الحرب العجيبة في سورية
ألمانيا آخر الملتحقين بركب التحالف الدولي لمحاربة تنظيم "داعش" الإرهابي في سورية. الحكومة الألمانية صادقت على تفويض يتيح لها نشر 1200 جندي في المنطقة، لدعم عمليات الاستطلاع والتموين لقوات التحالف.
بريطانيا على قائمة الانتظار؛ مجلس العموم البريطاني سيصوت اليوم على المشاركة في عمليات القصف الجوي لمواقع "داعش" في سورية. رئيس الوزراء ديفيد كاميرون متحمس للمهمة، خاصة بعد هجمات باريس، لكن الرأي العام والبرلمان منقسمان حيال الأمر.
لم يعد بوسع المرء أن يحصي عديد الدول التي أعلنت مشاركتها في التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة، أو التحالف بقيادة روسيا، وتلك التي قررت المشاركة منفردة، والدول التي تدعم المشاركين بالمعلومات. حرب عالمية بكل معنى الكلمة.
طائرات من مختلف الأنواع شاركت في عمليات القصف على مدار أشهر طويلة؛ بطيار وبدون طيار، "سوخوي" و"أف 16"، وغيرها الكثير. الدنمارك وكندا والتشيك وأستراليا، كان لها نصيب من الطلعات الجوية. دول المنطقة جميعها، باستثناء لبنان، حامت طائراتها في سماء الرقة ودير الزور والموصل.
لدينا إحصاءات بعدد طلعات التحالف الجوية، وهي بالآلاف. لكن لم نعرف كم أطنان الذخيرة التي ألقتها من السماء. أظن أنها تعادل ما سقط على برلين أو باريس في الحرب العالمية الثانية، فحولت المدينتين إلى ركام.
عجيب أمر "داعش"؛ هل يملك جيشا أقوى من جيش هتلر، وترسانة عسكرية تفوق ما كان لدى جيش صدام حسين الذي لم يصمد أكثر من أسبوعين؟!
كيف يصمد بضعة آلاف من المقاتلين سنتين تحت وابل من القذائف الذكية، وينهار جيش يعد بمئات الآلاف في غضون أسبوعين؟
وفي المقابل، كيف تتمكن قوات "مليشيات" البيشمركة الكردية من تحرير بلدات وتلال من قبضة "داعش"، وهي لا تملك الطائرات والمدافع، بل مجرد بنادق رشاشة وأسلحة خفيفة؟
والأدهى أنه بينما تكثف أميركا وروسيا من قصفهما الجوي، يسجل "داعش" تقدما على أكثر من جبهة. تذكرون؟ في عز القصف الأميركي على الرقة، احتل مقاتلو التنظيم مدينة تدمر. أرتال المقاتلين كانت تزحف صوب المدينة في عز الظهر، ومن فوقها طائرات الاستطلاع والرصد، لكن لا المقاتلات السورية تحركت ولا الأميركية.
يقول خبراء الحرب إن القصف الجوي لن يغير ميزان القوى على الأرض، ومن دون قوات برية يستحيل تحرير الرقة من يد الإرهابيين. إذن، ما جدوى القصف طوال هذا الوقت؟ وما قيمة التحاق دول جديدة بقوات التحالف؟
هل تحرير الرقة مرهون بالتدخل البري؟ بغداد سقطت قبل أن تدخلها الدبابات. وفي ليبيا حسمت المعركة مع قوات القذافي من السماء. هزائم العرب في الحروب مع إسرائيل كانت على يد سلاح الجو. هل يعقل أن سلاح الجو فقد قيمته في الحروب؟ ألم يحسم المعركة في يوغسلافيا قبل عقدين؟
إذا سلمنا بحدود الضربات الجوية وقدرتها على الحسم، فإن دخول ألمانيا وبريطانيا سماء المعركة لا يعني شيئا؛ مجرد تنويع في أعلام الطائرات، يضيف للاستعراض الجوي في سماء سورية ألوانا جديدة.