“تحالف” ضدّ الصراخ واليأس

“التحالفُ المدني” الأردني، أعلن عن نفسه بمبادئ وفيديو ترويجي، وعلى وشك التحوُّل إلى حزب ديمقراطي اجتماعي، يُحاكي هذا النوع من التجربة الحزبية المنتشرة عالمياً، تنظيراً وممارسة، بما يعني ذلك شكل الدولة العتيدة ومضمونها، وفهم تفاصيل تُشكّل كيانها ووظيفتها.

“إعلان المبادئ” حصيلةٌ مطلبية، تداولها النقاشُ الداخليُّ في السنوات الماضية، وبعضه مقتبسٌ عن أدبيّات وشعارات لأحزاب وقوى سياسية محلية، وحراك اجتماعي، ويمكن ملاحظة تعبيرات في “الإعلان”، مثل: سيادة القانون، والمساواة في المواطنة، والعدالة الاجتماعية وتكافؤ الفرص، والحفاظ على هوية الجامعة، والحريات العامة والفردية.

كل ذلك ليس جديداً، ومن الطبيعي، أن تتحدّث المبادئُ عن الدور الاجتماعي للدولة في فهمها للاقتصاد، وغير ذلك، فمؤسسو التحالف قادمون من خلفيات سياسية متنوعة، وبعضهم كان فاعلاً في هياكل يسارية، أو كان جزءاً من صناعة القرار في البلاد، أو لديه توجهاتٌ ليبرالية، وسوى ذلك.

الجديد في التعبير اللغويّ، ليس أكثر، فمحتوى البيان، وإنْ تجنّب مفردة “العَلْمانية” على نحو مباشر، إلا أنه قَصَدَ معناها ومفاعيلها وتأثيراتها في بناء الدول الحديثة، ليس فقط بفصل الدينيّ عن الدنيويّ، وإنما بعقلنة مفهوم الدولة، ودورها، ومؤسساتها، فـ”الإعلان” ينصُّ بوضوح على أنّ “الدينَ مصانٌ في الدولة المدنية، ومستقلٌّ عن السلطة السياسية، ولا وصايةَ عليه لأحد، ولا يحقُّ لأحد استغلاله لغايات سياسية وحزبية”.

يُمكن اعتبارُ ذلك واضحاً، ولكنه ليس جديداً تماماً، فالقوى اليسارية، والنخب الأكاديمية، وكثير من الفاعليات الاجتماعية، تطالب بالدولة المحايدة منذ سنوات أيضاً، ولكنها، مثل “التحالف المدني”، لا تريدُ دولةً مدنيةً للتصادم مع الإسلام السياسي في الأردن، فحتى هذا “الإسلام” تخلّى عن شعاره القديم، أو هكذا يبدو في التباسه وارتباكه الراهن. كما أنّ القضية الأساسية لا تكمنُ بالنفاذ إلى تعبير علمانيّ للدولة، لمجرد النكاية السياسية، بقدر ما تطرح “المبادئ” تصوراتٍ عن الانعكاسات المباشرة للتقدّم نحو الدولة المدنية التي تُلغي الصفة المركزية – الشرسة، والقديمة للنظام السياسي الأردني.

“إعلان المبادئ” لم يُستقبل بأي نقاش نقدي، بما يساعد “التحالف – الحزب” على انطلاقة أفضل. والأدق، أنه لم يُناقش. فردةُ الفعل في وسائل التواصل الاجتماعي ذهبت إلى “الفيديو الترويجي” حصريّاً. وتحديداً إلى الوجوه التي ظهرت فيه، وليس إلى محتوى الرسائل، وهذا شأنٌ مألوفٌ في الأردن، على أنكَ إذا أردتَ أن تكون جزءاً من تيارٍ سياسيٍّ، فأنت معنيُّ بمبادئه وبرامجه وأدائه، وتلك مواصفاتُ الفاعلية، كما هي معاييرُ الحكم.

من المتوقّع أنْ يُواجهَ أيُّ تنظيم سياسيٍّ بالطعن في شخوص هيئته المؤسّسة، وتكفيرهم، واستعداء المجتمع عليهم، ولكنّ “التحالف المدني” بانطلاقته هذه حاصلُ أفكار وطموحات المنضوين والمنضويات في إطاره الثقافي والسياسي. لا هيمنة، ولا وصاية، ولا استقواء. ولا إقصاء، وهو ليس متنفّسا لأي طموح شخصي، ولا منصة لتصفية حسابات، أو تصفية وطن وقضية، ولا لدفع فواتير، كما أنه ليس صالوناً سياسياً مؤثثاً في عمان، ولها فقط، بدليل أن حضور المحافظات هو الأكثر كثافة في قاعدته حتى الآن.  

هل هذه مجردُ شعارات أيضاً؟ أم أنها تجربة جادة وطموحة في الخروج إلى الواقع والمجتمع من الثرثرة والصراخ في آبار عميقة على وسائل التواصل الاجتماعي، وفي قنوات اليأس، والخيبة..؟

سنرى ذلك.

 

 

باسل رفايعة: صحافيّ أردنيّ، عمل في صحف يومية محلية، وعربية.

أضف تعليقك