ميشيل فوكو وحكومة الكائنات الحية

ميشيل فوكو وحكومة الكائنات الحية
الرابط المختصر

على الرغم من أن فكرة السياسات الحيوية قدظهرت لأول مرة عند فوكو في محاضرة ألقاها في عام 1974، إلا أنها قدمت بصورة منهجية في عام 1976 في محاضراته في كوليج دو فرانس وفي كتاب تاريخالجنسانية، المجلد الأول. في هذا العمل، قامفوكو بتحليل وتعين الحدود التاريخية لعدد من آليات السلطةحين كان يقابل السلطة السيادية بالسلطة الحيوية.

 

ووفقا له، فإن الأولى تتميز بعلاقات السلطة التي تعملعلى شكل( "اختزال /خصم /جباية deduction (prelevement": مثل الحرمان من البضائع والمنتجات والخدمات. يتمثل الطابع الفريد لهذه التكنولوجيا من السلطة في حقيقة أنه يمكنهافي الحالات القصوى التخلص أيضا من حياة الأشخاص.وعلی رغم من أن"حق الحياة والموت" السيادي موجود فقط في الصيغالبدئية مع قدر كبير من التخصيص، إلا أنه يرمز إلى النقطة القصوى في شكل السلطةالتي تعمل أساسا بوصفها حق المصادرة.خضع هذا الحق القديم على الموت، في قراءة فوكو، لتحول عميق منذ القرن السابع عشر.لقد تم وبشكل متدرج الحاقشكل جديد من أشكال السلطةبه؛ السلطةالتي تسعى لإدارة وتأمين وتطوير وتعزيز الحياة. يقول فوكو:

 

"لم يعدالــ(خصم)هو الشكل الرئيسي للسلطة، ولكن مجرد عنصر واحد من بين عناصر أخرى، تعملعلى التحريض، والتعزيز، والمراقبة، والرصد، وتحسين وتنظيم القوىالخاضعة لها: السلطة التي تعتزمتوليد القوى، وتنميتها، وترتيبها، بدلا من تلك التي تعيقها، وتخضعها، أو تدمرها. دمج السلطة السيادية في الحيويه ليستحولافي السياسة وحدهابأي حال من الأحوال. بل أنه في حد ذاته نتيجة بعض التحولات التاريخية الهامة".

 

أما اللحظة الحاسمة لدخول الحياة إلى التاريخفكانت الزيادة الصناعية والإنتاج الزراعي في القرن الثامن عشر، وكذلك تزايدالمعرفة الطبية والمعرفة العلمية عن جسم الإنسان. وفي حين أن "الضغوط التي تمارس من قبل البيولوجي على التاريخي"فيشكل الأوبئة والأمراض والمجاعةكانتعالية جدا حتى ذلك الوقت، سمحت الابتكارات التكنولوجية والعلمية والإجتماعية والطبية ب"السيطرة النسبية على الحياة....وبتوسيع وتنظيمفضاءالحركة هذا الذي تم أقتحامه، أخذت وسائل السلطة والمعرفةزمام المسؤولية عن عمليات الحياة وبادرتلمراقبتها وتعديلها ". يرى فوكوأن خصوصية هذه السلطةالحيويةتكمن في حقيقة أنها تعزز الحياة أو لا تسمح بإيصالهاإلى حد الموت، في حين أنالسلطة السيادية إماأنها تأخذ الحياة أو تدعك تعيشtakes life or lets live. تخضع السلطة القمعية على الموتللسلطة على الحياة التي تتعامل مع الكائنات الحية بدلا من الأشخاصالقانونيين. ويميز فوكو بين"شكليين أساسيين"من هذه السلطة على الحياة:إنضباط جسم الفرد والرقابة التنظيمية على السكان.

 

ظهرت تكنولوجيا الإنضباطللإشراف والسيطرة على الجسمفي القرن السابع عشر.تدرك هذه"السياسة التشريحية لجسم الإنسانanatomo-politics of the human body "الإنسان بوصفه آلة معقدة. وبدلا من القمع أو الإخفاء، فإنها تعمل بواسطة تشكيل وهيكلة شبكات الإدراك الحسي والروتين المادي. فى مقابلالأشكال التقليدية للسيطرة مثل الرق أو العبودية، يسمح الإنضباطبزيادة الإنتاجية الإقتصاديةللجسم، بينما يعمل في الوقت نفسه على إضعاف قوته لضمان إخضاعه سياسيا.هذا الإقتران الإقتصادي والسياسي هو بالضبط ما يحددالإنضباط ويؤسس لوضعه باعتباره تكنولوجيا. يقول فوكو في (المراقبة والمعاقبة : ولادة السجن،1977):

"كانت اللحظة التاريخيةللانضباطات هي لحظة ولادةفن الجسم البشري، الذي لم يكن موجها نحو تنمية مهاراته أو تكثيف خضوعه فقط، ولكن لتشكيل علاقة تجعله ضمنآلياتهاذاتها أكثر طاعةكما أنهأكثر فائدة".

