مفكرون وسياسيون عرب: تحقُّق المصالحات الوطنية تعزز الاستقرار
أكد المشاركون في الندوة الختامية التي عقدها مركز دراسات الشرق الأوسط في عمان بعنوان "العالم العربي من الانقسام إلى المصالحات" على ضرورة أن تأخذ النخب العربية زمام المبادرة للالتقاء على القواسم المشتركة، وتوفير مظلّة مشتركة واحدة على مستوى الشعوب لتتبعها الأنظمة، معتبرين أن المصالحات الحقيقية تبدأ بين الأنظمة العربية وشعوبها، عبر تعزيز الحريات والديمقراطية وتوسيع دائرة الشراكة السياسية وبناء الجماعة الوطنية.
وشارك في الندوة نحو 90 من الخبراء والأكاديميين ورجال السياسة من 6 بلدان عربية، وتخلّلها تقديم 18 ورقة بحثية ومداخلة متخصصة تناولت حالات في الانقسام بين المحاور والقوى الاجتماعية داخل الدولة الواحدة وبين التيارات العربية الرئيسية.
وأجمع المشاركون في الندوة التي عقدت على مدى يومين على خطورة الانقسامات الحالية في العالم العربي وخصوصًا في كل من سوريا وليبيا واليمن والعراق وفلسطين ومصر، وتأثيرها السلبي البالغ على النسيج الوطني لكل دولة عربية، وعلى الأمن القومي العربي الشامل، ثمّ على الدور العربي الإقليمي والدولي، بما يؤدي في المجمل إلى إضعاف المشروع العربي الواحد.
ويرى المشاركون أن الإشكالية الحقيقية التي تواجه المجتمعات العربية لا تتعلّق بعمق الخلافات القائمة فيما بينها أو في داخلها، وإنما في عجزها عن التوصل إلى آلية مناسبة لإدارة هذه الخلافات بطريقة تحول دون تحوّلها إلى انقسامات مستعصية، مؤكدين أن الدبلوماسية هي الأداة المناسبة لحلّ الخلافات أو حتى النزاعات بين الفرقاء داخل الدولة الواحدة وبين الدول.
وحذر المشاركون من خطورة التحول إلى صراع المحاور التي تستنزف الأمة، والدعوة إلى اعتبار المحاور إضافة نوعية للمهام القومية للأمة ولمواجهة العدو المركزي، وليس للمعارك الداخلية والبينية عربيًا، معتبرين أن أساس الانقسامات في العالم العربي هو انقسام الأنظمة وليس الشعوب مما يجعل من المصالحات ضرورة لا تزال إمكانياتها قائمة، وهي بحاجة إلى متطلبات لنجاحها، ومن أهمها الإرادة السياسية لدى كافة الأطراف، مع إدراك هذه الأطراف أن غياب المصالحات سيفضي إلى نتائج كارثية، وإلى خسارة الكلّ العربي لحساب المشروع الصهيوني المعادي في الإقليم.
ويرى المشاركون أنه لا يمكن إنكار دور الخارج في الانقسامات العربية، لكنه يقع في المقام الثاني، ويعدّ البعد الداخلي الذاتي المدخل الرئيس لبناء الحصانات الداخلية ضدّ أي مخططات خارجية معادية، كما اكدوا على ضرورة اعتبار أن التنازلات والتوافقات هي المدخل إلى المصالحة وبناء السلم الاجتماعي والوحدة الوطنية في العالم العربي، واستبعاد المكاسب الكاملة أو المغالبة بوصفها مدخلاً إلى ذلك، وهو الأمر الذي يتطلب تغيير زوايا النظر لدى النخب الحاكمة والقوى والأشخاص في ضوء التحولات التاريخية وتطور الأحداث والقوى وتموضعها.
وطالب المتحدثون في جلسات الندوة بتحديد أطراف المصالحة في كلّ بلد، وتحديد المطلوب عربيًا، ثمّ إعادة بناء الأنظمة ومؤسساتها السياسية والأمنية والعسكرية، وتوزيع المهام والصلاحيات، وإعادة بناء البلاد وبناها التحتية على قاعدة المصالحة التي يتم التوصل إليها، مع البحث عن مجموع الكتل المقبولة لدى كل الأطراف والتيارات لحمل أسس المصالحة وبلورتها، والتصدّر للمشهد الجامع بعيداً عن الجمود أو إلغاء الآخر أو الاستفراد.
كما دعوا إلى بلورة ملامح رؤية وخارطة طريق مفصلة للانتقال من الانقسام إلى المصالحة على المستوى الوطني والقومي، وذلك وفق مبادئ وأسس وآليات وتصور عملي لعملية الانتقال ومتطلباتها السياسية والقانونية والاجتماعية والاقتصادية، و تبني خطوط عامة لرؤية عربية واقعية، وعملية وشاملة للمخرج، والتي تضم مرحلة تهيئة ما قبل الحوار، ثم إجراء الحوار، ثم تحقيق الشراكة السياسية والاجتماعية والعيش المشترك، ثم التفاهم على إدراك الخطر والتهديد وتحديد أولويات الأخطار المهدِّدة، ثم صياغة أسس وقواعد العقد الاجتماعي والنظام السياسي الأفضل، والاعتراف بالحقوق الأساسية والإنسانية، والاجتماع على مشروع عربي أساسي للنهضة.
