الشعراء بين أطلال جرش الى أطلال غزة

الرابط المختصر

معركة دونكيشوتية يستعر أوارها بين سكان بيت المثقفين الأردنيين "رابطة الكتاب " حول مشاركة شعراء سجلات الرابطة في مهرجان جرش بعد الانقسام الواضح حول المشاركة في فعاليات المهرجان فيما غزة تذبح بدم بارد وبين فريق آخر لا يدعو فقط لعدم المشاركة بل والذهاب الى أبعد من ذلك بإطلاق دعوات لمقاطعة المهرجان وفعالياته بالكامل تضامنا مع غزة والشعب الفلسطيني.


تلك المعركة تخلو بالطبع من الخطط العسكرية ومن خرائط المواجهة وتحريك الجيوش والدبابات، لكنها بالمقابل تستقبل أنواعا من القصف الجوي الفيسبوكي ــ تحديدا ــ، وليس من المنتظر وقوع ضحايا نتيجة الإصابة بالشظايا،لكن لا أحد يتكهن من الذي سيتولى إحصاء الخاسرين في تلك المعركة التي يخوض غمارها الأصدقاء فقط.


وفي هذه المعركة يدافع كل طرف عن وجهة نظره، فالمشاركون يؤكدون أنهم يشاركون لايمانهم العميق بدور الكلمة والشعر والفن ...الخ في معركة المصير في غزة، وأن هذا الدور القتالي للشعر لا يقل عن دور الجيوش والدبابات في المعركة، ويستند أنصار هذا الفريق إلى حيثيات عدة وجيهة يبررون بها مشاركتهم، وبمكن إجمالها فيما يلي:


أولا: يؤكد أنصار المشاركة أنهم يشاركون تحت الاتفاق الذي وقعته رابطة الكتاب مع وزارة الثقافة بتغيير اسم المهرجان لهذه السنة من "ويستمر الفرح " إلى " ويستمر الوعد ".
ثانيا : موافقة وزارة الثقافة على اشتراطات الرابطة بالغاء الحفلات الغنائية والإستعاضة عنها بالغناء الوطني والتراثي.
ثالثا : موافقة الوزارة على اشتراط الرابطة الغاء دعم المؤسسات والشركات التي ثبت أو يشتبه أنها مقاطعة.
هذه الاشتراطات الثلاثة كانت أكثر من كافية لإعلان الرابطة عن مشاركتها بمهرجان جرش في دورته الثامنة والثلاثين الحالية مع تعهدات ذاتية للشعراء المشاركين بان أي إخلال بهذه الشروط فإنهم سيعلنون انسحابهم من فعاليات المهرجان.
وفي بيانات الرابطة التي صدرت عنها أكدت على التزامها بهذه الاشتراطات لتوضيح موقفها من المشاركة بعد أن كانت أول من بادر للمطالبة بالغاء المهرجان تضامنا مع غزة.
وفي الجبهة المقابلة  يصطف جيش آخر رافضا المشاركة لأسباب ومبررات تظهر هي الأخرى وجاهتها تماما ومنها:
أولا: لا يجوز المشاركة في مهرجان احتفالي والعدوان الصهيوني على الشعب الفلسطيني في غزة والضفة مستمرا.
ثانيا : لكون المهرجان عنوانا للفن والغناء والفرح "ويستمر الفرح" فلا مكانة للشعر المقاوم فيه، ولا فائدة من المشاركة التي ستحسب سلبا على المشاركة والمشاركين.
ثالثا : المشاركة تعني إدارة ظهر الرابطة لمواقفها السياسية والوطنية.
وربما أسباب أخرى لم نحط بها خُبرا..
والمهم في تلك المعركة ان الحلفاء في رئاسة الرابطة انصاعوا لمواقف غالبية الاعضاء، فتيار القدس يقول انه لا يمثل الأغلبية أمام رغبة وتوجهات الاعضاء الاخرين الذن دعموا المشاركة" الديمقراطي والقومي"، ــ هكذا ــ وحفاظا على وحدة الهيكل القيادي من التفتيت كان الخيار الأسلم هو المشاركة وضمن الاشتراطات آنفة الذكر.
وهذا المبرر يمثل نوعا من التنصل من المسؤولية وإلقائها في أحضان الحلفاء، وفي التفاصيل فان من كتب بيده وصاغ بيان المشاركة هو ممثل التيار القومي في هرم الادارة، علما ان رئاسة التيار نفسها اعلنت انها تدعم وتتبنى قرار المقاطعة، وكذلك الحال مع الشعراء المشاركين الذين ينتمون للتيارات المؤتلفة فبعضهم قاطع البعض الآخر سيشارك.
ثمة فوضى هناك في مقر الرابطة، وثمة ما يوحي بالكثير من البوح عن تمرد الشعراء على قرارات تياراتهم، أو انصياعهم لها ــ لا فرق ــ، لكن الأكثر أهمية من كل ذلك هو السؤال الذي يدفع بنفسه دفعا ودون مواربة وهو: متى كان الشعر يملك أي تأثير في الجمهور بعد انسحابه وانسحاب ناظميه من كل تفاصبل حياتنا اليومية، وانكفأ نائما يلبس البيجامة في غرف النوم؟..
ومع ذلك لا تبدو خفايا الصراع سترتاح هنا، فثمة تفاصيل تبدو في جوهرها صادمة،ولكونها شخصية أكثر مما يجب في معظمها فالأفضل عدم التوقف عندها خوفا من أحكام قانون الجرائم الالكترونية وتبعاته القاسية.
وبالنتيجة فانني أرى أن ما يجري في الرابطة من خلافات وصراعات حول المشاركة في مهرجان جرش ما هو إلا خلاف في وجهات النظر في كيفية دعم صمود ومقاومة الفلسطينيين في مقاومة المجازر والمذابح الصهيونية في غزة، فالمشاركون يعتقدون أن مشاركتهم تمثل اشتراك الشعر في المعركة، وكذلك المقاطعون الذين يرون أن الشعر لا يجب ان يكون شريكا للغناء في الحرب..
وجهتا النظر هذه لا تستدعيان كل هذا الخناق، ولطالما شارك الشعر والأدب والغناء الملتزم في حركات التحرر، بدل الإنكفاء في غرف النوم بانتظار إنجلاء الموت المهيمن.
أحترم وجهات النظر كلها لأنها مقدرة ولكونها كلها تتخذ من غزة الجريحة عنوانا واحدا وموحدا،لكن لا بد من التأكيد ان من قاطع المهرجان ليس عدوا للشعر وللفن ولجرش، وكذلك من شارك، فلكلٍ رؤيته وموقفه ولا داعي لنصب المنجنيقات لقذف الحجارة على بيوتنا الزجاجية..
والمجد لغزة ولشعبها

أضف تعليقك