي تشدها لمصالح متباينة. وبالنتيجة، استعصى على القوى الدولية إيجاد تعريف موحد للمعارضة السورية، أو حتى عنوان داخل وخارج سورية.
تنظيم "داعش" وسواه من الجماعات الإرهابية كان المستفيد من غياب المعارضة الشرعية، مثلما ربح النظام السوري جراء هذه الحال؛ فلم يعد أمام العالم في سورية غير النظام و"داعش"، فمن يختار؟!
وحتى وقت قريب، كان النظام السوري قادرا على كسب المبادرة؛ ففي كل مرة أعلن فيها عن إطلاق حوار سياسي لحل الأزمة في سورية، كان النظام يسارع إلى إعلان موافقته، فيما تتخذ المعارضة موقفا سلبيا، لا بل تفشل في الاتفاق على وفد مشترك لمفاوضة النظام.
قوى دولية عديدة سئمت هذا الوضع، وفقدت الأمل بالمعارضة. وهو ما دفع بدول غربية إلى التراجع عن مواقفها المتشددة من النظام السوري، ومغازلته من جديد.
من الناحية العملية، بدا وكأن المعارضة المعتدلة ليست موجودة، وأن كل ما يحصل في سورية هو حرب بين الجماعات الإرهابية والنظام السياسي.
لقاء الرياض هو الفرصة الأخيرة أمام المعارضة السورية لتعريف نفسها وإثبات وجودها، وإلا فإن العالم لن يكترث بأمرها في المستقبل. فَشل المجتمعين في الاتفاق على وثيقة سياسية مشتركة، ووفد موحد للجلوس على طاولة المفاوضات، يعني أن لا وجود لشريك للمجتمع الدولي غير النظام.
إذا كانت القوى المجتمعة في الرياض وطنية بحق ومعتدلة ومعنية حقا بوقف سفك دماء السوريين، ومنحهم أملا بالمستقبل، فعليها أن تترك خلف ظهرها حساسيات الماضي، والولاءات الخارجية، والحسابات الضيقة، وتنخرط جديا في عملية سياسية تجنب سورية الكيان والدولة الاندثار والضياع.
لقد أصبحت الرياض، ومعها عواصم خليجية وإقليمية، على قناعة بأن الحسم العسكري ليس ممكنا في سورية. روسيا ورغم تدخلها العسكري، تدرك هي الأخرى أن لا حل عسكريا في سورية، ولا بد من مفاوضات تفضي إلى صفقة "انتقالية" تقبل فيها منذ الآن العواصم الأوروبية وواشنطن.
"عملية فيينا" توفر فرصة تاريخية للسوريين، لم يتوافر مثلها من قبل لوضع نهاية للأزمة السورية، عبر عملية انتقالية تنطوي على تنازلات متبادلة، وتوافقات لا بد منها.
الرياض تدرك هذه الحقيقة، ومن الصعب عليها أن تغامر بدور دبلوماسي وسياسي ينتهي إلى الفشل. ولذلك، يسهل القول إن السعوديين لن يسمحوا للشخصيات المجتمعة في الرياض أن تخرج من القاعة من دون اتفاق.