 

هنا يستعرض فوكو الطرق التي مورست من خلالها السلطة في مراحل مختلفة من التاريخ الأوروبي، ويبين كيف تم استبدال نظام السلطة الملكي بالديمقراطي. يوظف فوكو بطريقة معبرة صور المعاقبة (بوصفها مظهر التغيير): ففي حين كان الإعدام أمام الجمهور رمز السلطة الملكية، فإن رمز السلطة الديمقراطية هو التأديب والسجن بعيدا عن أعين العامة.

 

معنى هذا التغيير في كيفية معاقبة الخارجين عن القانون هو تغيير في تيارات السلطة التي تعمل في المجتمع: كان الإعدام العلني هو الرمز الخارجي للسلطة الملكية والذي يوظف من أعلى إلى أسفل (الملك الذي يرمز لقوة الأمة)، واستبداله بالوسائل الديموقراطية من العقاب، مثل السجن، يقول إن السلطة الآن تمارسها الأمة كلها. يقابل فوكو هاتين الطريقتين لممارسة السلطة، ويساعدنا على فهم الإختلافات:

 

"هذه الآلية الجديدة للسلطة تعتمد على الأجساد وماذا تفعل، أكثر من اعتمادها على الأرض ومنتجاتها. إنها آلية للسلطة تسمح بإستخلاص الوقت والعمل، بدلا من الثروة والسلع، من الأجساد. وهي نوع من السلطة التي تُمارس باستمرار عن طريق المراقبة بدلا من الطريقة المتقطعة لنظام الضرائب أو الالتزامات الموزعة على الوقت. إنه يقتضي ضمنا وجود شبكة متماسكة بإحكام من الإكراه المادي بدلا من الوجود المادي للسيادة. إنها تعتمد في نهاية المطاف على المبدأ الذي يدخل اقتصادا جديدا للسلطة، وهو أنه يجب أن يكون المرء قادرا ـــ في الوقت نفسه وعلى حد سواء ــــ على زيادة القوى الخاضعة وتحسين قوة وفعالية تلك التي تُخضعها".

 

يدرس فوكو كيف أن الإنضباط/التأديب، بوصفه نوعا من التنظيم الذاتي ـ يجري تشجيعه من المؤسسات، ويصبح هو القاعدة في المجتمعات الحديثة، ويعمل بالنسبة للفرد كأداة لتغيير الواقع ونفسه: "يجب أن نتوقف مرة واحدة وإلى الأبد عن وصف آثار السلطة بمصطلحات السلبية: إنها "تقصي "، إنها "تقمع"، إنها "تراقب"، إنها "تستخلص"، إنها "تُقنّع"، إنها "تُخفي". في الواقع، فإن السلطة تنتج. تنتج الحقيقة. وتنتج مجالات الأشخاص وطقوس الحقيقة. توظف المؤسسات مختلف أنواع إنفاذ وتعزيز السلطة، مع آليات وتقنيات محددة: يبين فوكو كيف أن المستشفى، والعيادة، والسجن والجامعة تتقاسم بعض هذه التقنيات والممارسات التأديبية.

 

الإنضباط هو قلق السيطرة الذي جرى تذويته عند كل فرد، إذ يشير إلى العلامات التوجيهية الزمنية، والموقف والوظائف الجسدية، وتسامي الرغبات والعواطف التلقائية. كل هذه هي آثار الضغط الإنضباطي، ولكن أيضا الإجراءات التي، من خلال الضغط المفروض في البداية خارجيا، تؤدي إلى الإنضباط الذاتي للفرد وفي نهاية المطاف إلى إنتاج الفرد نفسه كشخص منضبط. الميزة الأكثر أهمية في أطروحة فوكو هو الـتأكيد على الطبيعة الإنتاجية لممارسة السلطة الحديثة. لقد كان الهدف الرئيسي هو قلب المفهوم السلبي للسلطة رأسا على عقب ومنح سمة إنتاج المفاهيم والأفكار وهياكل المؤسسات إلى دورة وممارسة السلطة في أشكالها الحديثة.

 

بالنسبة لفوكو، فإن الإنضباط هو عبارة عن مجموعة من الإستراتيجيات والإجراءات والسلوكيات المرتبطة بسياقات مؤسسية معينة والتي تسيطر بعد ذلك على التفكير العام للفرد وعلى سلوكه.

