بين سندان الفقر والعقلية الذكورية...تقع عاملات المزارع ضحية التحرش

حقيقة مؤلمة يصعب سردها بشكلها الواقعي وبكافة تفاصيلها، لحساسية الواقعة التي يقع ضحيتها عاملات المزارع من ذوات الجنسيات الأردنية والسورية، خلال رحلة عملهم منذ استلاق العربات الخاصة لنقلهم، وصولا إلى المزارع الزراعية التي يعملون بها.

ليجدن أنفسهن ضحية واقع لا يستطيعون تغييره أو الحديث به بشكل علني وصريح، إزاء الواقع الذي يشهدونه، من تحرش لفظي وفعلي وعنف بحقهن خلال مسيرة عملهم داخل المزارع من أصحاب المزارع أو الشاويش الذين يتولون مهام الإشراف عليهم، أو المزارعون ذاتهم، ليقعوا ضحايا العقلية الذكورية التي تنهش كيانهم وشرفهم.

 

لا نعلم ماذا نقول

تسرد العاملة ياسمين محمد أردنية الجنسية وتبلغ من العمر 39 عاماً، حكايتها مع رحلة عملها التي تنطلق من منزلها إلى مزرعة في محافظة أربد التي تسكنها، "يتم نقلنا من خلال بيكم" ولا يتوفر أدنى معايير السلامة في عملية النقل جراء تواجد ما يزيد عن 30 شخص من كلا الجنسين أثناء نقلنا للمزارع، وذلك يجعلنا أكثر عرضة للتحرش أثناء عملية النقل لتواجد عمال من جنسيات أخرى برفقتنا.

وتضيف لم يقف الحال لذاك الحد، حيث تقول لقد اشتكت أحد العاملات من تحرش الشاويش بها أثناء العمل، ولكن هددت من قبل الشاويش بطردها من العمل مما دفعها الصمت وترك العمل للعمل مع شاويش آخر.

وفي حين لم يختلف واقع العاملة السورية يسرى التي تعرضت للتحرش من قبل مزارعون يعملون داخل المزارع التي تعمل داخلها في محافظة الرمثا، جراء قولهم العديد من الكلمات الموجهة لها والعاملات الأخريات اللواتي معظمهم سوريات، مستغلة فرصة بتواجد صاحب المزرعة لتبلغ ابن عمها الذي يرافقهم العمل بالواقعة، ليكن يرد صاحب العمل "ما بدي مشاكل بمزرعة يلي مو عاجبه الشغل يمشي"، مما جعلها تلتزم الصمت.

 مظهره نتائج دراسة أجرتها منظمة العمل الدولية بشأن ظروف العمل في قطاع الزراعة في الأردن بأن حماية العمال الزراعيين غير كافية.

 

مؤشرات مرتفعة

تقول الامينة العامة للجنة الوطنية الأردنية لشؤون المراة سلمى النمس، أن مكان العمل يشكل جزءا من حقيقية تحقيق الذات والإسهام في تحسين الدخل والوضع الأسري، وذلك يجعلنا أمام ضرورة تعزيز أماكن العمل وصورتها عبر إيجاد آليات تضمن خلوها من العنف والتحرش بالعاملات اللواتي يقعن الضحية الاسهل من قبل الذكور.

مشيرة دراسة أجرتها اللجنة الوطنية الأردنية لشؤون المرأة والتي شملت 1366 شخصاً، غالبيتهم من الإناث، لتظهر النتائج بأن نسبة معدل التحرش الجنسي بانواعة المختلفة بلغت 76%، مؤكدة النمس بأن التحرش جريمة، مما يجعلنا على كافة مكونات الدولة العمل بجدية على توفير بيئة عمل خالية من التحرش والعنف لضمان ممارسة كلا الجنسين عملهم بحرية خلال العمل.

بينما أظهرت نتائج دراسة أجرتها منظمة العربية للديمقراطية والتنمية خلال عام 2018 تبين أن 75% من الاردنيات اللواتي تعرضن للتحرش في مكان العمل لم يفكرون في اتخاذ إجراءات قانونية.

وبحسب الإحصائيات المتوفرة من الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي واتحاد النقابات العمالية الدولي، فقد أظهرت النتائج أن 77% من الإناث في أفريقيا تعرضن إلى التحرش او العنف، بينما بلغت 45% إلى 55% في أوروبا، وتشكل ما نسبته 30% إلى 50% في أمريكا اللاتينية، وسجلت ما نسبته 30% إلى 40% في اسيا ومنطقة المحيط الهادي.

