أوباما والنظام الدولي في سورية
هناك مدخلان ينتميان للمدرسة الواقعية في العلاقات الدولية، لتحليل السياسة الخارجية. الأول، الواقعية الكلاسيكية التي انتشرت بعد الحرب العالمية الثانية وحتى السبعينيات، وكانت ردا على المدرسة الليبرالية في العلاقات الدولية. والثاني، الواقعية الثانية منذ السبعينيات، وسميت "الواقعية الجديدة" أو "البنيوية"، وتعرضت لنكسة مطلع التسعينيات بانتهاء الحرب الباردة، لكن تحليلها بقي قوياً. إلى ذلك، تبدو سياسات الرئيس الأميركي باراك أوباما مزيجا مخيبا لآمال كل النظريات، ولأغلب حلفاء الولايات المتحدة.
تقوم الواقعية الجديدة على القول إنّ أكثر ما يهم القوى العظمى المستفيدة من النظام الدولي (المهيمنة فيه وعليه)، هو الحفاظ على التوازن الذي يحفظ مكانتها. وكان الواقعيون الجدد يؤمنون أن توازن القوة بين القطبين الأميركي والسوفييتي، أهم ما يحقق الاستقرار. لكن انهيار الاتحاد السوفيتي وظهور الولايات المتحدة كقطب واحد، أربك هذه النظرية وأصحابها؛ ففكرة الأحادية القطبية لم تمر بخاطرهم.
رغم كل شيء، على قادة الولايات المتحدة، بموجب "الواقعية"، مراقبة التوازنات الدولية، وكيف ينحرف النظام الدولي، وليس من مصلحتهم أن تصعد قوى تغير شكل النظام بإيجاد قوة منافسة.
الآن، مع اقتراب خروج أوباما من البيت الأبيض، يبدو أنّه يدير سياسة بلاده بالقطعة، ضمن تصور أهم ما فيه تحاشي استخدام القوة العسكرية قدر الإمكان، وإذا استخدمها فبغطاء دولي، والتوصل لتفاهمات مع الخصوم قدر الإمكان، حتى وإن أغضب هذا الحلفاء. وتشكل سورية أفضل تجسيد لهذه السياسة.
في سورية، تردد أوباما في العمل على فرض تصور محدد هناك، وامتنع عن عمل عسكري ضد النظام السوري، وامتنع عن تقديم دعم عسكري يذكر للمعارضة هناك (سوى في مراحل متأخرة). وأكثر من هذا أنّه لم يمانع تعظيم الدور الروسي هناك، وكان استخدام الأسلحة الكيماوية في سورية في آب (أغسطس) 2013، خير مثال. فحينها، جرى تقبل الاقتراح الروسي بشأن تفكيك الأسلحة الكيماوية، والتراجع عن ضربات عسكرية هناك، رغم أنّ هذا يعزز من دور روسيا في سورية، ورغم أنّ هذا يعني تقبل وضع يستمر فيه النظام السوري، ولا يقدم دعما للقوى المعارضة، ويغضب حلفاء واشنطن العرب. ووصل الأمر إلى مدى غير مسبوق وهو يسمح بل ويبارك فعلياً التدخل الروسي العسكري الراهن في سورية، ويطلب من أي معارضة تريد دعماً أميركياً أن لا تحارب النظام السوري، وأن تحارب "داعش" فقط. وبحسب دراسة في مجلة "فورين أفيرز"، صدرت مؤخرا، كانت سياسة أوباما "هزيمة داعش"، و"الضغط على الأسد".
هناك فهمان لسياسة أوباما التي لا تمانع، بل وتسهل، الدور الروسي في سورية. أولهما، أنّ أوباما لا يرى في روسيا أي خطر يذكر، وأنّه يعتقد أنّ أي مكسب تحققه موسكو في سورية لا يغير توازنات القوة العالمية، وأن روسيا ستبقى مجرد دولة كبرى بعيدة عن أن تمتلك قوة تجعلها قوة عظمى، وبالتالي هو يعتقد أنّه يستخدم روسيا لمصلحة أميركية.
الفهم الثاني، أنّه لا يمتلك استراتيجية متكاملة. فحتى لو افترضنا جدلا أنّه لا يرى خطرا في التدخل الروسي، وأنّ هذا لا يغير موازين القوى العالمية أو يغير شكل النظام الدولي، فإنّ عضوية تركيا في حلف شمال الأطلسي "الناتو"، تقتضي منه عدم الوقوف على الحياد في النزاع التركي الروسي الراهن. هذا فضلا عن عدم اهتمامه بحلفائه العرب، ومنهم السعودية وباقي دول الخليج العربية. وبالتالي، فإنّ التدخل الروسي إن افترضنا أنّه لا يغير التوازنات العالمية، وهو على الأغلب كذلك، يبدو تهديداً للنظام الإقليمي في الشرق الأوسط.
يميل أوباما للحديث عن القانون الدولي والقرارات الدولية كغطاء لأي تحرك عسكري له، وهذه فكرة ليبرالية، لكن الليبرالية تقتضي دعم الديمقراطيات ومحاربة الدكتاتوريات، لكنه لا يكترث بهذا ويبدو قريبا من التعايش مع نظام بشار الأسد، وهذا سلوك واقعي لا يكترث بأنواع الأنظمة. ويبدو كمن يتعامل بالقطعة مع الأزمات، ويهمل مفهوم النظام الدولي، ويهمل حلفاءه إلى حد كبير.
التفكير المنطقي الوحيد من قبل سياسي أميركي أنّه يسعى إلى نظام إقليمي جديد وحلفاء جددا في الشرق الأوسط، وإلا فإنّه يخاطر بكل التوازنات، وهذا أمر غريب.