شيف أردنيّ يخترع شوكولاتة بطعم المنسف
لم يستطع الشابّ الأردنيّ سامر أبو قاعود تذوّق شوكولاتة بطعم الجميد، إلّا وهو مغمض العينين، فلم يعتد الشاب إلّا على تناول الجميد (حليب ماعز مملّح) من خلال الطبق الشعبيّ الأردنيّ المنسف.
يستخدم الأردنيّون وتحديداً القبائل البدويّة الجميد المصنوع من حليب الماعز المجفّف المملّح، كجزء من مكوّنات طعامهم التقليديّ وهو عبارة عن لحم وخبز وأرزّ معاً، يقدّم في شكل كبير في المناسبات الاجتماعيّة.
إلّا أنّ شيفاً أردنيّاً استطاع كسر هذه القاعدة، فبعد ثلاثة أشهر من العمل على معادلة خاصّة، أنتج الشيف عمر السرطاوي، بالتعاون مع شريكته في مؤسّسة وايت ديزاين نادين عثمان، ، في كانون الثاني/يناير 2018، لتنتشر صور المنتج على شبكات التواصل الاجتماعيّ، ممّا دفع البعض إلى الاعتقاد أنّها مزحة في بداية الأمر، فلم يتوقّع الأردنيّون أن يتناولوا شوكولاتة بطعم المنسف!
يقول السرطاوي لـ"المونيتور" إنّ "الفكرة بدأت في كيفيّة تحديث الأكل العربيّ والأردنيّ". ويضيف: "أعتبر نفسي من الأشخاص المحظوظين كوني أنتمي إلى هذه الحضارة التي تحتوي على كمّ كبير من التنوّع في المطبخ، وأكلها من أطيب الأكل في العالم. المطبخ العربيّ مطبخ غنيّ ومتنوّع، لكنّه منتشر بطريقة واحدة مقارنة مع المطبخ العالميّ الذي يتطوّر بطريقة سريعة. ومن هنا، بدأت الفكرة للوصول إلى تصوّر ثانٍ لأكلنا، أي تصوّر مستحدث. من هنا انطلقت فكرة شوكولاتة الجميد، فقد أخذنا أهمّ شيء في الثقافة الأردنيّة، واعتمدنا على الجميد كونه الأساس في أكلنا وأهمّ طبق متواجد لدينا، لنشره في الغرب".
يملك السرطاوي خبرة واسعة في الطهي، ويملك مطعماً مشهوراً في العاصمة الأردنيّة عمّان يدعى صندوق الطعام، إلى جانب عمله في التصميم، ممّا دفعه إلى "تصميم الطعام"، كما يقول.
وحسب السرطاوي، بدأ العمل على مادّة الجميد وهي مكوّن قوىّ طاغٍ على أيّ طعم، وقال: "كانت الفكرة كيف ممكن استخدام مادّة هي معروفة من قبل الأردنيّين ومقبولة لديهم، ولكنّها بالنسة إلى الأجانب مادّة غريبة، والسؤال أصبح هنا كيف أستطيع تحويل مادّة الجميد إلى شيء غريب للأردنيّين ومألوف للأجانب أي أن أعكس المعادلة"؟.
وقضى السرطاوي ما يقارب الثلاثة أشهر للخروج بتركيبة الشوكولاتة. ويقول: "ثلاثة أشهر كانت كفيلة بتغيير تفكيريّ برؤية الأشياء، وفي النهاية وجدت الحلّ، وقمت بشيء مختلف في التركيب والطعم، وكان طعمه لذيذاً، وأهمّ شيء أنّه يترجم فعليّاً روح الجميد. جرّبناه مع الكثير من الناس الذين أحبّوه، بينما وجده البعض غريباً، فقد تركت لديهم الشوكولاتة الجديدة انطباعات مختلفة".
"حامض وحلو"، هكذا تصف الصحفية إيمان أبو قاعود شوكولاتة الجميد، فقد اعتادت إيمان أن تتناول الجميد في المنسف، لكنّ الفضول دفعها إلى تجربة شوكولاتة الجميد، وتقول لـ"المونيتور": "أعجبتني فكرة كيف يستخدم الجميد المكوّن من حليب الماعز إلى جانب كمّيّة كبيرة من الملح، مع نسبة عالية من السكر، ويقدّم على شكل قطعة حلوى".
