تقييم رؤساء الجامعات.. كلام للاستهلاك الإعلامي

يبدو أننا نواجه في كل مرة نرنو فيها للتطوير مزيداً من المعوقات التي تقف في طريقنا، ولا نعرف السبب في خلط الأوراق والغموض الذي يكتنف كل عملية تدّعي بأنها إصلاحية، لا نعرف ما السببب الذي يعيدنا إلى تلمربع الأول كلما حاولنا التقدم خطوة واحدة إلى الأمام.

آخر الإبداعات التي استبشرنا بها خيراً هي ما سمّي تقييم أداء رؤساء الجامعات، حيث شعرنا أن هناك إرادة لدى وزير التعليم العالي في التقدم نحو الأمام، لكن يبدو أن النوايا السليمة ليست كافية للعمل، وأظن – وبعض الظن إثم خالص- أن الوزير لم يستطع إدارة الملف بقوة وشجاعة، وأنه تعرض لكثير من التأثير أو ربما لا يمتلك الشخصية الجريئة الكافية لإجراء جراحة مؤلمة في جسد التعليم العالي.

لا أقول ذلك تخميناً أو تجنياً بل أستند إلى مجموعة من المؤشرات التي استقيتها من الأخبار والتصريحات الصادرة عن الوزير وعن الوزارة فيما يخص عملية تقييم رؤساء الجامعات منذ بدايتها حتى نهايتها بإعفاء ثلاثة رؤساء من مناصبهم، وذلك خلال ستة أشهر منصرمة، إذ تشير الأخبار إلى أن قرار تشكيل لجنة لتقييم رؤساء الجامعات بدأ في شهر حزيران من هذا العام، حيث شكلت وزارة التعليم العالي لجنة سمتها “لجنة خبراء” لوضع معايير للتقييم، وتشكلت اللجنة من الدكاترة هشام غرايبة رئيساً، وعضوية: وعبد الرحيم الحنيطي ومحمد الخلايلة وعاهد الوهادنة وبشير الزعبي. وفي شهر تموز كما يقول الخبر، فقد تم تشكيل لجنة  “الخبراء” لتقييم التقارير الواردة من مجالس أمناء الجامعات الأردنية بشأن تقييم رؤساء الجامعات الأردنية برئاسة أمين محمود وعضوية كلٍ من رويدة المعايطة ومحمد أبو قديس وفيكتور بله وطه خميس.

ووفقا لقرار المجلس الذي عقد جلسته مساء أمس برئاسة وزير التعليم العالي والبحث العلمي عادل الطويسي تكون مهمة اللجنة التحقق من التقارير الواردة من مجلس أمناء الجامعات الرسمية واستكمال مؤشرات الأداء لمعيار التقييم (14) الواردة في التقييم السنوي لرؤساء الجامعات الرسمية 2017، على أن تقدم تقريراً منفصلاً عن كلِ رئيس جامعة وفقاً لمؤشرات الأداء في موعدٍ أقصاه ثلاثة اسابيع من تاريخ استلامهم التقارير.

لا نعلم ما علاقة هذه اللجنة باللجنة التي قبلها، وبعد أن سلمت هذه اللجنة تقريرها كما تشير الأخبار فقد تم تشكيل لجنة جديدة برئاسة أمين مشاقبة، وذلك في شهر تشرين الأول، فقد جاء في الخبر أن مجلس التعليم العالي يعتزم  تشكيل لجنة من بين أعضائه، لتقديم توصيات إلى المجلس بشأن تقارير لجنة الخبراء لتقييم التقارير الواردة من مجالس أمناء الجامعات الرسمية، بشأن أداء رؤساء الجامعات. وأشارت بعض التصريحات من وزير التعليم العالي أن التأخير في تسلم التقرير كان بسبب “تباين في آراء أعضاء اللجنة حول آلية التقييم”.

إن تشكيل اللجان بهذا الشكل وتغييرها يشير إلى أن عملية التقييم لم تكن واضحة في ذهن الوزير ولا في أذهان اللجان التي يبدو أن هناك خلافات كبيرة في وجهات نظرها عن الموضوع، فلجنة الخبراء تركت الأمر في منتصفه نتيجة تأثير بعض الجهات على قراراتها، وهو ما أشارت له بعض التصريحات من الوزارة، حيث أشارت إلى أن لجنة الخبراء لم تأخذ بالشكاوى المقدمة إلى رئاسة الوزراء أو مكافحة الفساد، وأن هناك نقصاً في تقاريرها، مما حدا بالوزارة لتشكيل لجنة من أعضائها برئاسة مشاقبة.

