“قاتل، مجرم، جاني”: أحكام يطلقها الإعلام قبل محاكمة المتهمين

“قاتل، مجرم، جاني”: أحكام يطلقها الإعلام قبل محاكمة المتهمين
الرابط المختصر

في 25 من تشرين أول لعام 2013 نشرت المواقع الإلكترونية خبراً عن قيام أم سورية بقتل ابنها المصاب بالتوحد، من خلال حقنه بالبنزين.

 

مواقع خبرني وأردني وجراسا نشرت الخبر بعنوان “لاجئة سورية تقتل ابنها المصاب بالتوحد” في الوقت الذي نشر موقع عمون الخبر بعنوان أم تحقن طفلها بإبرة بنزين في اربد. واستندت تلك المواقع على “مصدر أمني” أعطى ذات التفاصيل لمعظم المواقع، مع الجملة المعتادة في نهاية الخبر: “تم توديع القضية لمدعي عام الجنايات الكبرى”.

 

الخبر نقلته ايضا صحيفة الدستور عن وكالة الأنباء الفرنسية بذات العنوان والتفاصيل، اضافة إلى قيام صحف أخرى بنقله من الفرنسية التي نشرته بعنوان “لاجئة سورية تقتل ابنها المصاب بالتوحد” مع اضافات حول مبررات الأم التي رغبت بإراحة ابنها من العذاب. وجاء في الخبر انها ليست المحاولة الأولى للأم لقتل طفلها، حيث سبق وحاولت وفشلت.

 

تلك الأخبار اعتمدت في اثباتها لتهمة القتل على اعتراف الأم بارتكابها الجريمة أمام المحققين من الأجهزة الأمنية.

 

بعد 14 شهرا على نشر الخبر، حكمت محكمة الجنايات الكبرى بعدم مسؤولية الأم عن وفاة ابنها، مؤكده أنها لم تجد اي دليل يشير الى ان المتهمة قامت بمحاولة خنقه كما انها لم تقتنع باعترافها امام المحققين والمدعي العام بانها قامت بحقنه بمادة البنزين، ذلك ان الاعتراف تناقض مع باقي البينات ومن ضمنها البينات القانونية وهو (تقرير المختبر الجنائي) والذي اكد خلو جسم المغدور من مادة البنزين، وهذا ما اكده تقرير تشريح جثة الطفل الذي بين ان سبب الوفاة هو الاستفراغ، ولهذه الاسباب قررت المحكمة اعلان عدم مسؤولية الأم عن جناية القتل المسندة اليها.

 

الملفت أن خبر عدم المسؤولية نُشر في موقعي عمون وخبرني بعنوان “الحكم بعدم مسؤولية لاجئة سورية قتلت ابنها”، اي ان خبر عدم المسؤولية ذاته يحمل تهمة القتل، في الوقت الذي نشرت فيه صحيفة الغد الخبر نقلا عن وكالة بترا تحت عنوان “الحكم بعدم مسؤولية لاجئة سورية عن قتل طفلها”.

 

موقع البوصلة نشر الخبر تحت عنوان “الحكم ببراءة أم عن قتل طفلها”، مع وجود اختلاف بالمعنى القانوني لعدم المسؤولية والبراءة، ما يعطي يظهر ارتباك المحررين في كتابة أخبار الحكم بعدم المسؤولية أو البراءة.

 

اسناد التهم من قبل وسائل الإعلام للأشخاص الملقى القبض عليهم ليس بالأمر النادر، فلا يكاد خبر صادر عن المركز الأمني عن القاء القبض على “متهم” بقيامه بفعل معين، يخلو من اسناد التهمه له عند نشره في المواقع الإلكترونية.

 

موقع jo24 ، على سبيل المثال، نشر خبرا بعنوان القبض على قاتل حارس عمارة في اربد، بالرغم من أن متن الخبر نُقل عن مصدر أمني أكد إلقاء القبض على “المشتبه به”، الا ان الموقع أسند تهمة القتل.

 

اخلاء المسؤولية لمتهمة بالقتل من قبل الجنايات ليست المرة الأولى، فقبل عدة أشهر أعلنت محكمة الجنايات عدم مسؤولية سيدة اتهمت بمشاركتها في جريمة قتل في العقبة، فيما كانت وسائل الاعلام قد تعاملت مع الخبر على ان السيدة متهمة بالمشاركة بالجريمة لقيامها باستدراج الضحية.

 

مثل هذه الأخبار، غالبا ما تؤثر على توجهات الرأي العام الذي يغضب ويطالب باعدام المتهمين بالقتل حتى قبل عقد اولى جلسات المحاكمات، مثل جريمة قتل الشاب وسام حداد والتي تفاعل معها الرأي العام في حزيران الماضي، مطالبا بقتل المتهم. نشرت بعض المواقع صوره واسمه الكامل، بالرغم من أن بيان الأمن العام كان واضحا حول القبض على “مشبه به”، وجاء في البيان: “باقل من 24 ساعه تمكن فريق تحقيقي خاص شكل لهذه الغاية من القاء القبض على احد الاشخاص ممن يعملون مع المغدور في نفس الشركة بعد الاشتباه به والذي اعترف بالتحقيق معه بارتكاب الجرمية وقتل المغدور بسبب خلافات بينهما وجرى ضبط سلاح الجريمة وباشر مدعي عام محكمة الجنايات الكبرى التحقيق بالقضية”. لكن الخبر نشر تحت عنوان “القبض على القاتل…”.

 

ذات الأمر تكرر مع عناوين “القبض على قاتل عشرينية في ام اذينه “، “القبض على قاتل بعد 11 عاما على ارتكابه الجريمة” أو “القبض على قاتل شقيقته وضرتها” و”القبض على خمسينية في مادبا”، “القبض على قاتل في أقل من 24 ساعة”.

 

بيانات الأمن العام تتحدث غالبا عن تفاصيل الجرائم، مفصلة الاجراءات الأمنية المتخذة لإلقاء القبض على “الفاعل”، من وجهة نظرها لأنه قام بالاعتراف أمام محققيها بقيامه بالجريمة، الا ان البيانات تتضمن دوما جملة أخيرة، هامه قانونيا لكنها مهملة صحفيا، وهي “ايداع القضية لمدعي عام الجنايات الكبرى”، أو “ايداعها للقضاء”. الجملة مع ما تحمل من تأكيد على عدم البت في القضية واحتمالية تبرئة المتهمين او اخلاء مسؤوليتهم، الا ان الإعلام يهمل هذه الجملة مطلقا التهم. فقلما نجد في العناوين جملة “متهم بالقتل” أو “مشتبه به”، فهي في أغلبها تحمل أوصاف “القاتل”، “المجرم”، “الجاني”، “السارق” وغيرها.

 

أضف تعليقك