التقسيم و إعادة الترسيم
تصريح مدير الاستخبارات المركزية الاميركية جون برينان، حول وصفة تقسيم سورية، لم يأت بجديد، فالخلاصة التي وردت على لسانه باعتبارها الحل الوحيد، هي كلمة السر، في كل ما يجري في المنطقة، وهي ذاتها التي نراها في العراق واليمن وليبيا. استثارة كل التناقضات الغافية في العالم العربي على اساس ديني او طائفي او مذهبي او عرقي، وتثوير كل هذه التناقضات بين مكونات المنطقة، يأخذنا بشكل طبيعي جدا، الى استحالة التعايش بين هذه المكونات، فلا يكون امامها الا وصفة «الفصل بين المكونات» وفقا لتعبير دبلوماسي اميركي، يعتقد ان الفصل والترسيم، هما الحل الوحيد المتاح في المنطقة. يرى محللون بريطانيون حصرا هنا، في دوائر التحليل المغلقة، ان توقف الحروب القائمة في المنطقة، سيؤدي الى حروب من نوع آخر، اي الثارات على خلفية الحروب الجارية، مع الاعتقاد ان المنطقة امام عقدين من الانتقامات المتبادلة، على خلفية مايجري فيها حاليا، وان هذا المناخ، لايمكن الخلاص منه، الا بعزل المكونات الحاقدة على بعضها البعض، في دويلات جديدة. تصريح مدير الاستخبارات المركزية الاميركية، يؤشر من جهة اخرى، على ان اشهار هذا الحل، يأتي من باب توقعه والتخطيط له، والارجح ان وصفة التقسيم ستشمل دولا عربية اخرى، وتحديدا دولتين في المشرق العربي، ودولة في المغرب العربي، غارقة في الثروات، وبعيدة عن الربيع العربي، حتى الان، ومخطط تثوير التناقضات، يجري بوسائل محلية، وادوات سياسية واعلامية ودينية، وتتم تغذيته من الخارج بوسائل من ذات الطبيعية. لايوجد اي سبب سيمنع مخطط التقسيم سواء في العراق او سورية، او بقية الدول، فهذه الكيانات باتت هشة جدا، وضعيفة، وقابلة للتقسيم الفعلي، على اساس الحدود، بعد ان تم التقسيم الوجداني، بين مكونات هذه الدول، وقد قيل مرارا، ان كيانات المنطقة لن تبقى كما هي، فأما تتشظى وتنقسم على اثنين او اكثر، واما تكبر بضم اجزاء من دول تشظت، ولايمكن الحديث عن بقاء ذات الكينونات الوطنية كما هي، الا من باب الامنيات، ولعل طوق النجاة المتاح، التوسع، بدلا من التشظي والانقسام. مخطط التقسيم له غايات عديدة، ابرزها انتاج دويلات اكثر ضعفا، اكثر هشاشة، اقل خطرا، وتفتيت الثروات على اكثر من جهة، اضافة الى تعميق الكراهية على اساس المذاهب او الدين او الطائفة او العرق، وهذا اذا كان يجري كرمى لإسرائيل من جهة، ونحن نلاحظ كيفية ابتلاء كل جوار اسرائيل بقصص مختلفة، الا انه بات مثل الوباء، يتنقل من دولة الى اخرى، ولا مصدات شعبية في وجه هكذا مخططات، بل ان الجمهور على الاغلب الوسيلة الاساس في تحويل هذه المخططات الى واقع. مايجب قوله بصراحة، ان المنطقة قد تكون امام احد خيارين، اما استمرار الحروب الطاحنة، واما تطبيق نظرية الفصل بين المكونات، حتى يتوقف نزف الدم، وفي لحظة ما، قد يختار كثيرون نظرية الفصل بين المكونات واعادة ترسيم المنطقة الى دويلات جديدة، بأعتبارها الحل الوحيد المتاح، بدلا من التمسك بكينونات اكبر، تؤدي الى سفك دمهم في هذه المرحلة، وهذه هي الحقيقة الصادمة، فكثرة قد لاتأسف على اعادة تقسيم المقسم اساسا!.