التفاحة والأخبار الكاذبة
يدور نقاش بين الحين والآخر حول مصداقية الإعلام، ويزداد هذا النقاش في ظلّ زيادة غير مسبوقة لعدد الأشخاص الذين أصبح الواحد منهم بمجرّد حوزته لهاتف ذكي أو حاسوب صحافياً ومحرراً وناشراً في آن.
إن زيادة المضمون والأفكار المختلفة أمر في غاية الأهمية ويدعم الحريات والديمقراطية مهما حاولت السلطات والحكومات وبعض قوى الشد العكسي محاربتها. لكن مع زيادة كم المضمون يجب أن لا ننسى أو نتناسى أهمية المضمون الصحافي المستقل والمهني، فالصحافة كأي مهنة لها شروط وأساليب وأسس يجب على من يريد الخوض فيها متابعتها.
قد يكون أهم أمر في مجال الصحافة ينحصر في مبدأ مهم وأساسي وهو الحقيقة، فالمتناول للمضمون الإخباري يريد أن يعرف الحقيقة المجردة وأن يتأكد من ذلك.
لا شك أن هناك آراء مختلفة ولكل شخص الحق الدستوري والطبيعي أن يتمتع برأيه وأن يكون له الحق في التعبير عن ذلك الرأي. لكن الرأي الجيد والمقنع هو ذلك الرأي المبني على حقائق وليس على معلومات مزيفة. ومن الجميل في التطور التكنولوجي أن العديد من المؤسسات الإعلامية تضع رابطاً إلكترونياً لكل معلومة منشورة حتى لو كان ذلك ضمن مقال رأي. فكما يقول المفكرون لك الحق في الرأي ولكن لا يوجد لك الحق في تغيير الحقائق.
إذا فصلب الصحافة والاعلام هو المصداقية. ورغم أن التوازن وإعطاء الراي والرأي الآخر أمر في غاية الأهمية إلا أن الحقيقة تعلو على مبدأ التوازن. فإذا قلت إن الشمس تخرج علينا من الشرق وتغيب في الغرب فإن تلك الحقيقة لا تحتاج إلى تعدد الآراء حولها.
تقوم هذه الأيام فضائية “سي ان ان” ببث إعلان بسيط ولكنه قوي. الإعلان يظهر تفاحة حمراء تدور حولها الكاميرا ويقول المذيع هذه تفاحة. ليس مهماً كيف تراها إذا رأيتها من اليمين أو اليسار فإنها تفاحة، وليست موزة، وينهي الإعلان البسيط والقوي بكلمة “الحقيقة أولاً.”
كم نحن بحاجة إلى ضرورة توفر الحقيقية أولاً، ثم يمكن أن يتم الاستماع إلى تحليل من اليمين ومن اليسار ومن أي جهة كانت.
في عصرنا الحالي، يبدو أن تكاثر الوسائل التي تنقل الخبر وقلّة الخبرة والأمانة لدى العديد من الناشرين (كانوا صحافيين أو مواطنين) سببت بانخفاض حاد في نسبة ثقة الناس بما يكتب وينشر خاصة في وسائل الإعلام الحديثة.
كم نحن الآن بحاجة الى عمليات محو أمية إعلامية تساعدنا على تحليل الخبر واكتشاف ما إذا كان فعلاً خبراً صادقاً أم خبراً كاذباً وملفقاً. قد تكون إحدى وسائل كشف الصدقية في الأخبار هو معرفة المصدر، فإذا كان المصدر الناشر أو الصحافي ذا مصداقية تكون نسبة الثقة في المضمون عالية والعكس صحيح.
في عصر المعلومة وعمليات النشر الواسعة علينا جميعا أن نكون حريصين ليس فقط على كشف الأخبار الكاذبة والملفقة ولكن علينا أن نرفع العلم ونحذر الآخرين من التعاطي مع تلك الأـخبار الكاذبة أو مع ناشري تلك الأخبار. لأن الأكسجين الذي يسمح لتلك الأخبار الحياة والاستمرار هو التناقل وعدم التصدي لها.
في عصرنا الحالي أصبحت ضرورة وقف تلوث عقولنا وأفكارنا بأخبار كاذبة وملفقة ضرورة وطنية واجتماعية وحياتية من الطراز الأول.
داود كتّاب: مدير عام شبكة الإعلام المجتمعي. أسس العديد من المحطات التلفزيونية والإذاعية في فلسطين والأردن والعالم العربي.