لا معيل يتكفل بالطفلة أسماء وإخوتها الصغار الذين لجؤوا إلى الأردن يتامى، دون أبيهم الذي قضى خلال الأزمة في سورية، أسماء تبلغ من العمر 13 عاما، ولا تحمل في جعبتها الصغيرة سوى قصصا عما مر بها وإخوتها من صور مؤلمة لا زالت تحاصرها أينما حلت.
لجأ إلى الأردن عدد من الأطفال السوريين بدون أب أو أم أو الاثنين معا، ليتربوا في كنف أقارب لهم في الأردن، أو تبحث الجهات المعنية لهم عن مأوى في كنف عائلة مستعدة لاحتضانهم، إلا أنهم جميعا يعانون من مشكلات اجتماعية ونفسية تتفاوت تبعا للظروف المحيطة بهم في بيوتهم وعائلاتهم الجديدة.
تكفل اللاجئ السوري سامي بتربية وإعالة أبناء أخيه الستة بعد أن قتل أباهم في سورية، ويؤكد سامي طلبه المساعدة من الجهات المسؤولة تكرارا دون جدوى.
الناطقة الإعلامية باسم المفوضية السامية لشؤون اللاجئين ديمة حمدان تقول أن عددا كبيرا من هؤلاء الأطفال جاء إلى الأردن دون أحد الوالدين، إلا أن عددا قليلا منهم دخل الأردن دون أي أحد من ذويهم، مشيرة إلى أنه يتم في العادة البحث عن أقرباء لهؤلاء الأطفال بين اللاجئين، حيث أن 80% منهم يتم العثور على أقارب لهم كالجد أو العم أو الخال أو غيرهم، وغالبا ما يتم إلحاق الطفل بهم أو بأحد من عائلته الكبيرة.
إلا أن هناك عدد قليل من الأطفال لا تجد المفوضية لهم أحدا من عائلاتهم على الإطلاق، وتقول حمدان أن المفوضية تبحث لهم عن أسر مستعدة لاحتضانهم وتحمل مسؤوليتهم.
وتشير حمدان إلى أن هذه العملية طويلة ومعقدة باعتبارها مسؤولية كبيرة ويترتب عليها التأكد من أن هذه الأسرة مؤهلة وقادرة على تحمل المسؤولية، وتتم هذه العملية، بحسب حمدان، من خلال إجراء مقابلة مع الأسرة ودراسة حالتها الاقتصادية والمادية، ومدى استعدادها لاحتضان الطفل، مؤكدة أن منظمات أخرى تتدخل في هذه العملية.
وتؤكد حمدان امداد الأسرة التي تحتضن طفلا ماديا، ومتابعتها بصورة دورية ومنتظمة لتقييم وضع الطفل وقدرته على التأقلم مع أسرته الجديدة.
وفيما يتعلق بالأطفال الذين يتم إلحاقهم بأسرهم الطبيعية كالجد أو العم، فإن المفوضية تقوم بتقدير احتياجات الأسرة ودراسة وضعها المادي، لتدفع لمن هم أكثر احتياجا للمساعدات، بحسب حمدان، موضحة أن هذه الإمدادات تتعلق بحجم التبرعات التي تقدمها الدول المانحة، فكلما زاد حجم الدعم، زادت قدرة المفوضية على إمداد هذه الأسر بمساعدات أكبر.
مسؤول الإعلام في منظمة حفظ الطفل والمرأة اليونسف سمير بدران يبين لـ"سوريون بيننا" أن الأطفال الذين عبروا الحدود من غير أهلهم يتم التواصل معهم من خلال المفوضية لحفظهم بقائمة البيانات اللازمة.
ويضيفٍ بدران أن متوسط أعمار الأطفال يتراوح بين 13 عاما و 17 عاما، ويتم دمجهم في التعليم وفي خدمات النفسية الاجتماعية بالتعاون مع مفوضية اللاجئين والمنظمات الأخرى التي لها علاقة في هذا المجال.
الباحثة الاجتماعية في اتحاد المرأة منتهى التيم تؤكد أن عدد الأطفال غير المصحوبين بذويهم بلغ 1130 طفلا سوريا، وهم أطفال دخلوا إلى مخيم الزعتري مع أقارب لهم، بينما بلغ عدد الأطفال المنفصلين عن أهلهم 465 طفلا.
وتشير التيم إلى اتفاقية بين وزارة التنمية الاجتماعية واليونيسف ومنظمات أخرى بهدف متابعة الأطفال وتوفير الحماية لهم والمأوى والدعم الاجتماعي النفسي بسبب تعرضهم الشديد إلى صدمات نفسية وإجهاد وجوع وعدم يقينهم بشأن مستقبلهم.
ومن جانبه أكد الدكتور في الطب النفسي محمد الحباشنة أن هؤلاء الأطفال يتعرضون في الحرب لصدمة كأكثر الآثار السلبية، وغالبا ما يصاحبها خوف مزمن (فوبيا) واضطرابات قلق وصراعات نفسية حادة من الأحداث.
وأضاف حباشنة أن الصدمة ناجمة عن مشاهدة الطفل لحالات وفاة مروعة أو جثث مشوهة لأقارب لهم مما قد يؤثر على قدراتهم العقلية.
ويقارن حباشنة بين حالة الطفل الذي يلجأ مع عائلته والذي حافظ على نفس الكيان الاجتماعي والدعم الأسري والرعاية بحدود دنيا، ومن خرج وحده مواجها مجتمعا جديدا وتحديات التأقلم دون ذويه وتعرضه لمخاطر اجتماعية كثيرة.
كل طفل من هؤلاء الأطفال الذين هربوا من موت أطاح بعائلاتهم، يحمل بين طيات سنواته القليلة الكثير، المنظمات الإنسانية ومؤسسات مجتمع مدني داخل بلدان اللجوء تظل تطلق صرخات نداء واستغاثة لمحاولة ترميم ذاكرة هؤلاء الأطفال خوفا على مستقبلهم.