منهاج أديان لجميع الأردنيين
نواجه أزمةً فكريةً لدى الشباب العرب، العنصر الأكثر عدداً في المجتمع. ومن البديهي أن الشباب عبر التاريخ والحضارات هم الجيل المنشغل بالبحث عن هويته وموضعه في هذا الكون.
من أكثر التوجهات الأكثر شيوعاً في عالمنا العربي هو التوجه نحو العوالم الروحانية والتدين. ويُحَمِّل كثيرون –وبحق- مسؤوليةً كبيرة على جهازنا التربوي لفشله في ملء الفراغ النفسي والروحاني الذي يحتاجه أطفالنا وشبابنا وهم يمرون في فترة البحث والتساؤلات عن الحياة والمستقبل.
في مجال الروحانيات، وهو عنوان أوسع بكثير من الدين، نرى أن ما يُقدّم لشبابنا محصور في أفكار ومعلومات من خلال مساقات يتم تدريسها من قبل أشخاص غير مؤهلين، غالباً، وتتضمن مواد تعليمية جامدة وغير قابلة للنقاش.
تُفرض حصة الدين من الصف الأول وصولاً إلى التوجيهي، ويُجبر كل طالب على تلقي معلومات تأتيه باتجاهٍ واحدٍ ومن دون إتاحة فرصة معقولة للنقاش وتبادل الأفكار، وللأسف يفرز الطلبة خلال حصة الدين، المسلمين عن زملائهم المسيحيين، الذين يجري تلقينهم، كذلك، دروساً دينية باتجاه واحد من دون توفير فرصة للنقاش وتبادل الآراء.
ماذا لو أستبدل منهاج التربية الدينية بآخر يتحدث عن ديانات العالم كافةً (وليس فقط الديانات السماوية الثلاث)، أو أضيف هكذا مساقٍ عن الديانات لتوسيع معرفة الطلاب بما يجري حولهم، وما يؤمن به الملايين من الجنس البشري. هل يخالف ذلك الدين أو ينفيه؟ علماً بأن الإسلام ابتدأ بالقول البسيط والعميق في آن: إقرأ، وفي المسيحية جاء انجيل يوحنا بعبارة جميلة وهي “في البدء كان الكلمة. إذن فالمعرفة؛ قراءة وكلمة، أساس الأديان، ولا تعارض إذا ما حاولنا زيادة معرفة أبنائنا وبناتنا.
المعرفة قوة وليست ضعفاً، ومعرفة الآخر لا تنفي التزامنا بما نؤمن بل قد تعزز قناعتنا بها، لأنها ستوقف التعليم من دون نقاش وندخل باب الاجتهاد.
قد يرى البعض هذه الدعوة انقلاباً على ما اعتدنا عليه، لكن ألا تتطلب أوضاعنا الحالية انقلاباً فكرياً، خاصة مع تأكيد كتيرين بأن الأردن بعد استشهاد معاذ الكساسبة ليس هو الأردن قبل وقوع تلك الجريمة البشعة، وهناك رغبة شعبية بمحاربة التطرف وهزيمته، لذلك علينا التفكير خارج الصندوق والاستفادة من الدعم الشعبي اللامحدود للقيادة من أجل إدخال تغييرات جذرية على المنظومة التعليمية.
إعادة النظر في التعليم أولى من تكرار الحديث نفسه بأن داعش لا علاقة لها بالدين السمح والمعتدل، أو الاكتفاء بالقول إن النجاح يأتي فقط باتباع الوسطية بدلاً من التطرف في الأمور الدينية.
التطرف الذي يهز كياننا مشكلة لا يمكن حلها فقط من خلال التركيز على دعوات الاعتدال الديني، فالمسألة في أساسها منوطة في الحاجة الماسة إلى التعامل مع شوق داخلي وجداني موجود في كل إنسان، ومع توفر الثورة المعلوماتية فإن استمرار الإصرار على حجب المعلومة –بما فيها الدينية- عن طلابنا وشبابنا هو أشبه بوضع رؤوسنا في الرمل، والاعتقاد أن لا أحد يرانا.
نحتاج جرأة في التعامل، ورغبة في التغيير، ومن الخطأ معالجة أزماتنا بالأدوات نفسها التي اعتدنا عليها، فالعلاج القوي يتطلب أشخاصاً قابلين للتعلم والاستفادة من التجارب العالمية كافةً، ثم تطبيقها بذكاء وعقلانية على أرض الواقع، ليس فقط في مجال تعليم الدين، إنما في المناحي الأخرى مثل التاريخ والفلسفة والحضارات العالمية.
- داود كتّاب: مدير عام شبكة الإعلام المجتمعي. أسس العديد من المحطات التلفزيونية والإذاعية في فلسطين والأردن والعالم العربي.