 

يعمل الإنضباط من خلال أربع طرق محددة :

 

أولا، من خلال الإحلال المكاني المحدد للأفراد والذي عادة ما يتم تحقيقة بالسجن. يُفصل السجين عن زملائه قبل أن يسجن في غرفة معزولة (الفكرة ذاتها تصلح للمرضى في العيادات النفسية). ويمكن الحصول على هذا التوزيع المكاني في المجتمع بوسائل أخرى أيضا، مثل فصل الأفراد إلى مجموعات غير متجانسة (على سبيل المثال، فصل الطلاب عن العمال)، ووضع الأفراد والآلات في غرف منفصلة، كما في التخطيط المعماري للمصنع، أو من خلال العلاقات الهرمية (يعيش الجنود والضباط في غرف منفصلة). وبتعرضهم لمثل هذه المعاملات،فإن الأفراد يتعين عليهم "معرفة مكانهم" في سياق الإقتصاد العام للمكان المرتبط بالسلطة التأديبية. ثانيا، يعمل الإنضباط من خلال مراقبة الأنشطة. تميل السلطة التأديبية الى استخدام جسم الفرد للحصول على "الوقت والعمل"، بدلا من "الثروة والبضائع". الوقت "المستخرج" من الجسم من خلال رقابة صارمة على أنشطته، بمساعدة من الجدول اليومي الدقيق، وعن طريق ضبط تحركاته ضمن سلسلة من المراحل الزمنية، ومن خلال الربط بين المواقف والحركات الجسدية أو من خلال مزامنة حركة الجسم مع حركة كائن أو شيئ (كما هو الحال مع السلاح في التدريب العسكري).

 

ثالثا،الإنضباطالمتمثل في تنظيم مراحل التعليم، ولا سيما في الممارسات التربوية. تُطور السلطة التأديبية شفرة عامة للعلاقات بين السيد والخاضع في المناطق التعليمية المختلفة، التي تُرّمز قطاعات التدريس في مراحل تراتبية، كل مرحلة أكثر تعقيدا وصعوبة من السابقة. وهذا يسمح بالرصد الفعال للتقدم في اكتساب القدرات المطلوبة، ويسمح أيضا بالتمايز بين الأفراد الذين هي أكثر أو أقل مهارة.

 

رابعا،الإنضباط نتيجة التنسيق العام بين جميع أجزاء النظام: يتم دمج الإجراءات التعليمية فيما يتعلق بجسم الفرد بآلية أكبر، والسلسلة الزمنية هي أيضا جزء من هذه الآلية، وهناك مجموعة دقيقة من الأوامر. ولإنشاء هذا التنسيق، يوظف الإنضباط ما يسميه فوكو "تكتيكات"، التي من خلالها "يتم زيادة انتاج مختلف القوى بتجميعها المحسوب".

 

والقصد من وراء هذه الأساليب هو انتاج ترتيب وانتظام. ولكن يبين فوكو أن التأثير هو عكس ذلك تماما: بناء الذات الفردية من خلال الإنضباط الداخلي يؤدي إلى هويات مختلفة. فالفردانية ابتكار حداثي، فضلا عن الإدعاء الذي يفترض أنه سينشأ؛ إن المجتمع يقر الفردية والإختلاف. وهذا أثر غير مقصود بل وحتى غير مرغوب فيه من المشروع التأديبي الأولي. يقول فوكو: "إن الفرد لا ينبغي تصوره بوصفه نواة ابتدائية، أو ذرة بدائية، أو مادة متعددة وخاملة جاءت السلطة لربطها قبل أن تتظاهر ضدها، وبذلك تهزم أو تسحق الأفراد. في الواقع، فإن أحد الآثار الرئيسية للسلطة هو أن بعض الاجساد، وبعض الإيماءات، وبعض الخطابات، وبعض الرغبات، تحدد وتشكل كأفراد. الفرد، ليس مقابل السلطة ؛ هو، على ما أعتقد، واحد من آثارها الرئيسية ".

 

في النصف الثاني من القرن الثامن عشر ظهرت تكنولوجيا أخرى للسلطةلم تكن موجهة لأجسام الأفراد ولكنللجسم الجمعيللسكان. لا يتصورفوكو السكان"بوصفهمكيانا قانونيا أو سياسيا (على سبيل المثال، مجموع الأفراد)، لكن جسدا بيولوجيا مستقلاً: "الجسد الاجتماعي" الذي يتميز بالعمليات والظواهر الخاصة به، مثل الولادة، ومعدلات الوفاة، والحالة الصحية، والعمر، وإنتاج الثروة وتوزيعها. مجمل العمليات الملموسة علىالسكان في الحياة هيالهدف من "تكنولوجيا الأمن".

