
المطالبات بعفو عام جديد في الأردن: جدل حول شمولية العفو السابق واستثناء إسقاط الحق الشخصي

في 23 ديسمبر 2024، نفذ أهالي السجناء والمعتقلين اعتصامًا أمام مجلس النواب الأردني للمطالبة بعفو عام شامل، معبرين عن استيائهم من القصور الذي شاب العفو العام السابق.
العفو العام رقم 5 لعام 2024، الذي أُقر في وقت سابق من ذلك العام، استثنى بعض الجرائم من شموله، واشترط إسقاط الحق الشخصي أو دفع المبالغ المطالب بها لشمول بعض الجرائم الأخرى. هذا الاستثناء أثار استياء العديد من العائلات، خاصة في القضايا التي تم فيها الصلح العشائري وإسقاط الحق الشخصي، حيث لم يشملها العفو.
عندما صدر العفو العام، توقع كثيرون أنه سيحمل طوق نجاة لأعداد كبيرة من السجناء، لكنه جاء قاصرًا في نظر كثيرين، خاصة مع استثنائه للقضايا التي تم فيها الصلح العشائري وإسقاط الحق الشخصي. هذه القضايا، التي كان من المفترض أن تكون خارج أسوار السجن منذ وقت طويل، بقيت عالقة في متاهة الإجراءات القانونية، رغم أن أصحابها قد تصالحوا وتجاوزوا خلافاتهم.
لم يكن العفو مجرد قرار قانوني، بل هو مسألة إنسانية تمس آلاف العائلات التي تعيش على أمل رؤية أبنائها أحرارًا من جديد. فكيف يمكن أن يُحرم شخص من العفو، رغم أن الطرف الآخر قد سامحه وأسقط حقه الشخصي؟ أين روح العدالة والتسامح التي يتحدث عنها القانون؟
أحد أوجه الانتقاد الرئيسية للعفو العام السابق هو تجاهله لدور العشائر الأردنية وتقاليدها في حل النزاعات والمشاجرات العائلية والعشائرية. لطالما كانت العشيرة الأردنية حجر الزاوية في ترابط المجتمع المحلي، ويمثل شيوخ العشائر ووجهاؤها مرجعية اجتماعية هامة في فض النزاعات وتسوية الخلافات. وفي كثير من الأحيان، يتم التوصل إلى تسويات ودية وإصلاحات بين الأطراف المتنازعة عبر أساليب الصلح العشائري، التي تحظى باحترام واسع وتقدير من جميع الأطراف المعنية.
تجاهل العفو العام السابق للقضايا العشائرية التي تم فيها الصلح بين الأطراف أثار استياء العديد من وجهاء العشائر وشيوخها، الذين كانوا يأملون في أن يشمل العفو العام القضايا التي تم حلها عبر التوسط العشائري. إن تجاهل دور العشيرة في إرساء التسويات قد يخلق شعورًا بالاستبعاد من المؤسسات الرسمية، وهو أمر قد يعزز التوترات بدلاً من معالجتها.
في هذا السياق، طالب الأهالي بأن يشمل العفو العام الموقوفين إداريًا، والقضايا التي تم فيها الصلح وإسقاط الحق الشخصي. كما ناشدوا الملك والحكومة بإصدار عفو عام عن أبنائهم باعتباره مطلبًا شعبيًا.
في ضوء هذه الانتقادات والمطالبات، يتجدد النقاش حول ضرورة إصدار عفو عام جديد يشمل القضايا التي تم فيها الصلح العشائري وإسقاط الحق الشخصي، وذلك لتعزيز قيم التسامح والمصالحة في المجتمع الأردني. كما يُتوقع أن يأخذ المشرعون هذه المطالبات بعين الاعتبار في أي تشريع مستقبلي يتعلق بالعفو العام، لضمان شمولية أكبر وتلبية لتطلعات المواطنين.
العفو العام ليس مجرد نص قانوني جامد، بل هو فرصة ثانية للبشر. لكل شخص خلف القضبان قصة، ولكل عائلة تنتظر عفوًا دموع لم تجف بعد. هناك أب غائب عن أطفاله، وأم حُرمت من ابنها الوحيد، وشاب ضاعت سنواته خلف القضبان بسبب لحظة طيش أو خطأ دفع ثمنه غاليًا.
لا أحد يطالب بالعفو عن الجرائم الخطيرة التي تهدد أمن المجتمع، ولكن هناك قضايا تستحق إعادة النظر بروح العدالة والرحمة، خاصة تلك التي انتهت بتسامح الضحية وقبول المجتمع.
يُعتبر العفو العام أداة هامة لتعزيز التسامح والمصالحة في المجتمع، إلا أن فعاليته تعتمد على شمولية القضايا المشمولة به ومدى مراعاته للتقاليد والأعراف الاجتماعية، مثل الصلح العشائري. لذا، فإن الاستجابة لمطالبات الأهالي وشيوخ العشائر بإصدار عفو عام جديد يشمل القضايا التي تم فيها الصلح وإسقاط الحق الشخصي قد تسهم في تعزيز التماسك الاجتماعي وتخفيف الأعباء عن المواطنين.