وشدد المشاركون على أن تحقُّق المصالحة الوطنية يعزز الاستقرار ويُفضي إلى التنمية والفاعلية محلياً وخارجياً، ويساهم في بناء برامج إدارية ضامنة للأدوار المحلية والاجتماعية، ويؤكد تعزيز الحكم المحلي كجزء من إجراءات توزيع السلطات وبناء الثقة والاستقرار الأمني والاجتماعي في البلاد.
ودعا المشاركون في الندوة وسائل الإعلام والمنصات الإعلامية لإعطاء مساحات واسعة في منصاتها الإعلامية للدعوة إلى المصالحة وحلّ الأزمات، والمبادرة إلى نبذ الانقسام والفوضى بشكل منهجي، وعدم السماح بترويج خطاب الكراهية والخطاب الطائفي، والتركيز على دور المؤسسات المجتمعية والقوى السياسية في توعية أجيال الشباب في العالم العربي وزرع قيم التنوع وقبول الآخر والشراكة والتشارك السياسي فيهم وصولاً إلى تحقيق المصالح العليا الوطنية والقومية.
كما دعوا إلى ورشة عمل حول نماذج المصالحات الوطنية حول العالم، للاستفادة من الدروس والعبر الممكنة منها، للتوصل إلى نموذج يصلح للبلاد العربية التي تعاني من انقسامات أو حروب أهلية مع الفروقات، مع دعوة مراكز التفكير والبحث إلى الاهتمام ببحث موضوع المصالحات في العالم العربي، والبناء على مخرجات هذه الندوة والبناء عليها.
وأكد المدير التنفيذي لمركز دراسات الشرق الأوسط الدكتور بيان العمري أن المركز، وبناء على نتاجات الندوة، سيعمل على بلورة خريطة طريق، ومحاولة صياغة نموذج يساهم في تطبيق مصالحات عربية، وطنية وقومية، بما في ذلك في حالات عربية محددة.
وتضمنت الندوة 18 بحثاً وورقة، بحيث تناولت الجلسة الاولى "الحالة الراهنة في العالم العربي واستراتيجيات تحقيق المصالحات" والتي ترأسها رئيس الوزراء الأسبق الدكتور عدنان بدران، وتحدث فيها كل من اللواء المتقاعد محمد ارديسات، والدكتور حامد قويسي استاذ العلوم السياسية في جامعة لندن ، والدكتور نظام بركات استاذ العلوم السياسية في جامعة اليرموك، كما خصصت الجلسة الثانية للحديث حول "آفاق المصالحات الوطنية في العالم العربي- دراسة حالات" وتضمنت الحالة في كل من فلسطين ومصر وترأسها الدكتور محمد أبو حمور رئيس منتدى الفكر العربي وتحدث فيها كل من المفكر العربي الدكتور حسن نافعة والمفكر العربي الدكتور فهمي هويدي واستاذ العلوم السياسية في جامعة النجاح في نابلس الدكتور رائد نعيرات و الدكتور مخيمر أبو سعدة أستاذ العلوم السياسية في جامعة الأزهر في غزة والأستاذ عاطف الجولاني رئيس تحرير صحيفة السبيل.
فيما تضمن اليوم الثاني للندوة عقد ثلاث جلسات تناولت الجلسة الأولى منها "آفاق المصالحات الوطنية في العالم العربي- دراسة حالات" وتناولت كلاً من سوريا والعراق وترأسها الدكتور علي بريزات المفوض العالم لحقوق الإنسان في الأردن وتحدث فيها كل من الدكتور عمار قحف المدير التنفيذي لمركز عمران للدراسات الاستراتيجية من سوريا والدكتور علي الأحمد المستشار السياسي لوزير الإعلام السوري، والخبير العسكري والاستراتيجي الدكتور فايز الدويري.
كما تحدث فيها كل من الدكتور عبد السلام بغدادي استاذ العلوم السياسية في جامعة بغداد و الدكتور سعد ناجي جواد استاذ العلوم السياسية في جامعة بغداد والدكتور صباح ياسين استاذ الاعلام والدبلوماسي العراقي الأسبق، فيما تضمنت الجلسة الثانية الحديث حول آفاق المصالحات القومية في العالم العربي- دراسة حالات" والتي ناقشت آفاق المصالحة بين التيارات والقوى السياسية العربية، والأزمة الخليجية، وأزمة المحاور العربية وآفاق المصالحة بينها ، وترأسها الأمين العام الأسبق لحزب جبهة العمل الإسلامي حمزة منصور وتحدث فيها كل من الأمين العام المساعد للحزب الديمقراطي التقدمي محمد البشير والمؤرخ الأردني الدكتور علي محافظة و الخبير العسكري والاستراتيجي الدكتور قاصد محمود.
فيما تناولت الجلسة الأخيرة للندوة "رؤية العالم العربي بين عهدين: الانقسام والمصالحات" وترأسها استاذ العلوم السياسية الدكتور أحمد سعيد نوفل وتحدث فيها كل من المفكر العربي الدكتور فهمي هويدي والدكتور مصطفى عثمان مندوب السودان في الأمم المتحدة.