لقمة عيش مغمسة بالأوجاع والآلام...تحاكي واقع عاملات صالونات التجميل
"بنحرث علينا حرث" عبارة جسدت واقع النساء العاملات بصالونات التجميل من ذوات الجنسية الأردنية والسورية داخل الأردن، جراء تعرضهن لجملة من الانتهاكات المركبة التي يعشن تفاصيلها خلف أبواب الصالونات المغلقة، بعيداً عن أنظار طواقم تفتيش الجهات الحكومية، من بينها غياب شروط السلامة المهنية والصحية، وزيادة ساعات العمل عن الـ 8 ساعات المسموح بها قانونًا، فضلًا عن عدم وجود فترات راحة خلال ساعات العمل.
ابتسام، 47 عاماً، عاملة تجميل، أردنية الجنسية، قضت 30 عاماً من عمرها تعمل في صالونات التجميل بمحافظة إربد، سردت قصتها الطويلة: "عشت تفاصيل مأساة عاملات صالونات التجميل الأردنيات والسوريات، حيث في مجالنا نواجه الانتهاكات بشكل مستمر"، خلال 30 عامًا عملت في صالونين وكانت الانتهاكات التي نعيشها مركبة من استغلال بساعات عمل تتجاوز 8 ساعات وتصل إلى 12 ساعة يومياً، مما يعكس عدم إنصاف أصحاب الصالونات بحقوق العاملين والعمل، " بس صحابات الصالونات بيضلوا يحرثن يحرثن والله يعني بتلاقي مشقة هيك ما بتعطيك اجرك"، لتبلغ الأجور الشهرية للعاملات متراوحة فيما بين 150 ل200 دينار وفيما يتعلق بذوات الخبرة لا يتجاوز أجورهم 300 دينار.
بينما تواجه العاملة ريم سورية الجنسية، والبالغة من العمر 37 عاماً ذات الإنتهاكات التي تعاني منها معظم عاملات صالونات التجميل، لافتة إلى عدم التزام صاحبات صالونات التجميل في توفير شروط السلامة المهنية والصحية للعاملات، من ارتداء القفازات والكمامات لتجنب آثار مخاطر اصباغ الشعر و الأكسجين، مما يؤثر على سلامة وصحة العاملات، "و يجعلهن عرضة للإصابة بحروق الجلد"، الإصابة بالديسك والأمراض الصدرية، في وقت نعاني من ضغوطات العمل، "بس تعب والله تعب الصالونات".
مخاطر العمل في صالونات التجميل
حسب دراسة أعدها مركز تمكين للدعم والمساندة "المرأة العاملة في قطاعات السكرتارية وصالونات التجميل والخدمات الصحية المساندة، لا حماية وسوء معاملة"، أظهرت نتائج الدراسة بأن العاملات في صالونات التجميل يمرون بظروف عمل صعبة، وحرمان من حصولهن على العطلات الرسمية، وتقاضي أجور توافق الحد الأدنى للأجور المقررة من قبل وزارة العمل، وأكدت الدراسة بأن كثير من العاملات تعرضن للعديد من إصابات العمل بسبب غياب أدوات الصحة والسلامة المهنية، إضافة إلى إصابتهن بأمراض تنفسية بسبب تعاملهن مع بعض المواد الكيميائية الضارة .
وبدورها توضح اسماء عميرة، مستشارة قانونية و محامية متخصصة في القضايا العمالية و الاتجار في البشر ، أن العاملات في قطاع التجميل يندرجن ضمن إطار قانون العمل الذي يضمن حقوق العمال من حيث العطلات والإجازات و تقاضي أجور لا تقل عن الحد الادني المقرر 260 دينار شهري، وواقع ساعات عمل لا تتجاوز 48 ساعة خلال الأسبوع، أحقية حصولهن على بدل مادي عن ساعات العمل الإضافية.
ويقول خالد ابو مرجوب، رئيس النقابة العامة للعاملين في الخدمات العامة والمهن الحرة، إن العاملات في قطاع صالونات التجميل يواجهن ظروف عمل صعبة، في ظل غياب الحقوق العمالية وعدم توفر معايير العمل اللائق .
ويشير أبو مرجوب، إن الانتهاكات القائمة متواجدة بشكل كبير في صالونات التجميل، جراء رصد العديد من المخالفات والانتهاكات المتعلقة بالحقوق القانونية الأساسية، وعدم توفير ظروف عمل ملائمة.
وأشار مجلس إدارة مكتب منظمة العمل الدولي في اجتماعه المنعقد عام 1981 إلى ضرورة التزام الدول الأعضاء بتوفير الظروف الصحية للعاملات في تلك المهن مع مراعاة طابع التكامل بين المسؤوليات والأوضاع والممارسات الوطنية للدول.