ووفقا إلى منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة، الأردن لديه اعلى معدلات مشاركة للإناث في الزراعة في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، ونتيجة لذلك من المرجح تزايد النسبة المئوية للعمالة النسائية في القطاع الزراعي.

 

ظروف عمل متهالكة

اتضح وفق ردود العاملات التي تم مقابلتهم والبالغ عددهم 5 عاملات بأن بيئة العمل داخل المزارع ورحلة وصولهم لعملهم تفتقر للأمان مما يجعلهم يدركون بأن بيئة العمل التي يعيشون وسطها ليست آمنة بشكل مطلق.

ويقول أحمد عوض مدير المرصد العمالي الأردني، أن السيدات يتركز عملهم في الحقول الموسمية ويتزايد ساعات عملهم خلال فصلي الربيع والصيف، مما يجعل من هذه الفترة أرض خصبة لارتكاب الانتهاكات بحقهم، في وقت يشغل السيدات الأردنيات والسوريات المعدل الأعلى من الذكور في عملية زراعة وجني المحاصيل الموسمية، حيث يتمركز عملهم في محافظات الشمال والعقبة.

ويشير عوض إلى أنه للأسف أن واقع السيدات العاملات في قطاع الزراعة غير منظم، يجعلهم امام انتهاكات حقيقية، جراء نقلهم بطرق غير آمنة وغير لائقة مما يجعلهم أكثر عرضة للتحرش من قبل الشاويش أو المزارعون. واتضح خلال عمليات إعداد التقارير والدراسات أن السيدات لا يدركون حقيقة الانتهاكات لحجمها الكبير وبات يتواجد لديهم معتقدات بأنها ممارسات طبيعية اثناء العمل وذلك يجعلها أمام فكرة محورية المحافظة على النفس.

 

القانون لم يمنح حماية من العنف والتحرش

يرى حمادة أبو نجمة رئيس مركز بيت العمال للدراسات، أن القانون لم يمنح الحماية للعاملات من تعرضهن للتحرش، في وقت لم يتضمن القانون بأي شكل من الأشكال بنود قانونية عن الاعتداءات الجنسية في العمل، إلى في نص المادة 29 من قانون العمل، ولكن ذلك ليس قادرا على توفير مفاهيم توضح واقعة التحرش عن التحرش الجنسي.

ويقول أبو نجمة في وقت أشارت اتفاقية 190 الخاصة في القضاء على العنف والتحرش في عالم العمل والصادرة عن منظمة العمل الدولي في عام 2018، والتي تضمنت تفاصيل قانونية توضح العنف المبني على الجنس ومنه التحرش التي أدرج من أشكال التحرش المبنية على الجنس.

وانتقد أبو نجمة القرار الخاص بقطاع الزراعة الذي لم يتضمن أي بنود تتعلق بقضايا التحرش اثناء العمل، وذلك دفع إلى تزايد مؤشرات التحرش داخل المزارع دون وجود نص قانوني رادع، في وقت سمح القانون بأن يقوم المعتدى عليه ترك العمل في حال تعرضه للتحرش، ولكن نجد بأن هذا القانون لا يشكل ضمان حقوق الضحايا أمام القضاء.

ويقول رئيس اتحاد نقابات عمال الأردن، مازن المعايطة: "عملنا ونعمل على التوصل إلى اتفاقيات عمل جماعية تمنع وتجرم العنف والتحرش في أماكن العمل عبر مفاوضات جماعية يتبعها برامج توعوية وتدريبية لإيجاد بيئة خالية من العنف في عالم العمل."

 

العمل توضح ردها

يقول الناطق الرسمي باسم وزارة العمل محمد الزيود أن قانون العمل واشتراطات السلامة والصحة المهنية المنصوص عليها في الانظمة والتعليمات لا تفرق بين العامل الاردني العامل غير الاردني فجميعهم عاملين وصاحب العمل بموجب أحكام القانون ملزم بتوفير الحماية لهم من الأخطار الموجودة في بيئة العمل.

وتسعى الوزارة إلى رفع التزام المنشآت بمعايير السلامة للعاملين بعض النظر عن الجنسية وذلك بالتأكد من التزام أصحاب العمل بمعايير السلامة والصحة المهنية الواردة في قانون العمل للحد من الانتهاكات التي يتعرض لها العاملون.

 

أضف تعليقك