وتضيف: "ذهبت مع ابني عمّي سامر لتجربة الشوكولاتة الجديدة، لكنّه لم يستطع أن يتقبّل تناولها إلّا وهو مغمض العينين. لم يتقبّل أبداً فكرة أن يتحوّل الجميد إلى شوكولاتة في بداية الأمر، إلّا أنّها راقت له بعدما تذوّق هذا الخليط العجيب، الجميد المخلوط مع الشوكلاتة البيضاء".
يرفض الشيخ عبد الكريم الحويان، وهو زعيم قبيلة أردنيّة بدويّة، تحويل الجميد إلى شوكولاتة، ويرى في حديث إلى "المونيتور" أنّه "يجب عدم المساس بشكل المنسف الذي يعتبر الجميد من أبرز مكوّناته إلى جانب اللحم، كونه طبقاً شعبيّاً وطنيّاً لا يجب العبث به"، رافضاً تذوّق الشوكولاتة الجديدة.
وحول ردّة فعل الأردنيّين من تحويل طبقهم الشعبيّ إلى شوكولاتة، يعلّق السرطاوي: "أنا أحترم جدّاً رأي الناس ووجهة نظرهم، وفي النهاية أنا لديّ رسالة وتجربة أحبّ أن أوصلهما، فلا أهتمّ كثيراً لكلام الناس، لكنّني أتقبّل ردود الأفعال. الآن، هناك تقبّل كبير للشوكولاتة الجديدة، وأنا سعيد لذلك، وقمت شوكولاتة الجميد إلى نيويورك وكندا وفرنسا وبريطانيا ولأغلب دول الوطن العربيّ تقريباً، وأرسلتها أيضاً إلى بلدي الشوكولاتة بلجيكا وسويسرا وهناك تفاعل كبير معها".
يضيف: "أنا سعيد بإيصال جزء من حضارتي (الجميد) إلى أكبر عدد من الناس، ونعمل الآن على جعل هذا المنتج منتجاً أردنيّاً نوصله إلى العالم كلّه، أمّا في خصوص المشاريع الثانية، فهي لن تنتهي فأنا أؤمن بهذه الحضارة وأؤمن بأنّه يمكننا إيصال رسالة إلى العالم ونشر ثقافتنا".
وتباع عبوة شوكولاتة الجميد التي تحوي ستّ قطع بما يعادل السبعة دولارات، ويشهد المطعم الذي يديره السرطاوي إقبالاً كبيراً على شراء المنتج من قبل أردنيّين فضوليّين وأجانب يرغبون في تذوّق المنسف الأردنيّ بطريقة مختلفة.
يعتقد الباحث في الأنثروبولوجيا في جامعة اليرموك وعضو جمعيّة الأنثروبولوجيّين الأردنيّين التي تعنى بدراسة ثقافات المجتمعات فهمي الزعبي أنّ تطوير الثقافة الشعبيّة في الطعام ونشرها في دول أخرى يدعيان تثاقف أو تقاطع ثقافات، خصوصاً إذا كان هذا الطعام الشعبيّ سيحافظ على طعمه القويّ كما هو، مع الأخذ في الاعتبار ثقافة الناس ونمط حياتهم في دول أخرى، وما إذا كانوا سيتقبّلون الطبق الشعبيّ كما هو أو أنّ هناك حاجة لتطويره، كي يلقى قبولاً لدى الثقافات الأخرى.
ويفسّر الزعبي لـ"المونيتور" سبب رفض البعض تحويل مادّة الجميد إلى شوكولاتة، بأنّ "هناك أشخاصاً في المجتمع يدافعون عن رموزهم الثقافيّة، سواء كانت الماديّة أم المعنويّة مثل القيم والمبادئ، فمن الصعب تقبّل المنتج في ثقافة الأردنيّين الذين اعتادوا إكرام الضيف من خلال تقديم طبق المنسف، لكنّ هذا المنتج سيجد القبول في الغرب لاختلاف الثقافة".
لا يتوقّف طموح السرطاوي عند شوكولاتة الجميد، فهو يعتزم أيضاً تصميم أطباق شرقيّة جديدة في أسلوب جديد لنشر المطبخ العربيّ في الغرب، إلّا أنّ تصميم هذه الأطباق يحتاج إلى أشهر من التجارب للحصول على النسب الصحيحة لمكوّنات جديدة للطعام التقليديّ، كما يقول.