ويقول محمد زيود الناطق الرسمي باسم وزارة العمل، أن قانون العمل واشتراطات السلامة والصحة المهنية المنصوص عليها في الانظمة والتعليمات لا تفرق بين العامل الاردني و العامل غير الاردني فجميعهم عاملين وصاحب العمل بموجب أحكام القانون ملزم بتوفير الحماية لهم من الأخطار الموجودة في بيئة العمل، في وقت تتفاوت درجة الالتزام بالسلامة والصحة المهنية من منشأة إلى أخرى، بالتزامن مع المساعي التي تبذلها الوزارة في رفع درجات التزام بمعايير السلامة للعاملين والتأكد من التزام أصحاب العمل بتلك المعايير الواردة في قانون العمل.
عاملات غير مشمولات ضمن الضمان الاجتماعي
تبين خلال التواصل مع سبع عاملات بصالونات التجميل من الجنسيات الأردنية والسورية، عدم اشتمالهن في الضمان الاجتماعي، مما جعلهن يعملن دون شروط تأمن لهن حقوقهن، على الرغم من مطالبتهن من أصحاب العمل، في وقت رفض ثلاثة من أصحاب العمل من محافظتي عمان واربد الإفادة بأي من المعلومات حول حقوق ونظام عمل العاملات لديهم.
وتؤكد دراسة تمكين بأن غالبية العاملات في قطاعات التجميل غير مشمولات تحت مظلة الضمان الاجتماعي، ولا يحصلن على تأمين صحي، إضافة إلى أن عدد من الصالونات لا توفر للعاملات أدوات الصحة والسلامة العامة.
ويشمل قانون الضمان الاجتماعي عاملات الصالونات التي تضم عاملاً واحداً، ويترتب على صاحب العمل غرامات تبلغ 2% شهرياً إذا تأخر عن توريد مستحقات الضمان لمؤسسة الضمان الاجتماعي، ونتيجة لعدم وجود محاسبين لدى الغالبية العظمى من أصحاب الصالونات، في تعمد صاحب الصالون التأخير في توريد هذه المستحقات بدافع النسيان أو عدم الوعي بالقانون مما يحمله أعباء مالية إضافية.
ويوضح أبو مرجوب، أن من أخطر الانتهاكات التي تتعرض لها عاملات صالونات التجميل من الجنسية الأردنية والسورية، في عدم ادراجهن تحت مظلة الضمان الاجتماعي، وعدم الالتزام بالحد الأدنى للأجور، وتجاوز الحد المسموح به في ساعات العمل، وعدم تمتع العاملات بحقهن في العطل الرسمية.
غياب دور التفتيش من قبل الجهات الحكومية
تسرد عاملة التجميل ملك، 27 عاماً وتعمل في مجال التجميل منذ 6 أعوام، "نحرم من الإجازات ونجبر بساعات عمل إضافية دون مقابل، ونعمل دون وجود رقابة علينا من الجهات المختصة، وتمنح زيادة الأجور للعاملات ذوات الجنسيات الاجنبيه فقط، حيث أننا خارج اهتمامات الجهات الحكومية، سواء في عمليات التفتيش أو ضمان حقوقنا العمالية بالتزامن مع عدم حصولنا على أدنى حقوقنا العمالية أو السلامة المهنية والصحية.
وترى المحامية أسما عميرة بأن طبيعة العمل لساعات طويلة، تظهر حقيقة غياب الدور الفعلي لمفتشي وزارة العمل في هذا القطاع تحديدا، حيث تم التفتيش فقط على العاملات الأجنبيات، وتهمل التفتيش على العاملات الأردنيات والسوريات، في وقت تعد هذه المسؤوليات على عاتق الوزارة في التفتيش على انتهاكات العاملات وضبط حالة التلاعب بأجورهن التي لا تصل للحد الأدنى من الأجور، وذلك يعكس حقيقة عدم ترخيص العديد من صالونات التجميل بالمملكة.
ويشير محمد الزيود أن أحكام قانون العمل تلزم أصحاب العمل توفير الاحتياطات اللازمة لحماية العمال، وإخضاع العاملين للتعليمات العامة الخاصة بمخاطر المهنة، والاقتداء بكافة الأنظمة والقرارات التي تلزم أصحاب العمل بكافة الاشتراطات العامة لضمان حقوق العاملين .
ويضيف الزيود أن الوزارة تنفذ جولات تفتيشية دورية على مختلف القطاعات والأنشطة الاقتصادية في كافة محافظات المملكة، إضافة إلى تنفيذ حملات تفتيشية بين الحين والآخر على قطاعات معينة، حيث يبلغ عدد المفتشين 170 مفتش عمل.