تستهدف هذه التكنولوجياالظواهر الجماعية للسكان وشروط الإختلاف من أجل منع أو احتواء الأخطار والمخاطر التي تنجم عن وجود السكان، بوصفهم كيانا بيولوجيا. والأدوات الموظفة هنا هي التنظيم والسيطرة، بدلا من الإنضباط والرقابة.

 

لقد حددوا"التكنولوجيا التيتهدف إلى إقامة نوع من الركود، ليس عن طريق تدريب الأفراد ولكن من خلال تحقيق التوازن العام الذي يحمي أمن الجميع من الأخطار الداخلية ".تكنولوجيا الإنضباطوتكنولوجيا الأمن لا تختلفان فقط في أهدافهما وأدواتهماوتوقيت ظهورهما التاريخي،ولكن أيضا من حيث موضعتهما مؤسساتيا. فقد تطور الإنضباط داخل مؤسسات، مثل الجيش، والسجون، والمدارس، والمستشفيات، في حين نظمت الدولة ومركزت تنظيم السكان منذ القرن الثامن عشر. تعد البيانات الديموغرافية هامة في هذا الصدد، وكذلك دولة الموارد والتعدادات الإحصائية المتعلقة بمتوسط العمر المتوقع وتواتر المرض.لذلك، قد يمكننا أن نستشف هناسلسلتين : "سلسلة: الجسم ـــــالكائن الحي ـــــ الإنضباط ـــــــ المؤسسات. وسلسلة: السكان ـــــالعمليات البيولوجية ـــــآليات التنظيم ـــــ الدولة ".

 

والفرق بين عنصري السياسات الحيويةينبغي،مع ذلك، الاعترافبه بحذر. يشدد فوكو على أن الإنضباطوالسيطرةيشكلان "قطبين للتنمية مرتبطينمعا عن طريق مجموعةوسيطة كاملة من العلاقات". هما ليسا كيانين مستقلين ولكن يحدد بعضها البعض. وفقا لذلك، فإنالإنضباط ليس شكلا من أشكال صنع الفرديةالتي يتم تطبيقهاعلى الأفراد الموجودين بالفعل،بل أنه يفترض التعددية.وبالمثل، فإن السكان يشكلونالجمع والتجميعلأنماط فردية موجودة إلى شكل سياسي جديد.

 

يترتب على ذلكأن "الفرد" و "المجموع" ليسا طرفي نقيضبل جانبين من جوانب التكنولوجيا السياسية العالمية التي تهدففي وقت واحد للسيطرة على الإنسان بوصفه الجسمالفردي وعلى الإنسان بوصفه نوعا بيولوجيا. وعلاوة على ذلك، فإن التمييز بين النوعين منالتكنولوجيات السياسيةلا يمكن الحفاظ عليه لأسباب تاريخية.على سبيل المثال، تعمل الشرطة في القرن الثامن عشرباعتبارها جهاز الإنضباطوجهاز الدولة.

 

اعتمدتنظيم الدولة في القرن التاسع عشرعلى مجموعة من مؤسساتالمجتمع المدني، مثلالتأمين، والمؤسسات الطبية والنظافة، وجمعيات المعونة المتبادلة، والجمعيات الخيرية، وهلم جرا.في غضون القرن التاسع عشركان من الممكن مراقبة التحالفات بين هذين النوعين من السلطة التي يصفهافوكو ب "الجاهزيات" (dispositifs).

 

تفهم "جاهزية الأمن “apparatus” (dispositif) of security:" مثلا في( الأمن والاقليم والسكان)كجزء من نوع جديد من الحكمتكون الحياة فيه هيالخزان الذي يجب استغلاله إلى حد مابعيدا عن القيود القانونية أو الإنضباطية. في بداية (الأمن والإقليم و السكان)،يفسر فوكوذلك عن طريق تحليلالسرقة. يمكن أن تفهم السرقة باعتبارها مخالفة لا بد من التعامل معها وفقا لجدول محدد مسبقا من العقاب، أي باعتبارها مشكلة قانونية. ويمكن أن ينظر إليها باعتبارها شكلا من أشكال السلوك المنحرف الذي يجب تصحيحه من خلال تطبيق تقنيات مختلفة، أي بوصفه مشكلة تأديبية؛ وأخيرا، فإنه يمكن أن تؤخذ على أنها ظاهرة إحصائية، حيث يجب على المرء أن يوازن بين الخسائر والمكاسب من التدابير التأديبية، وربما أن يسمح بمدى معين من الجرائم، على أساسه يمكن صياغة المشكلة من الناحية الأمنية. ويستند هذا الحل الثالث على الاحتمالات، على حساب التكلفة. والإشكالية التي تطرحهنا هي كيفية تحقيق التوازن الأمثل. يحذرنا فوكو من النظر إلى هذه النماذج بوصفهاتطورا زمنيا من القديمإلى الحديث، أو أنهاتشكل الطريق نحو زيادة العقلانية، بدلا من ذلك فهي حاضرة دائما بوصفها هياكل معقدة حيث، في كل حالة،يهيمن أحدالعناصر على الآخرين. وهكذا، على سبيل المثال، يتكاملالأمن مع القانون والإنضباط، ولكن في شكل مرؤوس، مثلماأن القانون والإنضباطيحتوي كل منهما العنصرين الآخريين.