هذا جانب يشير إلى مشكلة في دقة التقييم ووضوحه، وهناك جانب آخر من حيث المبدأ، إذ إن تقييم أي مؤسسة أو مسؤول يجب أن يقوم على أسس واضحة لدى كافة الأطراف، ومن المفترض أن تكون المعايير واضحة قبل تسلّم رئيس الجامعة مهامة، فكيف يمكن أن تحاسب شخصاً على معايير لم تكن في حسابه أصلاً؟ إن من أسوأ ما يمكن فعله – ونفعله في بلادنا – هو أن نباغت شخصاً بمعايير نضعها أو تضعها لجنة، ثم نحاسبه على أساسها، فلقد تمت العملية بكيدية ومباغتة، حتى وإن كانت حسنة النوايا، فلا يمكن أن تأتي لي يوما وتقول: أريد أن أكتب لك اختباراً باللغة الصينية، وإذا لم تنجح فأنت فاشل. وكان من المفترض أن تقول لي قبل ذلك عن المعايير التي سوف تطبقها علي قبل بدء العمل وتحاسبني عليها.

لا يعدو ما تمّ كونه قشوراً أردنا لها أن تُحسب إنجازاً، وكان من الأولى أن يتم اختيار رئيس الجامعة على نفس المعايير التي سوف يُقيّم عليها، ويُطلب منه أن يتقيد بها، ومن ثم نحاسبه على أي تقصير يمكن أن يحدث.

أما المعايير فمن خلال النظر إليها تبدو أنها عامة، وربما تصلح لكل زمان ومكان، أو ربما مترجمة بطريقة حرفية، ولا تراعي الظروف الخاصة لكل جامعة، فالمعايير، كما نشرتها الأخبار هي: “العالمية، الاعتماد وضمان الجودة، التدريس والبحث العلمي والتطوير والدراسات العليا، الموارد البشرية، الامور المالية وتمويل الجامعة وضبط الانفاق، الإدارة، البنية التحتية، البيئة الجامعية، الحاكمية، تنمية المجتمع، الالتزام بقرارات مجلس التعليم العالي”. فهل هذه معايير يمكن قياسها بدقة؟ كما أن هناك معايير أخرى تم نشرها، وهي: “امتلاك الرئيس لشخصية قيادية، يحترم حقوق وكرامة الآخرين، يتميز بعدالة القرارات الإدارية ومنها تعيين القيادات الأكاديمية والادارية ويمثل إدارة فاعلة وعادلة في مواضيع الترقيات والبعثات والعقوبات في الجامعة، يلتزم بالقوانين والأنظمة والتعليمات ولجميع القضايا، يعين الكفاءات الأفضل في المواقع الإدارية (نائب رئيس، عميد،…..)، وقرارات دقيقة ومدروسة ومستقرة لا تتغير بسرعة وتتصف بالحكمة والموضوعية وللجنة التواصل مع الجهات الرقابية المعنية في المملكة للحصول على المعلومات”. لا أعرف كيف يمكن قياس هذه المعايير بطريقة علمية موضوعية بعيداً عن المزاجية، والأحكام المسبقة. مع العلم أن هناك تصريحات للوزير تقول: إن التقييم يخص المؤسسة ولا يخص الرئيس، فكيف يمكننا فهم هذا اللغز؟ وهل يتحمل الرئيس كافة مشاكل المؤسسة السابقة واللاحقة؟ بالإضاف لذلك تشير بعض الأخبار إلى أن لجنة التقييم الأخير أعطيت أسبوعين فقط للانتهاء من دراسة تقرير لجنة الخبراء البالغ ٢٤٠ صفحة، فهل هناك أحكام مسبقة، وأسماء لا تعجب الحكومة، أو محسوبة على شلل ليست من الشلل الحاكمة اليوم؟ ربما، وأرجو أن لا تكون كذلك.

بقي القول إن التحشيد العشائري والمناطقي ليس حلاً وليس وسيلة للتعبير عن الرفض، ولا يمكن معالجة الخطأ بخطأ مثله، وإن كان بعض الناس يتحجج بأن كل ما يدور ما هو إلا تعبير عن عشائرية ومناطقية وجماعات يدعم بعضها بعضا للحصول على مصالح ومكاسب خاصة.

ما يحدث يشعرني أن كل ما يُقال عن إصلاح التعليم ما هو إلا كلام للاستهلاك الإعلامي، والحقيقة المرّة أننا لا نستحق في هذا الوطن الجميل أي عمل يمكن أن يُفرحنا، ويزرع فينا الأمل للمستقبل.

 

يوسف ربابعة: كاتب وباحث وأستاذ جامعي. له مجموعة أبحاث في مجال التعليم والفكر والسياسة، ومنها: تجديد الفكر الديني، الشعر والقرآن.

أضف تعليقك