سر العلامة التجارية

الرابط المختصر

لطالما استوقفني السر وراء الهوس المبالغ بالعلامات التجارية، وكيف تمكنت ماكنة الإعلام والتسويق في العشرين سنة الماضية من إقناع جموع المستهلكين الغفيرة عبر العالم، أن للعلامة التجارية قيمة مضافة مستقلة عن القيمة الحقيقية للمنتج! الأمر الذي برر تباعاً أن تحظى السلعة ذات العلامة التجارية بقيمة اقتصادية أعلى من نظيراتها من السلع مجهولة الهوية بشكل لا يتبع بالضرورة علاقة منطقية مع جودة المنتج أو فن تصميمه.

اعتقدت، أيضاً، أن العلامة التجارية عبارة عن أداة تسويقية جرى ابتكارها لإملاء السعر الذي يستحقه المنتج -أو لا يستحقه!- وللتدليل على سعره بطريقة أكثر أناقة من تعليق فاتورة السعر، وأن المحرك الرئيسي في علاقة الاقتناء هذه يكمن في ميل الأفراد عموما للتدليل على قيمة مقتنياتهم في مجتمعات هزمتها الروح الاستهلاكية، فاختزلت قيمة الأفراد ومكانتهم الاجتماعية بحسب قدراتهم الشرائية.

تتفق نتائج الدراسات النفسية والسلوكية للمستهلك مع هذا الطرح في دور العامل الاجتماعي وأهميته، وفي ميل الأفراد عموماً إلى اقتناء العلامات التجارية التي يتداولها الأفراد في محيطهم الاجتماعي، لكنها تختلف معه في مركزية هذا العامل، وتكشف أن علاقة المستهلك بالعلامة التجارية هي علاقة تحكمها المشاعر أكثر مما نود الاعتراف به أو تصديقه.

ووفق هذه الدراسات النفسية، فإن المستهلك يقوم بإسقاط هوية شخصية على العلامات التجارية المختلفة، تماماً كتلك التي يسقطها على نفسه وعلى من حوله من أشخاص، ويترتب على هذا الإسقاط أن يلجأ المستهلك إلى اقتناء العلامة التجارية التي يعتقد أنها تتشابه معه، وتعكس هويته الشخصية.

بالتالي، لا يدفع المستهلك غالباً الثمن الحقيقي للمنتج، لكنه يدفع لقاء ما تحركه السلعة بداخله من مشاعر ومعانٍ غير ملموسة، ولولا هذه الحقيقة لما بيع كوب القهوة بأربعة دولارات، على حد تعبير الكاتبة الأسترالية بيرناديت جيوا.

وتضيف جيوا أن أهم ما تقوم به العلامة التجارية هو خلق قيمة، أو معنى حول المنتج، وتحديد نوعية المستهلكين، والطريقة التي يشعرون بها تجاه المنتجات مما يؤدي إلى خلق ارتباط ومشاعر من الحب والولاء تجاه المنتج، وعليه تقوم العلامة التجارية بإملاء سعر المنتج.

تعاظمت القيمة التي تحملها العلامة التجارية عبر السنوات الأخيرة نتيجة لما بذلته ماكنة الإعلام والتسويق من مجهود جبار في تكريس مفهوم الهوية الشخصية للعلامة التجارية، وفي توظيف نتائج الدراسات النفسية والسلوكية للمستهلك واستطلاعات الرأي في تصميم حملاتها الدعائية. تزامن هذا مع تصاعد المد الاستهلاكي والقيم المادية في العالم، وبمساعدة الإنترنت أصبحت صناعة العلامة التجارية لا تتطلب أكثر من ثمانية عشر شهراً فقط، بعد أن كانت تستغرق في السابق ثلاثين عاماً، بحسب خبراء في التسويق.

عالمياً، وعلى الرغم من التباطؤ في النمو الاقتصادي العالمي إلا أن أوضاع الشركات المنتجة للسلع المترفة مثل البضائع الجلدية والاكسسوارات والعطور والساعات ذات العلامات التجارية البارزة أفضل حالاً من الصناعات القائمة على البضائع الاستهلاكية التقليدية، ويتوقع أن يتقدم هذا القطاع بشكل أسرع من التقدم الحاصل في الدخل المحلي الإجمالي العالمي بنسبة تصل إلى 50%، ووصلت إيرادته في العام 2014 إلى 223 مليار يورو، نظراً لازدياد أعداد المستهلكين في العالم إلى ثلاثة أضعاف خلال العشرين سنة الماضية.

أما في الشرق الأوسط، وعلى الرغم مما تشهده المنطقة من صراعات، يواصل سوق البضائع المترفة ذات العلامات التجارية البارزة تقدما ملحوظا نظراً لزيادة الطلب، ويحتل سوق الشرق الأوسط المرتبة العاشرة عالمياً من حيث الأهمية لهذا القطاع بتجارة تقدر ما بين ستة وعشرة مليارات دولار أمريكي، وتستحوذ دبي وحدها .حوالي 30% من حجم الطلب في هذا السوق

يبدو المستهلك الشرق أوسطي الأكثر ولعاً بالعلامات التجارية ومدلولاتها، إذ يتصدر القائمة العالمية في مقدار ما يصرفه سنوياً على هذه البضائع، حيث يبلغ معدل ما يصرفه الفرد في دول الخليج العربي، مثلا، ما يقارب 29 ألف دولار أمريكي سنويا على منتجات الجمال والموضة والهدايا المدموغة بعلامات تجارية مشهورة وواضحة للعيان.

ويتوقع أن يواصل هذا القطاع تقدمه في الأعوام المقبلة بالرغم من كل المخاوف المحيطة بالمنطقة، بحسب آخر التقارير!

وسماء الحسيني خبيرة سموم في قطاع البتروكيميائيات في هولندا، وباحثة في التحركات المدنية الخلاقة التي تعمل نحو عالم أفضل.

أضف تعليقك