 

ووفقا لفوكو، فإن"جهاز الجنسانية" االذي حققه في كتابه تاريخ الجنسانية، المجلد الأول - يحتل مكانة بارزة في هذا الإطار.يهتم فوكو بالجنسانيةبسبب موضعهابوصفها "في بؤرة  تقاطع محوري" السلطة. تمثل الجنسانية السلوكالجسدي الذي يؤدي إلى توقعات معيارية ومفتوحة لتدابير المراقبة والإنضباط. فيالوقت نفسه،هي أيضا مهمة لأغراض التناسل وعلى هذا النحوفهي جزء من العملياتالبيولوجية للسكان. وهكذا، تحتل الجنسانيةمكانة متميزة لأنآثارها تقععلى المستوى الجزئي من الجسم، وعلى المستوى الكلي للسكان. من ناحية، فهي تمثل"طابع الفردية": "وراء" السلوك المرئي، "تحت" الكلمات المنطوقة، و"في" الأحلاميسعى المرء خلفالرغبات الخفية والدوافع الجنسية. ومن ناحية أخرى، أصبح الجنس "موضوع العمليات السياسية، والتدخلات الإقتصادية...، والحملات الإيديولوجية لرفع معايير الأخلاق والمسؤولية:لقدتم وضعه كمؤشر على قوة المجتمع، وكشف كل من طاقته السياسية وحيويته البيولوجية ".

 

في هذا السياق، فإن مفهوم المعيار يلعب دورا رئيسيا. تعمل"السلطة على الحياة والموت" القديمةعلى أساس شفرةثنائية قانونية، في حين أن السياسات الحيوية تمثل حركة حيثيحل "الحق" أكثر وأكثر محل "المعيار ".ويحل المنطقالنسبي للحسابات والقياسات والمقارناتمحل الحق المطلق للسيادة. أما المجتمعالمحدد بالقانون الطبيعي فقد أٌحبط من قبل المجتمع الذي "جرى تطبيعه" normalizing society:

 

"لم تعد المسألةهي جلب الموت إلى الحلبة في مجال السيادة، ولكن توزيع الأحياء في مجال القيمة والفائدة. مثل هذه االسلطة يجب أن تؤهل وتقيس وتقيم وتهيكل بدلا من أن تعرض نفسها في صورة البهاءالقاتل. فهي ليست مضطرة لرسم الخط الذي يفصل أعداءالسيادة عن الرعايا المخلصين. إنها تؤثر علىالتوزيعات حول المعيار".ومع ذلك، فإن أطروحة فوكو أن السياسة الحديثة تميل إلى أن تصبح سياسة حيويةلا يعني أن السيادة و "السلطة على الموت" لا تلعب أي دور في الوقت الحالي. على العكس من ذلك، فإن "حق الموت" السيادي لم يختف ولكنه يخضع لسلطة تسعى إلى الحفاظ على الحياة وتطويرها وإدارتها. ونتيجة لذلك، فإن السلطةعلى الموت قد حررتمن كل الحدود القائمة، حيث أنهامن المفترض أن تخدم مصلحة الحياة. فما هو على المحك لم يعد الوجود الاعتباري القانوني للسيادة، ولكن بدلا من ذلكالبقاء البيولوجي (على قيد الحياة ) للسكان. مفارقة السياسات الحيويةهي أنةعندماأصبح الأمن وتحسين الحياة يمثل قضيةبالنسبة للسلطات السياسية، أصبحت الحياة مهددة بوسائل تقنية وسياسية تدميريةلا يمكن تصورها.يرى فوكو أن السبب في ذلك هوالعنصرية الحديثة، والتي تضمن"للموتوظيفة في اقتصاد السلطة الحيوية ".

أضف تعليقك