الأسد والأكراد: مناورة أم تمرين؟
فجأة، انهار أول من أمس الاتفاق الميداني "الضمني" بين قوات نظام بشار الأسد والمليشيات المتحالفة معها، وبين ما يسمى "وحدات حماية الشعب الكردي" التابعة لحزب "الاتحاد الديمقراطي الكردي" بزعامة صالح مسلم، في منطقة الحسكة. لكن لماذا الآن، بعد صمود ذاك الاتفاق قرابة السنتين؟ وهو سؤال يظل قائماً حتى في حال النجاح في احتواء المواجهات الحالية؛ أي إن الصدام بين الطرفين سيعود للتجدد مستقبلاً، بل وتوسعه، بالنظر إلى المعطيات المتغيرة في المنطقة، لاسيما في سورية والعراق، في ظل الحرب الدولية على تنظيم "داعش".
من ناحية أولى، قد تبدو مواجهات الحسكة مناورة من الطرفين لتعزيز مواقعهما على الأرض عشية "حوارات موسكو" نهاية الشهر الحالي. فكما تأكدت مشاركة نظام الأسد في تلك الحوارات، فإنه تُرجح مشاركة حزب "الاتحاد الديمقراطي الكردي". وبدهي أن يسعى الحزب إلى ترسيخ "استقلال" المناطق التي يسيطر عليها، وهو الذي كان قد أعلن عن إنشاء إدارات ذاتية في الجزيرة والحسكة شرقاً وعين العرب (كوباني) وعفرين، فيفرض (الحزب) بذلك نفسه طرفاً رئيساً صانعاً للمستقبل، لا في مواجهة النظام فحسب، بل وأيضاً في مواجهة الأحزاب الكردية الأخرى.
والحقيقة أن موسكو وحواراتها، التي يعلن أصحابها الروس أنها لن تكون جوهرية بالضرورة، تظل محطة ثانوية في مسيرة الأكراد الحازمة نحو الاستقلال عن/ في سورية، أياً ما كان الشكل الذي ستتخذه نهاية الحرب الدائرة هناك. فكما يتوقع الخبير الأميركي بشأن الحرب السورية، جوشوا لانديز، فإن جميع القوى ستخرج من هذه الحرب منهكة "ربما باستثناء الأكراد". وهؤلاء تحديداً باتوا يتمتعون بدعم أميركي شبه صريح باسم "حماية الأقليات"، وإلا فبدعوى أنهم القوة الوحيدة الموجودة على الأرض بشكل متماسك، وبما يسمح لهم بأداء دور فاعل في محاربة "داعش" في تلك المناطق، ولو إلى جانب قوى أخرى، لكن تظل النتيجة النهائية تعزيز قوة الأكراد، وبالتالي استقلالهم.
هكذا، فإنه إن لم تتواصل المواجهات الحالية بين قوات ومليشيات الأسد وبين "وحدات حماية الشعب"، وتتحول إلى جبهة جديدة كاملة، فإنها ستظل في أحسن الظروف، مجرد "بروفة" أو تمرين لما هو قادم حتماً حتى في حال انتصار "الحليف" نظام الأسد. والأهم أن هذا السيناريو لن يكون مقتصراً على الأكراد، بل سيشمل كل القوى والمليشيات المنضوية تحت لواء النظام، والتي ستطالب، كما أشار الباحث يزيد صايغ مبكراً، إلى حصتها العادلة من الكعكة مقابل تضحياتها في الحرب. وبحيث يكون متوقعاً أن نشاهد داخل هذه القوى ما نراه من اقتتال الآن داخل فصائل المعارضة السورية المسلحة.
يبقى ثمة أمر جوهري يثيره الاستقلال الكردي في عهد "البعث السوري" القومي، عقب تحقق الاستقلال الكردي في عهد "البعث العراقي" القومي، وصولاً إلى ترسيخه إبان حكم نوري المالكي الطائفي؛ فالقاسم المشترك بين المسؤولين عن تقسيم العراق وسورية على تنوعهم وعدائهم لبعضهم بعضاً، أنهم جميعاً ودائماً مستبدون، وهذه كلمة السر المعروفة بداهة في تفتيت الأوطان.